العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

الثقافي

قصة الطفل..
فكرُ الكاتب ومنحنى التطور

بقلم: رضا الستراوي

السبت ١٠ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

‮«‬قيل‭ ‬لنابليون‭ ‬يوماً‭: ‬إن‭ ‬جبال‭ ‬الألب‭ ‬الشاهقة‭ ‬تمنعك‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬فقال‭: ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تزول‭ ‬من‭ ‬الأرض‮»‬‭.‬

تجسيد‭ ‬واقع‭ ‬الطفل‭ ‬وحلم‭ ‬طفولته‭ ‬هو‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬إبداع،‭ ‬فجعل‭ ‬الطفل‭ ‬يعايش‭ ‬إطاره‭ ‬الزماني‭ ‬يجعل‭ ‬منه‭ ‬ذا‭ ‬فكر‭ ‬ناضج،‭ ‬وسلوك‭ ‬رزين،‭ ‬ويُصيّر‭ ‬من‭ ‬مخيلته‭ ‬انفتاحاً‭ ‬لعوالم‭ ‬الرشد‭ ‬والوعي‭ ‬السليم،‭ ‬فقصص‭ ‬الطفل‭ ‬محطة‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬الانتظار‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مراحله‭ ‬العمرية،‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬النوتة‭ ‬الموسيقية‭ ‬لهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بأعلى‭ ‬مستوياتها،‭ ‬فهي‭ ‬أسس‭ ‬وقوام‭ ‬شخصية‭ ‬ستصاهر‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬المختلفة‭.‬

وعلى‭ ‬رغم‭ ‬المنعطفات‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬قصة‭ ‬الطفل‭ ‬إلا‭ ‬إنها‭ ‬مازال‭ ‬لها‭ ‬روادها،‭ ‬فتغير‭ ‬الوقت،‭ ‬وتبدل‭ ‬فكر‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬يحتم‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬يتناول‭ ‬جوهر‭ ‬القصة‭ ‬بأسلوب‭ ‬خاص،‭ ‬نازلاً‭ ‬فيها‭ ‬بالرغبات‭ ‬النفسية‭ ‬للصغار،‭ ‬ومن‭ ‬تطورٍ‭ ‬ومواكبة‭ ‬للأفكار‭ ‬الحديثة‭ ‬للصبية،‭ ‬ومما‭ ‬أتذكره،‭ ‬قولٌ‭ ‬للدكتور‭ ‬المصري‭ ‬إبراهيم‭ ‬الفقي‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬شيئا‭ ‬أبعد‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬أتقنته‭.. ‬فإنك‭ ‬لا‭ ‬تتقدم‭ ‬أبدا‮»‬،‭ ‬فمحاولة‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬يخرُج‭ ‬من‭ ‬قوقعة‭ ‬الماضي‭ ‬ومن‭ ‬تصورات‭ ‬ومفاهيم‭ ‬عن‭ ‬مكنونات‭ ‬الطفل،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتبدل‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي،‭ ‬فانفتاح‭ ‬الأطفال‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يجعلهم‭ ‬أكثر‭ ‬استيعاباً‭ ‬لأمور‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يدركها‭ ‬أندادهم‭ ‬من‭ ‬الأجيال‭ ‬السابقة،‭ ‬فأصبحت‭ ‬الحصيلة‭ ‬العلمية‭ ‬لديهم‭ ‬أكبر،‭ ‬مما‭ ‬يدع‭ ‬الطفل‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬القصص‭ ‬الراهنة‭ ‬لا‭ ‬تفي‭ ‬بمستوى‭ ‬إدراكه‭ ‬لأمور‭ ‬الحياة،‭ ‬فتكون‭ ‬حصيلتها‭ ‬منعوتة‭ ‬بالتفاهة‭ ‬عند‭ ‬البراعم‭ ‬الصغيرة‭!‬

وعندما‭ ‬نلتمس‭ ‬موضع‭ ‬الجرح‭ ‬في‭ ‬الجسد،‭ ‬نرى‭ ‬بأن‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يلتفت‭ ‬الكاتب‭ ‬له،‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬حلولاً‭ ‬لإيقاف‭ ‬النزيف‭ ‬من‭ ‬الدم‭!‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجراء‭ ‬توفير‭ ‬ما‭ ‬يقتضي‭ ‬توفيره‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬وأحداث،‭ ‬ومغزى،‭ ‬وحبكة‭..‬،‭ ‬تساير‭ ‬المنحنى‭ ‬الذي‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬شخصية‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬الحديثة،‭ ‬فقصص‭ ‬الطفولة‭ ‬ركن‭ ‬ثابت‭ ‬في‭ ‬صقل‭ ‬الشخصية،‭ ‬ولا‭ ‬يتعين‭ ‬أن‭ ‬نرجح‭ ‬كفة‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬تنشئة‭ ‬الشخصية‭ ‬المستقبلية‭ ‬من‭ ‬ذاك‭ ‬الطفل،‭ ‬ففي‭ ‬القصص‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬والمواعظ‭ ‬والإرشادات‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭ ‬بأرجل‭ ‬الصبية‭ ‬نحو‭ ‬المسار‭ ‬المنشود‭.‬

فانطلاقات‭ ‬قصص‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬غير‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬واقعنا‭ ‬الحالي،‭ ‬فلا‭ ‬مهرب‭ ‬من‭ ‬معايشته،‭ ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬ينفذ‭ ‬القاص‭ ‬إسهاماته‭ ‬السردية‭ ‬والوصفية‭ ‬المواكبة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تفنيد‭ ‬مقتضيات‭ ‬الغرب‭ ‬الفكرية؟،‭ ‬فعندما‭ ‬نقول‭ ‬بأن‭ ‬على‭ ‬القاص‭ ‬مزاحمة‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬

فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أخذُ‭ ‬ما‭ ‬لهُ‭ ‬وما‭ ‬عليه‭ ‬وذا‭ ‬بمعنى‭ ‬التضاد،‭ ‬فمجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬تجرد‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬الاعتقادات‭ ‬الخبيثة‭ ‬والمسمومة،‭ ‬فالرؤية‭ ‬الضبابية‭ ‬للغرب‭ ‬قد‭ ‬أودت‭ ‬البراءة‭ ‬الطفولية‭ ‬إلى‭ ‬منحدر‭ ‬خطير‭ ‬قد‭ ‬يصعب‭ ‬العودة‭ ‬منه،‭ ‬فمن‭ ‬المحال‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬وجها‭ ‬الشر‭ ‬والخير‭ ‬عملة‭ ‬واحدة،‭ ‬فكلا‭ ‬القيمتين‭ ‬مختلفتين،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬رابطاً‭ ‬يجمعهم،‭ ‬فنتاج‭ ‬العمل‭ ‬القصصي‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذا‭ ‬معنى‭ ‬ومغزى‭ ‬يشبع‭ ‬الشخصية‭ ‬الطفولية‭ ‬بالتسامي‭ ‬والخلق‭ ‬العظيم‭.‬

إذاً‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬ستأخذ‭ ‬الرياح‭ ‬السفينة؟،‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مرسى‭ ‬ستقف؟‭ ‬فالقاص‭ ‬الآن‭ ‬أصبح‭ ‬تحت‭ ‬المقصلة،‭ ‬فصعوبة‭ ‬إثراء‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬بقصص‭ ‬الطفل‭ ‬الموافقة‭ ‬لهواهم‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لهذه‭ ‬السموم‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الهين،‭ ‬فانبعاثات‭ ‬أفكار‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬وجهها،‭ ‬ففي‭ ‬الأمس‭ ‬كانت‭ ‬الكتب‭ ‬ومجتمع‭ ‬الأهل‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يتحكمون‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الشخصية‭ ‬للطفل،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فتفرعت‭ ‬مصادر‭ ‬الصقل‭ ‬والبناء،‭ ‬ومنع‭ ‬الأهل‭ ‬للطفل‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها،‭ ‬إلا‭ ‬إنه‭ ‬سيلاقيها‭ ‬في‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬أسوار‭ ‬المنزل،‭ ‬فالقاص‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬تجنيد‭ ‬قلمه‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الطفولة،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬رسائله‭ ‬جلية‭ ‬ذات‭ ‬محفز‭ ‬واعي،‭ ‬ينقل‭ ‬الرسالة‭ ‬بصدق‭ ‬للأطفال‭ ‬والناشئة‭.‬

فإلى‭ ‬أين‭ ‬ستتجه‭ ‬قصص‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحالي؟،‭ ‬وما‭ ‬مدى‭ ‬كمية‭ ‬إدراك‭ ‬الطفل‭ ‬والأهل‭ ‬لها؟

فربما‭ ‬يحوز‭ ‬الطفل‭ ‬تجارب‭ ‬ومفاهيم‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ولكن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يتحصل‭ ‬على‭ ‬جوهرة‭ ‬الأخلاق‭ ‬والبراءة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬وقراءته‭ ‬والإبحار‭ ‬فيه‭ ‬بعناية‭ ‬ووعي‭.‬

فمنبع‭ ‬التطور‭ ‬ليس‭ ‬دائماً‭ ‬يكون‭ ‬صحيحاً،‭ ‬فبعض‭ ‬الأحيان‭ ‬قد‭ ‬يحني‭ ‬ظهر‭ ‬التربية‭ ‬السليمة،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬القشة‭ ‬التي‭ ‬قصمت‭ ‬ظهر‭ ‬البعير‭! ‬

‭  ‬

r.alstrawi10@gmail.com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا