«قيل لنابليون يوماً: إن جبال الألب الشاهقة تمنعك من التقدم فقال: يجب أن تزول من الأرض».
تجسيد واقع الطفل وحلم طفولته هو بحد ذاته إبداع، فجعل الطفل يعايش إطاره الزماني يجعل منه ذا فكر ناضج، وسلوك رزين، ويُصيّر من مخيلته انفتاحاً لعوالم الرشد والوعي السليم، فقصص الطفل محطة من محطات الانتظار التي يمر بها الإنسان في مراحله العمرية، فيجب أن تكون النوتة الموسيقية لهذه المرحلة بأعلى مستوياتها، فهي أسس وقوام شخصية ستصاهر فئات المجتمع المختلفة.
وعلى رغم المنعطفات التي مرت بها قصة الطفل إلا إنها مازال لها روادها، فتغير الوقت، وتبدل فكر الطفل في الوقت الراهن يحتم على الكاتب أن يتناول جوهر القصة بأسلوب خاص، نازلاً فيها بالرغبات النفسية للصغار، ومن تطورٍ ومواكبة للأفكار الحديثة للصبية، ومما أتذكره، قولٌ للدكتور المصري إبراهيم الفقي: «إذا لم تحاول أن تفعل شيئا أبعد مما قد أتقنته.. فإنك لا تتقدم أبدا»، فمحاولة الكاتب أن يخرُج من قوقعة الماضي ومن تصورات ومفاهيم عن مكنونات الطفل، يجب أن تتبدل في عصرنا الحالي، فانفتاح الأطفال اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي يجعلهم أكثر استيعاباً لأمور كان لا يدركها أندادهم من الأجيال السابقة، فأصبحت الحصيلة العلمية لديهم أكبر، مما يدع الطفل يرى أن القصص الراهنة لا تفي بمستوى إدراكه لأمور الحياة، فتكون حصيلتها منعوتة بالتفاهة عند البراعم الصغيرة!
وعندما نلتمس موضع الجرح في الجسد، نرى بأن ينبغي أن يلتفت الكاتب له، ويحاول أن يضع حلولاً لإيقاف النزيف من الدم!، من خلال إجراء توفير ما يقتضي توفيره من شخصيات وأحداث، ومغزى، وحبكة..، تساير المنحنى الذي تمر به شخصية الطفل في ظل التطورات الحديثة، فقصص الطفولة ركن ثابت في صقل الشخصية، ولا يتعين أن نرجح كفة وسائل التواصل الاجتماعي في تنشئة الشخصية المستقبلية من ذاك الطفل، ففي القصص من الحكم والمواعظ والإرشادات التي تأخذ بأرجل الصبية نحو المسار المنشود.
فانطلاقات قصص الطفل من المفترض أن تكون غير منفصلة عن واقعنا الحالي، فلا مهرب من معايشته، ولكن كيف ينفذ القاص إسهاماته السردية والوصفية المواكبة من دون تفنيد مقتضيات الغرب الفكرية؟، فعندما نقول بأن على القاص مزاحمة وسائل التواصل الاجتماعي
فهذا يعني أخذُ ما لهُ وما عليه وذا بمعنى التضاد، فمجتمعاتنا العربية والإسلامية تجرد نفسها من الاعتقادات الخبيثة والمسمومة، فالرؤية الضبابية للغرب قد أودت البراءة الطفولية إلى منحدر خطير قد يصعب العودة منه، فمن المحال أن يكون وجها الشر والخير عملة واحدة، فكلا القيمتين مختلفتين، ولا يوجد رابطاً يجمعهم، فنتاج العمل القصصي لابد أن يكون ذا معنى ومغزى يشبع الشخصية الطفولية بالتسامي والخلق العظيم.
إذاً إلى أين ستأخذ الرياح السفينة؟، إلى أي مرسى ستقف؟ فالقاص الآن أصبح تحت المقصلة، فصعوبة إثراء الساحة الأدبية في الوقت الراهن بقصص الطفل الموافقة لهواهم مع وضع حد لهذه السموم ليس بالأمر الهين، فانبعاثات أفكار وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت من الصعب الوقوف في وجهها، ففي الأمس كانت الكتب ومجتمع الأهل هم من يتحكمون في بناء الشخصية للطفل، أما الآن فتفرعت مصادر الصقل والبناء، ومنع الأهل للطفل الاقتراب منها، إلا إنه سيلاقيها في خارج حدود أسوار المنزل، فالقاص لم يعد قادراً على تجنيد قلمه من جديد في صالح الطفولة، إن لم تكن رسائله جلية ذات محفز واعي، ينقل الرسالة بصدق للأطفال والناشئة.
فإلى أين ستتجه قصص الطفل في العصر الحالي؟، وما مدى كمية إدراك الطفل والأهل لها؟
فربما يحوز الطفل تجارب ومفاهيم من وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن المؤكد أنه لن يتحصل على جوهرة الأخلاق والبراءة من دون الدخول في عوالم هذا الفن وقراءته والإبحار فيه بعناية ووعي.
فمنبع التطور ليس دائماً يكون صحيحاً، فبعض الأحيان قد يحني ظهر التربية السليمة، وقد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير!
r.alstrawi10@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك