أقرت محكمة التمييز عقوبة السجن المؤبد على المتهم بقتل فتاة سند بتهمة القتل العمد، فيما كانت محكمة أول درجة قد استبعدت ظرف سبق الإصرار لعدم توافر سبق الإصرار بحق المتهم كون سبق الإصرار في جريمة القتل حسبما هو مستقر يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن ثورة الانفعال، ما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها.
وكانت النيابة قد تلقت بلاغاً من مركز شرطة جنوب العاصمة بمديرية شرطة محافظة العاصمة بالعثور على جثة متحللة تعود لأنثى بناحية نائية بمنطقة سند، فانتقلت النيابة آنذاك وناظرت الجثة وأجرت معاينة لمكان العثور عليها دلت على قيام شبهة جنائية في الوفاة.
وفي إطار التحقيقات ندبت النيابة العامة خبراء مسرح الجريمة لرفع العينات والآثار المشاهدة بالمكان وفحصها، كما ندبت الطبيب الشرعي للكشف على الجثة لتحديد سبب الوفاة، فيما كلفت الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية بإجراء التحريات وصولاً إلى تحديد شخصية المجني عليها وظروف وملابسات الوفاة. وعقب التعرف على هوية المجني عليها من خلال فحص الحمض النووي (DNA)، وبناء على ما توصلت إليه تحريات المباحث الجنائية التي كشفت تفاصيل الواقعة والتوصل إلى المتهم مرتكب الجريمة وضبطه، فقد جرت تحقيقات النيابة بسماع أقوال الشهود وذوي المجني عليها، وتم استجواب المتهم الذي أقر بقتله المجني عليها بعد أن عقد العزم على التخلص منها، وذلك إثر خلافات نشبت بينهما، وكذا قيامه بإخفاء جثتها بإلقائها بالمنطقة النائية مكان العثور عليها. كما اعترف أيضاً بسبق اعتدائه على عرضها، وإزاء ما قام ضد المتهم من أدلة قولية ومادية ومما خلصت إليه التقارير الفنية فقد أمرت النيابة العامة بإحالته محبوساً إلى المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة.
فيما كانت محكمة أول درجة قد أشارت في حيثيات الحكم إلى أنها عند دراسة الدعوى عن بصر وبصيرة وإلمامها التام بظروف الدعوى وملابساتها اخذت بما ساقته النيابة بأدلة الاثبات فلم يثبت لهيئة المحكمة ان المتهم عند ارتكابه جريمة القتل العمد قام بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها في هدوء وروية قبل ارتكابها بعيداً عن ثورة الانفعال، إنما اطمأنت المحكمة إلى ان حضور المتهم للقاء المجني عليها كان من دون تخطيط مسبق لقتلها وإنما كان بهدف التفاهم معها بسبب بعض الخلافات بينهما،
وأشارت إلى أنها جراء تصرفات المجني عليها عند مقابلة المتهم التي اخرجت المتهم عن طوره وأدخلته في ثورة غضب شديدة فتولدت لديه فكرة قتل المجني عليها والتخلص منها في لحظتها فقام بضربها في عنقها بقصد قتلها فوراً وكانت تنتابه نوبة غضب وانفعال وانغلاق عقلي شديد تحول دون امكانية السيطرة على نفسه ومن ثم قام بالجثم عليها وخنقها إلى أن لفظت المجني عليها انفاسها الأخيرة.
وقالت المحكمة إنها لا تطمئن لتوافر ظرف سبق الاصرار بجريمة القتل العمد بحق المتهم وترى أن الواقعة بما ساقته المحكمة من ادلة تساند بعضها بعضا تشكل جريمة القتل العمد المؤثمة بالمادة 333/1 من قانون العقوبات التي تنص على أنه «من قتل نفسا عمدا يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت»، واختتمت المحكمة حيثيات حكمها بأنها في سبيل تقديرها للعقوبة التي تنزلها بالمتهم أن تتوقف عما كان من المتهم من إجرام وخطورة.
وأضافت المحكمة في حيثيات حكمها أن ما اقترفه المتهم يحتاج صاحبه إلى جزاء رادع تتحقق به غايات العقوبة الجنائية للردع العام والخاص ومن ثم تقضي المحكمة بمعاقبة المتهم بأقصى وأشد عقوبة نص عليها القانون لجريمة القتل العمد التي لا يتوافر فيها ظرف سبق الاصرار وهي السجن المؤبد وأقصى عقوبة نص عليها القانون بجريمة الاعتداء على عرض وهي الحبس مدة ثلاث سنوات من دون استعمال رأفة لانتفاء موجباتها بحق المتهم.
فيما أيدت محكمة الاستئناف الحكم وقالت في حيثيات الحكم إنها تهيب بالمشرع تماشيا مع الشريعة الإسلامية الغراء التي جعلت القصاص حدا واجبا لجريمة القتل العمد في كل حالاته وإن لم يتوافر فيها ظرف مشدد بتعديل المادة وجعل عقوبتها الاعدام أو جعله تخييريا مع قوة السجن المؤبد بما يسمح للقاضي بتطبيقه على جرائم القتل التي لا تقل بشاعة وأثرا موجعا عن تلك المصحوبة بظرف من الظروف المشددة.
وأضافت أنها وهي بصدد تقديرها مدى موافقة ما قدرته محكمة أول درجة من عقوبة مع تناسبه مع جريمة المتهم فقد تبين لها من خلال أوراق الدعوى وما وقع في يقينها من سلوكه الاجرامي الذي لا يجدي معه تقويم على مدى قريب ونفس قد تطرف ضلالها فلا يرتجى منها اصلاح أو انها غدا تطيب بعد أن استهان القاتل بالروح البشرية والنفس الإنسانية التي حرم الله قتلها إلا بالحق وجعل قتلها عنده اعظم من زوال الدنيا وما فيها فهانت عليه تلك الروح البريئة فقتلها كما يدعي دفاعا عن سمعته وسمعة عائلته وهو ما لوثه بقبح فعله ولم يفزع او يرق لما نطقت بها المجني عليها في لحظه ضيق وكرب مرت بها وكأنه حجر ولم تؤثر فيه قلة حيلتها ولم يراع حداثة عمرها وهي في عمر الزهور ولا مرضها النفسي ولم يجزع لروح بشرية انتزعها من بين جنبتاها ولم تعرف الرحمة طريقا إليه فهانت عليه فهان علينا فكذلك اليوم لا يجد له رحمة ولا شفقة وقد اوصد ببشاعة جريمته أبواب كل رحمة ممكن أن ينالها ما لا تجد معه المحكمة الرأفة سبيلا له ولا للرحمة متسعا يسعه وهو ما تقر به الحكم المستأنف.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك