أمرُّ آلاف المرات في مخيلتي على غرفتكِ القصية، على صوت الموسيقى، أمرر يدي على الأكواب الكثيرة، على بقع النسكافيه والأكياس المصقولة الفارغة لأصابع الشوكولا بالكراميل.
على الصندوق الموسيقي، وساق راقصة الباليه فيه وهي تأخذ استدارتها كاملة، أمر على الغرف، التي شهدت ضحكات وأسرار ودموع، أمر على ابتسامتكِ الغريبة للكاميرا، ابتسامتكِ التي نصفها حيرة والنصف الآخر سخرية، أمر على تلكَ الصورة التي تشبهين فيها موناليزا، بقميصك الأسود، شعركِ بتموجاته يبدو ذهبياً في الصور، تلك الصورة التي أذكرها كثيراً، أمر في مخيلتي، على تلكِ الليالي، التي تحملتِ فيها غالباً مهمة مراقبة جرس البيت، سهرة الساعة الثانية عشر لأجل فيلمٍ أجنبي..
أمر على الليلة التي رقصنا فيها على ضوء الشمعدانات، وموسيقى «حتى اللحظة الأخيرة»
حتى أصبنا بالدوار، وبنوبة بكاء، تلك الليلة حين شعرنا بأن أحدهم انتزع منا «توت» للأبد..
أمر على تلك النهارات التي بددتها على سجادة غُرفتكِ أتأمل الضوء وهو يظلل غرفتكِ القصية مثل غيمة ثم يتلاشى..
غرفتكِ، الغيم، الموسيقى، بقع النسكافيه، رائحة بودرة الخُزامى المعطرة..
أريد أن أذكُركِ في تلك الصورة بقميصكِ الأسود وشعركِ المموج إلى الأبد..
أريد أن أصنع غياباً كافياً، غياباً صارخاً وقاسياً لا يسمع فيه أحد بكائي على المسافة أو يلحظ فيه أحد دمعة تفر كلما ذكرتكِ وشعرت باليتم، كلما ذكرتكِ بيني وبين نفسي وأرغمت نفسي على نسيانكِ لأن تذكر هذه المسافة حادٌ ومؤلم مثل الأشواك..
أريد أن أقترف هذه الحياة يوميا من دون أن أشعر بالذنب، ذنب أو مرارة أني تركتكِ تخوضين هذا كله وحدكِ لأني كنت أكثر جبناً من أن أراكِ تنتزعين هذه السكاكين كلها، أريد أن أعترف لكِ أنا أكثر هشاشة مما تظنين، هشة أمام حزنكِ، هشة أمام قوتكِ، أمام عباءتك السوداء، أمام زجاجة عطرك الـ«جيفنشي»
أنا وحيدة للغاية حين أضع قهوتي التركية وأذكر فناجينكِ وطقوس الشاي..
أنا وحيدة جداً حين أذكر أنكِ لستِ هنا، وأن يدي لا تمتد، وصوتي صمتٌ عميق، صمت عميق، لا لأجل شيء سوى أن طوفان بكاء يكفي ليغرق العالم حزنا على إصيص الورد الذي بقيَّ خالياً بعدكِ، على موسيقى «ياني» التي لم تعد نفسها..
لا أريد أن أحزنكِ الليلة بالتحديد، لأنه عيدكِ
لكنها محبتي، محبتي التي لا تنفصل عن الألم أو الاشتياق..
لا أريد أن أحزنكِ الليلة بالذات، أريد أن أقول لكِ، أنا أصلي لكِ حين أكون بيني وبين نفسي، أريد أن أقول لكِ أنا أشتاق إليكِ وأمرُ آلاف المرات في مخيلتي على غرفتكِ..
على صورتكِ التي أريد أن أحتفظ بها للأبد..
احتفلي الليلة، لأجلي، احتفلي لأنكِ استطعتِ انتزاع هذه السكاكين، لأنكِ استطعتِ الوقوف على قدمين وأحياناً واحدة وسط هذه الظلام كله، احتفلي بملاذكِ وطمأنينتك، احتفلي لأننا نعرف سلفاً الإجابة عن السؤال: «إلى أين نذهب حين نفقدُ خط العودة»..
احتفلي لأنه وحده ملاذكِ وطمأنينتكِ وقوتكِ..
احتفلي لأنه رفع ونجى، لأنه فتح ذراعيه على اتساعهما، ومد يديهِ على شعركِ المموج..
لأنكِ تحت ظل رحمته ورعايته للأبد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك