يقول الأديب الأمريكي الشهير ارسكين كالدويل «لا قوة إلا قوة الضمير»!
نعم، في باطن كل إنسان إضاءة تسمى ضمير تنير له الطريق وتثري المسيرة، وتحفز على الإخلاص، وتدفع على الإتقان، هكذا هو مبدأها في الحياة، وهذا هو سر قوتها ونجاحها وتميزها.
إن النجاح في الحياة اليوم لم يعد مقتصرا على تحقيق الأهداف المهنية فحسب، بل السمو، وتحقيق الذات، والنمو الشخصي، ولعل أكثر الصفات الجذابة في المرأة الناجحة طموحها وقيادتها ورؤيتها الواضحة لما تريده في الحياة، وبذل العمل الجاد، والتفاني من أجل ذلك، وهذا هو ما تتمتع به تلك المرأة التي تحدت نفسها لتحقيق أهدافها.
مشاعل عيسى فيروز، امرأة قيادية بالفطرة، شخصية فريدة من نوعها، قوية في قراراتها، متقنة لعملها، مبدعة في تحقيق طموحاتها، ذكية في اتخاذ قرارتها، إيجابية في تواصلها مع الآخرين وفي تأثيرها على حياة من حولها، كانت أول بحرينية تمتلك شركة استثمارية في مجالي التعليم والصحة، وأحد مؤسسي جمعية الأحلام الموجهة إلى الأطفال من ذوي الأمراض المستعصية.
في هذا الحوار نستعرض معا أبرز محطات رحلة الكفاح والنجاح والصعود..
حدثينا عن نشأتك؟
لا شك أن نشأتي أثرت كثيرا على مسيرتي وعلى صقل شخصيتي، وخاصة أنني عايشت عصر العائلة الممتدة، التي تثري أي إنسان بخبرات وقيم الزمن الجميل، فقد عشت طفولة سعيدة، وتعلمت الكثير من المبادئ الأصيلة في منزل جدتي بمحافظة المحرق، وكان لذلك أبلغ الأثر على مشواري بشكل عام، وعلى تحقيقي للنجاح الذي وصلت إليه اليوم، وكم أنا محظوظة بانتمائي إلى الجيل الذي كان يلهو في الفريج بكل أمان وطمأنينة، ويستمتع بأمور كثيرة اندثرت مع الوقت.
ماذا كانت هواياتك؟
يمكن القول إنني مارست تقريبا كل أنواع الرياضة والأنشطة والهوايات منذ الصغر، ونظرا إلى تمتعي بروح القيادة بالفطرة فقد كنت ضمن مجلس الطلبة، وأذكر أنني حين بلغت عمر 15 عاما سألتني إحدى المجلات عن حلمي المستقبلي حينئذ أجبت بأنني أتمنى أن أصبح أول سفيرة بحرينية، ثم اكتشفت مع مرور الوقت أن مفهوم كلمة سفيرة أوسع وأشمل من اقتصاره على مجال السلك الدبلوماسي، ولا شك أن والدي لعب دورا كبيرا في تشكيل شخصيتي.
ماذا تعلمت من والدك؟
من أهم الأمور التي علمني إياها والدي حب العمل، وإتقانه، حيث كان يجبرني على العمل مدة شهر خلال أي إجازة صيفية، كشرط للسفر مع صديقاتي للترفيه والمتعة، ورغم أنني كنت أشعر بالضيق تجاه ذلك في ذلك الوقت، فإنني اكتشفت لاحقا قيمة هذا الشيء وأهميته والهدف منه بالنسبة إلى أي طالب، وهو أمر مدني بخبرات واسعة في مختلف المجالات، ومن ثم أهلني لشق طريقي العملي بمهارة وكفاءة، فضلا عن تجربة دراستي في بريطانيا التي أضافت لي الكثير، والتي لم تمثل تحديا بالنسبة إليّ نظرا إلى اعتيادي على السفر منذ الصغر.
حدثينا عن تجربتك في بريطانيا
لقد قررت دراسة هندسة الديكور في بريطانيا بعد تخرجي في مدرسة بيان البحرين، حيث قمت بدراسة البكالوريا الدولية في الفن، وكانت تجربة ممتعة نظرا إلى ميولي الفنية وشغفي بموهبة الرسم، وبعد التخرج في الجامعة في بريطانيا، عملت هناك مدة عام تقريبا لدى إحدى الشركات العقارية، في مجال التصميم الداخلي لعقاراتهم، ثم تم تكليفي بالسفر إلى دول المنطقة، وحضور أي اجتماعات للشركة، والقيام بترجمة ما يتم التطرق إليه خلالها، ثم عدت بعد ذلك إلى وطني على أمل العمل في شركة لتصميم الديكور، والتحقت بالعمل لدى شركة أمريكية عقارية، وهنا تعلمت من الصفر كيفية التعامل مع السوق الخليجي واستطعت استيعاب كل ما يحدث فيه، وخاصة أنه كان مختلفا كثيرا عن السوق البريطاني.
وما وجه الاختلاف؟
هناك اختلاف كبير وواضح بين السوق الخليجي والبريطاني، ولكني مع الوقت والخبرة بدأت الإلمام بكل ما يتعلق بسوق منطقتنا، ورغم صغر سني أدهشت الجميع بخبراتي المتنوعة في هذا المجال، ثم التحقت بأحد البنوك الاستثمارية بقسم العقارات، ثم قسم تجميع رؤوس الأموال، وذلك مدة عامين ونصف العام تقريبا، بعدها انتقلت إلى بنك آخر وعملت به مدة سبع سنوات، ولا شك أن عملي في قطاع البنوك أطلعني على الكثير من الأمور التي تتعلق بمجال الاستثمار سواء على صعيد الأفراد أو المؤسسات، وكانت علاقاتي بالعملاء هي علاقات صداقة، أحرص من خلالها على مشاركاتهم أفراحهم وأحزانهم، ومن خلال عملي كنت أتواجد بالسوق العماني عشرين يوما بالشهر تقريبا، الأمر الذي ربطني به بشدة، وإلى جانب كل ذلك لم أتوقف عن مشواري العلمي أو فيما يتعلق بتطوير الذات والمهارات.
كيف جاء قرار العمل الحر؟
لقد واصلت مشواري العلمي ولم أنقطع عن دراسة الكورسات في المجال المصرفي والاستثماري، وقد أعددت رسالة الماجستير في جامعة اسكتلندية، كما حصلت على شهادة من جامعة هارفارد عن استراتيجية رواد الأعمال، وبعد كل هذه الإنجازات والنجاحات قررت ترك القطاع المصرفي لسبب مهم هو رغبتي في إمكانية التحكم التام في إدارة أموال المستثمرين، وليس التعامل معهم كمجرد وسيط، كما كان في السابق أثناء عملي بالبنوك، ومن هنا جاء قرار اطلاق مشروعي الخاص، رغم أنه كان يمثل بالنسبة إليّ مجازفة خطيرة وكبيرة خاصة في ظل التضحية بتقاضي راتب مغرٍ ومستقر.
وما فكرة المشروع؟
كنت أول بحرينية تؤسس شركة استثمارية في مجالي التعليم والصحة، وذلك انطلاقا من حبي الشديد للعمل القيادي منذ الصغر، وبالفعل اتخذت القرار وأطلقت مشروعي بمفردي ومن الصفر برأسمال قدره خمسون ألف دولار، وكان ذلك تحديا كبيرا بالنسبة إليّ نظرا إلى كوني امرأة وصغيرة في السن فضلا عن العمل في مجال يمثل فيه الرجال الغالبية العظمي، وبعد ستة أشهر انضم إليّ عدد من الشركاء، ومن ثم تم زيادة رأس المالي، وكم أنا فخورة بأن الشركة تضم اليوم 18 شخصا من الكوادر المؤهلة استطعنا أن نحقق سويا الكثير من الإنجازات المتفردة.
مثل ماذا؟
لقد أسسنا أول مستشفى لجراحة اليوم الواحد بمملكة البحرين، هذا على الصعيد الصحي، أما في المجال التعليمي فقد تم تأسيس أول مدرسة دولية مع إداريين عالميين في عمان، التي عملت بها طوال سنوات أكسبتني خبرة كبيرة بطبيعة السوق هناك، والآن أتوجه نحو دخول السوق بالمملكة العربية السعودية، والعمل على عدد من المشاريع هناك.
ما دورك في جمعية الأحلام؟
كم أنا فخورة كوني من المؤسسين لجمعية الأحلام التي أطلقناها عام 2009، وهي الأولى من نوعها في البحرين، ومهمتها تحقيق أمنيات وطموحات الأطفال من ذوي الأمراض المستعصية والخطيرة، وهو عمل إنساني أستمتع كثيرا بأدائه نظرا إلى عشقي للعمل الخيري الاجتماعي، وهو شيء يشبع طموحي في أن أكون سفيرة لوطني في أي مجال.
مبدأ تسيرين عليه؟
أهم مبدأ أحرص على السير عليه دوما هو التعلم لآخر لحظة في عمري، وهذا ما نشأت عليه في منزلنا الذي يضم مكتبة ضخمة تشمل حوالي ألف كتاب في مختلف أنواع العلوم والمعرفة، وأذكر أن والدتي كانت تروي لنا القصص المتنوعة، وتحرص على سفرنا منذ صغرنا للتعرف على الثقافات الأخرى المتباينة، وكانت دائما تقول لي لا تتوقفي عن التعلم طالما حييت، وهكذا غرست فينا حب العلم والاطلاع، وهذا ما طبقته بالفعل عبر مسيرتي، ومن المبادئ المهمة التي أؤمن كثيرا بها هو أن يكون تعاملي مع عملائي ليس من منطلق مادي فقط بل عبر تحكيم الضمير قبل أي شيء، لأنني مسؤولة بشكل أو بآخر عن مستقبلهم قبل أموالهم.
حلم تتمنين تحقيقه؟
أصعب محنة مرت بي حين توفي خالي في سن مبكرة، حيث كان في الأربعينات من عمره، وكان ذلك تزامنا مع عودتي من الدراسة الجامعية، علما بأنه كان من أقرب الناس لي، الأمر الذي دفعني للتفكير في فتح مركز خليجي لعلاج جميع أنواع الإدمان على مستوى عالمي، وهذا هو حلمي القادم الذي أتمنى أن يرى النور مستقبلا. وبشكل عام أتمنى أن أترك بصمة مميزة يتذكرني الجميع من خلالها بالخير، وذلك من خلال إرث نافع يفيد وطني قدر المستطاع، وأن أكون دوما واجهة مشرفة للمملكة وللنساء البحرينيات بشكل عام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك