العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

مقالات

السفر وهويّة الدول

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

سألني‭ ‬المذيع‭: ‬بما‭ ‬أنك‭ ‬من‭ ‬روّاد‭ ‬مدينة‭ ‬صلالة‭! ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬التطور‭ ‬الذي‭ ‬حققته‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة؟‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬ضمن‭ ‬حوار‭ ‬إذاعي‭ ‬أجراه‭ ‬معي‭ ‬الإعلامي‭ ‬عقيل‭ ‬بن‭ ‬علوي‭ ‬با‭ ‬علوي‭ ‬والإعلامية‭ ‬علياء‭ ‬بنت‭ ‬سمير‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ (‬أثير‭ ‬الخريف‭) ‬الذي‭ ‬يُذاع‭ ‬على‭ ‬إذاعة‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭.‬

بالتأكيد‭ ‬أنني‭ ‬سعيدة‭ ‬جداً‭ ‬للتطور‭ ‬التدريجي‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬مدينة‭ ‬صلالة‭ ‬الخلّابة،‭ (‬سويسرا‭ ‬الخليج‭) ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬يُسمّيها،‭ ‬وهي‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬طبيعتها‭ ‬الرائعة‭ ‬وأجوائها‭ ‬الخرافية‭ ‬أثناء‭ ‬فترة‭ ‬الخريف‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬ذروتها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬شهري‭ ‬يوليو‭ ‬وأغسطس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬فالطقس‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬المطر‭ ‬الرذاذي‭ ‬ودرجات‭ ‬الحرارة‭ ‬المعتدلة‭ ‬العليلة‭ ‬إلى‭ ‬باردة،‭ ‬والسهول‭ ‬والجبال‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اخضرار‭ ‬ممتزج‭ ‬بزهور‭ ‬برّية‭ ‬مختلفة‭ ‬الألوان‭ ‬تضفي‭ ‬على‭ ‬المكان‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الجمال،‭ ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬البحر‭ ‬الهائج‭ ‬وزمجرة‭ ‬أمواجه‭ ‬التي‭ ‬يُستحسن‭ ‬لمرتادي‭ ‬البحر‭ ‬الابتعاد‭ ‬عنها،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قلته‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬أقله‭ ‬جمال‭ ‬وطيبة‭ ‬وكرم‭ ‬سكان‭ ‬المنطقة‭ ‬وأخلاقهم‭ ‬العالية‭ ‬وسعة‭ ‬قلوبهم‭ ‬وصدورهم‭ ‬لاحتواء‭ ‬ضيوف‭ ‬الخريف‭ ‬وضمان‭ ‬منحهم‭ ‬تجربة‭ ‬عمانية‭ ‬أصيلة‭ ‬تعكس‭ ‬حقيقة‭ ‬طيبة‭ ‬أهل‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬الأعزاء‭.‬

ذلك‭ ‬أنني‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬أولى‭ ‬زياراتي‭ ‬لصلالة‭ ‬قبل‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عاماً،‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬مهني،‭ ‬وقد‭ ‬لفتتني‭ ‬بساطة‭ ‬المكان‭ ‬وأهله‭ ‬ومحدودية‭ ‬الإمكانيات‭ ‬السياحية‭ ‬فيها‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬خُلقت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تحفة‭ ‬طبيعية‭ -‬ويكفيها‭ ‬ذلك‭- ‬وما‭ ‬كان‭ ‬ينقصها‭ ‬آنذاك‭ ‬سوى‭ ‬بعض‭ ‬الخدمات‭ ‬والمرافق‭ ‬التي‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬السائح‭ ‬مع‭ ‬تأمين‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬المواقع‭ ‬السياحية‭ ‬المختلفة‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الجبلية‭ ‬منها‭ ‬ومواقع‭ ‬الشلالات‭ ‬وجهة‭ ‬البحر‭.‬

لذا‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬ردّي‭ ‬على‭ ‬المذيع‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬سعادتي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬استيفاء‭ ‬تلك‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬تُحقق‭ ‬الراحة‭ ‬للسائح،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬قد‭ ‬تطورت‭ ‬كثيراً‭ ‬وأصبحت‭ ‬منظمة‭ ‬بشكل‭ ‬عصري،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أفقدها‭ -‬بالنسبة‭ ‬لي‭- ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬روحها‭ ‬التي‭ ‬عهدتها،‭ ‬إذ‭ ‬بدأت‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬الانخراط‭ ‬مع‭ ‬خطة‭ (‬العالم‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‭) ‬فانتشرت‭ ‬فيها‭ ‬المجمعات‭ ‬التجارية‭ ‬وإطلالات‭ ‬المقاهي‭ ‬البحرية‭ ‬التي‭ ‬نُشاهدها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬تقريباً،‭ ‬وهي‭ ‬ثقافة‭ ‬جديدة‭ ‬انتشرت‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬ويحبها‭ ‬الكثير‭ ‬منهم،‭ ‬ولكني‭ ‬ربما‭ ‬أختلف‭ ‬معهم‭ ‬قليلاً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭.. ‬وسأشرح‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬رأيا‭ ‬خاصا‭ ‬قد‭ ‬يتفق‭ ‬معه‭ ‬البعض‭ ‬ويختلف‭ ‬معه‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭.‬

فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بي،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬المطاعم‭ ‬العالمية‭ ‬ولا‭ ‬ماركات‭ ‬الملابس‭ ‬المعتادة،‭ ‬فالسفر‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬هو‭ ‬تجربة‭ ‬رائعة‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬ومنافعها،‭ ‬ألم‭ ‬يقل‭ ‬الأوّلون‭: (‬سافر‭ ‬ففي‭ ‬الأسفار‭ ‬خمس‭ ‬فوائد‭ ‬تفريج‭ ‬همّ‭ ‬واكتساب‭ ‬معيشة‭ ‬وعلم‭ ‬وآداب‭ ‬وصُحبة‭ ‬ماجد‭)‬؟‭!‬،‭ ‬وإن‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬السفر‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬كثيرة‭ ‬جداً،‭ ‬منها‭ ‬تعلّم‭ ‬ثقافة‭ ‬الشعوب‭ ‬والتعرف‭ ‬عليها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيارة‭ ‬ومعرفة‭ ‬الأماكن‭ ‬وعمارتها‭ ‬وأسواقها‭ ‬ورائحتها‭ ‬وأكلها‭ ‬وشعوبها‭ ‬وثقافتهم‭ ‬ولغتهم‭ ‬و‭.. ‬و‭.. ‬إلخ‭ ‬وجميعها‭ ‬تُشكلّ‭ ‬هُويّة‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬وتمنحه‭ ‬خصوصيته،‭ ‬فكان‭ ‬السفر‭ ‬يعني‭ ‬اختلاف‭ ‬المكان‭ ‬والطعم‭ ‬والرائحة‭ ‬والمناظر،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المعاصرة‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬العالم‭ ‬الجديد‭ ‬باعتباره‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة،‭ ‬فقد‭ ‬بدأت‭ ‬خصوصية‭ ‬الدول‭ ‬تتراجع‭ ‬أمام‭ ‬العولمة،‭ ‬فالرائحة‭ ‬واحدة‭ ‬والطعام‭ ‬واحد‭ ‬وأماكن‭ ‬التسوق‭ ‬متشابهة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يقتضي‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬–ولا‭ ‬سيما‭ ‬السياحية‭ ‬منها‭- ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هويتها‭ ‬وخصوصيتها‭.‬

لذا‭ ‬فإنني‭ ‬أحببت‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬كثيرة‭ ‬وتمنيت‭ ‬لو‭ ‬بقيت‭ ‬مع‭ ‬التحسينات‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬المرافق‭ ‬والخدمات‭ ‬وتطوير‭ ‬الأماكن‭ ‬السياحية،‭ ‬مع‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬التفاصيل‭ ‬التي‭ ‬تمنح‭ ‬المجتمع‭ ‬جماله‭ ‬وخصوصيته‭ ‬كالإبقاء‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬سهل‭ ‬ايتين‭ ‬موقعاً‭ ‬لتخييم‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الخريف‭ ‬مثلاً‭. ‬

وبالنسبة‭ ‬لي‭ -‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭- ‬ستبقى‭ ‬مدينة‭ ‬صلالة‭ ‬وجهة‭ ‬صيفية‭ ‬سنوية‭ ‬لا‭ ‬أحيد‭ ‬عنها‭ ‬وأستمتع‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيل‭ ‬الجمال‭ ‬فيها‭ ‬لأنها‭ ‬صلالة‭ ‬التي‭ ‬تفوح‭ ‬منها‭ ‬رائحة‭ ‬الأصالة‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا