زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
علام العجلة؟
من الأمور القليلة التي أجاري فيها أهل الغرب، احترام الوقت والمواعيد، باعتبار انني بذلك احترم نفسي والآخرين، كما أنني وعند نهاية ومن ثم بداية كل عام غريغوري (وقلت لكم يا جماعة الف مرة هذه هي التسمية الصحيحة وليس «الميلادي»، لأن المسيح لم يولد قطعا قبل 2024 سنة، فمن وضع أو تبنى هذا التقويم هو بابا الفاتيكان غريغورس الثالث عشر، الذي تخلى عن التقويم اليولياني، نسبة إلى يوليوس قيصر الذي خصص أحد الشهور «يوليو/ جولاي» لنفسه، وفي العقود المهمة مع اطراف أجنبية يكون الحديث عن التقويم الغريغوري)، المهم أنني وبنهاية كل ديسمبر، ومجاراة للغربيين أحاول اتخاذ قرارات تضع حياتي على مسارها الصحيح، لأنني –ولله الحمد– متفائل بطبعي، ولست ممن يطرحون ويزيدون في سنوات العمر إلا من باب المداعبة، بل أعمل وأفكر لدنياي كأنني سأعيش أبدا، وفي كل عام استنتج أنني ظللت خلال السنوات الأخيرة في حالة لهاث دائم، وأن حياتي صارت محسوبة بالدقيقة والثانية، فرغم أنني توقفت منذ سنوات عن لبس ساعة المعصم فإن الموبايل القبيح، الذي يكون على الدوام في مرمى عينيّ، يبلغني بالوقت ثانية بثانية، ولو انصرفت عنه فإن شاشة الكمبيوتر تحمل على مدار الثانية التاريخ والتوقيت.
المهم ان اللهاث المستمر يجعلني في حالة توتر دائم، وقررت من ثم أن أجعل إيقاع حياتي أكثر بطئا، ولو ألبسني ذلك تهمة الكسل التي فبركها الخليجيون على بني وطني: لن أتعجل أو استعجل شيئا، وأتذكر في هذا الصدد أن سافرت من قبل في رحلات جوية مباشرة الى نيويورك مرة والى مونتريال في كندا مرة أخرى، واستغرقت كل رحلة منهما زهاء 14 ساعة. تخيل 14 ساعة.. يعني 14 مضروبة في ستين يساوي.. ستة في اربعة تساوي.. أربعة معانا اثنين.. همممم، 840 دقيقة، وهي مدة يتزوج خلالها نحو نصف مليون شخص ويولد نحو 867 ألف شخص، ويموت مئات الآلاف، ما لزوم كل هذا؟ لماذا عبرت ربع قارة آسيا وكل القارة الإفريقية وأجزاء من أوروبا ثم المحيط الأطلسي، في قعدة واحدة للوصول إلى نيويورك او مونتريال، والبهدلة والشحططة في كل مطار لنحو أربع ساعات أخرى ليتأكدوا من أن المسافرين –خاصة المسلمين منهم- لا يحملون صواريخ في أمعائهم؟ ثم اقرأوا المزيد عما يحدث طوال مثل تلك الرحلة: يفقد كل مسافر خلالها أكثر من 11 مليون خلية من جلده؟ ماذا يتبقى لي بعد أن أفقد كل تلك الخلايا في سبيل الوصول إلى نيويورك!! وإذا كان في الرحلة 180 راكبا فإن مجموع «خسائرهم» نحو مليارين إلا قليلا من الخلايا الجلدية و180 ألف شعرة!! ما هذا التبذير؟ هل نيويورك تستأهل كل هذه التضحيات؟ تنزل في مطارها وقد فقدت أكثر من 11 مليون خلية من جلدك؟ يعني تكاد تكون عاريا رغم ملابسك الأنيقة. هذا ليس كل شيء، فمثلا خلال رحلة من سنغافورة إلى نيويورك، التي تستغرق 19 ساعة يفرز المسافرون 500 مليلتر مكعب من الروائح المختلفة و150 لترا من سوائل العرق، و... الطامة الكبرى أنهم ينتجون 144 لترا من غازات الجهاز الهضمي، وما أدراك ما غازات الجهاز الهضمي!! كل تلك البلاوي تظل محبوسة داخل الطائرة بمعنى أن كل مسافر يلتقط خلايا جلود الآخرين ويستنشق الغازات والروائح الآنفة الذكر، وتخيل لو أن بالطائرة خمسة فقط يعانون من سوء الهضم وواحد مصاب بالإيبولا وثالث مصاب بأنفلونزا الدجاج! وأنت تشفط بعض ذلك على مدى 19 ساعة، وقد يحس المسافر بالملل ويضع سماعة على أذنيه لمتابعة برنامج تلفزيوني أو مادة صوتية مسجلة، في هذه الحالة تتضاعف كمية الفيروسات في أذنه 3500 مرة!! هل ستضحكون على أبي الجعافر مرة أخرى لأنه يعترف بأنه يخاف ركوب الطائرات حتى من المنامة إلى الدوحة؟ كلنا نعرف أن في العجلة الندامة فلماذا يلهث بنو البشر لتحقيق كل شيء على عجل، حتى صار أكل وجبة كاملة لا يستغرق أكثر من ثلاث دقائق؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك