زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
التكنولوجيا وتعطيل القدرات
أشكو لكل من يتطوع للاستماع الى شكواي من ان التكنولوجيا حرمتني من أمور وطقوس كانت ميسم حياتي اليومية لسنوات طوال، من بينها أن أجلس في البيت بعد وجبة الغداء وحولي نحو ثلاث صحف ومجلة أو أكثر، واليوم اختفت المجلات كليا، ولم تعد الصحف اليومية متوافرة في المنافذ «المعتادة»، فصار جزء من يومي خواء.
أصبت قبل سنوات بإعاقة جزئية، سببت خللا في وظائف يدي، وبالتحديد أصابع يدي، وما يحيرني هو أن الإعاقة لم تنجم عن علة أو حادث، بل عن عدم استخدام تلك الأصابع في غير الأكل، وانتبهت لحدوث الإعاقة بعد ان اكتشفت أن «خطي» صار رديئا، فكلما أمسكت بالقلم وشرعت في الكتابة، ترفض الحروف أن تكون متناسقة، ثم صارت أصابعي تؤلمني إذا كتبت أكثر من ثلاثة أسطر، وقبل أربع وعشرين سنة تم تحويل مؤسسة الاتصالات القطرية (أوريدو)، التي كنت أعمل فيها، الى شركة خاصة، وتطلبت عملية الخصخصة إعداد وترجمة عدد هائل من النصوص، وأذكر أنني قمت بترجمة عقد التأسيس وملحقاته في جلسة واحدة مستخدما القلم والورق، وبعد نحو عشر ساعات متصلة كنت قد فرغت من ترجمة نصوص يفوق عدد صفحاتها التسعين، ولم أذهب بعدها إلى قسم الطوارئ في المستشفى، بل جلسنا نحن أعضاء الفريق الذي كان يتولى إعداد وثائق الخصخصة نتآنس حتى أول المساء، ثم زوغت منهم وعدت الى مكتبي وكتبت بخط اليد مقالا لأخبار الخليج هذه، وأرسلته بالفاكس، وعدت الى البيت في نحو التاسعة مساء.
الكتابة باستخدام القلم تتطلب الاستعانة فقط بثلاثة أصابع، بينما الكتابة على الكمبيوتر تتطلب استخدام الأصابع العشرة -إذا كنت محترفا- أو إصبعين إذا كنت «هاويا»، وهناك من الهواة من هو أكثر سرعة في الطباعة على الكمبيوتر من مستخدمي الأصابع جميعها، والشاهد هو أن استخدام الكمبيوتر في الكتابة لا يتطلب جهدا عضليا، مما أصاب أصابعنا بالضعف، تماما كما أن الهواتف الذكية أصابت ذاكراتنا بالتصحر، فما عدنا قادرين على تذكر اي شيء من دون استشارة الهاتف الجوال، وذات يوم وأنا طالب في المرحلة الثانوية حظيت باحترام زملائي لأنني استخدمت التلفون الذي لم يره معظمهم إلا في الأفلام، وفي هذه اللحظة وأنا أكتب هذه الكلمات على كمبيوتر لابتوب، يجلس على يساري آيفون موديل 2022، ولن أقتني الموديل الجديد، ما لم يأتني كهدية، لأنني رغم امتلاكي لآيفون منذ سنوات مازلت جاهلا بمعظم تطبيقاته، وعلى يميني كمبيوتر لوحي (آيباد) عمره سبع سنوات ولم أستخدمه أكثر من مرتين، وفي درج الطاولة التي أجلس عليها 3 أجهزة آيبود يتسع كل واحد منها لنحو 2000 أغنية، وهي من مخلفات عيالي، وقد انتهت «موضتها» بظهور منصة يوتيوب، ولم أكن أصلا من أنصار تركيب «دريب» في الأذنين لتوصيل الموسيقى او الكلام الى دماغي، فكما أنني مازلت لا أستمتع بالصحيفة ما لم أمسك أوراقها بيدي، فإنني لا أطيق الكلام أو الموسيقى ما لم تدخل أذني دون وسيط سلكي
كم هو محظوظ جيلنا الذي انتقل من قلم الرصاص الى قلم الحبر السائل ثم القلم الجاف والآلة الكاتبة/ الطبَّاعة، وورق الكربون، إلى الكمبيوتر، وصولا الى الاستغناء عن الطوابع البريدية والفاكس لإرسال ما كتبناه إلى جهة ما، وأكثر ما يحزنني هو اندثار الرسائل البريدية، فقد كانت وسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار بأسلوب مفصل، ولو أرسلت رسالة بريدية قصيرة إلى أمك أو عزيز لديك لاتَّهمك بالبخل حتى بالكلمات ووصف تلك الرسالة بأنها تلغراف، ومازلت حتى يومنا هذا أحتفظ بعشرات الرسائل البريدية التي أتتني من أصدقاء وأقارب وقراء، وأجد متعة في قراءتها كل بضع سنوات، أما اليوم فقد صار الإيميل نفسه موضة قديمة وتكاد رسائل الموبايل النصية تندثر مع ظهور الواتساب والمسنجر، والغريب أن من يحادثونك بالواتساب بخلاء بالكلام ويكتفون بأن يحولوا عليك ما يصلهم من طرائف من أطراف أخرى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك