زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
السمعة الطيبة ثروة لا تنضب
سأخوض اليوم في أمر، قد يجعلك تحسب أنني صرت عميلا للأمريكان، بعد ان كنت عميلا لـ«البريطان» لأنه سبق لي الاعتراف بأنني كنت يوما ما موظفا تابعا لوزارة الخارجية البريطانية، بصفة ضابط إعلام/ مترجم في السفارة البريطانية في الخرطوم، علما بان تلك الوزارة مسؤولة عن جهاز المخابرات البريطاني إم آي 6.
سأسرد عليكم بعض تفاصيل «حكاية» أو بالأحرى حكايتين بينهما رابط عضوي: كان الامريكي بوتش أوهير يقود سربا من المقاتلات الأمريكية، في مواجهة اليابان، خلال الحرب العالمية الثانية في جنوب المحيط الهادي عندما ادرك ان وقود طائرته لا يكفي لإنجاز المهمة، فتلقى الامر من قيادته بالعودة الى حاملة الطائرات ليغزينجتون، وفي طريق عودته رأى تشكيلا جويا يابانيا يتجه صوب مواقع الاسطول الامريكي، فانتابه القلق لأن الاسطول كان بلا غطاء جوي يحميه من الغارة المرتقبة، ولم تكن أدوات الاتصال المستخدمة وقتها تصلح لإرسال إشارات بعيدة المدى الى قيادة الاسطول، فما كان منه الا ان اتجه صوب الطائرات اليابانية، وفتح النار عليها، وهكذا اشتبك معها في معركه غير متكافئة، ظل خلالها يراوغ يمينا ويسارا حتى اسقط طائرتين، ثم نفذت ذخيرته فقرر شن هجمات انتحارية عليها، وظل يصطدم بالمقاتلات اليابانية يكسر مروحة هذه، وجزءا من جناح تلك، وكانت محصلة مغامرته تلك سقوط 6 طائرات يابانية وتشتيت السرب الياباني، حيث اضطرت بقية الطائرات اليابانية الى العودة من حيث اتت، ونجح اوهير في الوصول بطائرته الى ليغزينجتون، وكان اول من نال ميدالية الكونجرس الامريكي للشرف وتم إطلاق اسمه على مطار شيكاغو الحالي.
وإليكم الحكاية الثانية عن المحامي الأمريكي الذي اشتهر بلقب «إيزي ايدي» الذي تولى الدفاع عن زعيم المافيا الاشهر ال كابوني، ونجح في تبرئته من كل تهمة الصقت به ، فكافأه ال كابوني الذي كان ينشط في مجال تهريب المخدرات والخمور وإدارة بيوت الدعارة، بان منحه بيتا ضخما بخدمه وحشمه وأرصدة مالية هائلة، وكان لهذا المحامي ولد وحيد حرص على أن يوفر له كل ما يشتهي: سيارات ومربيات ومدرسون خصوصيون ولعب ودمى، وكان حريصا على ان يغرس في نفس ابنه قيم الخير والفضيلة، ثم تذكّر أنه ليس قدوة حسنة حتى يعظ ابنه في مثل تلك الأمور، وأدرك أيضا انه لن يترك لابنه سمعة حسنة حتى يكون فخورا به كأب طالما ان اسمه مرتبط بالإجرام، وثروته حرام في حرام، وأن الجميع يعرفون أن ال كابوني الذي حصل له على البراءة، قاتل ومجرم قذر. وعندما تم اعتقال ال كابوني مجددا بتهمة بسيطة وقف المحامي ايزي ايدي الى جواره ولكن بدلا من يفند التهمة بدأ يدلي بإفادة طويلة كشف فيها عن كل تفاصيل جرائم ال كابوني السابقة: قتل فلان وفلان بتاريخ كذا، ويستخدم المستودعات في شارع كذا لتخزين المخدرات، وهذه قائمة بأوكار الدعارة والقمار التي يديرها، وجلب ملايين قوارير الخمور بالتهريب على السفن كذا وكذا بتاريخ كذا وكذا، وهكذا أبلغ السلطات بكل ما يعرفه عن المافيا، مما ادى الى الزج بالعشرات من قادتها في السجون، وبعدها احس المحامي بالراحة والزهو، فعلى الرغم من انه كان يدرك انه بشهادته ضد المافيا اصدر على نفسه حكما بالإعدام، لأن المافيا تغتال كل من يعترض سبيلها، فإنه كان مرتاحا لأنه سيترك لولده ذكرى عطرة ومشرفة. وبالفعل تم اغتياله بواسطة المافيا بعد ذلك بوقت قصير.
والقاسم المشترك بين الحكايتين هو ان اوهير أشهر طيار حربي في تاريخ امريكا العسكري هو ابن المحامي «إيزي ايدي». ومن تقاليدنا الثقافية ألا نذكر أمريكا والأمريكان بالخير، ولكن هذا المحامي علمنا درسا: الانتصار للقيم الأخلاقية السامية أهم من الكسب المالي، وأن أموت شريفا خير من أن أعيش مذموما، وإذا أثبتُّ لولدي أنني رجل شريف لا أخون أمانة وأخلاق المهنة، مهما كانت المخاطر، فسينشأ أمينا شجاعا وعلى استعداد للتضحية بحياته لإنقاذ الآخرين والدفاع عن وطنه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك