العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

«منزل المسامير».. ومسامير الوطن!

في‭ ‬الصين‭ ‬يطلق‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المنازل‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬منزل‭ ‬المسامير‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬المنازل‭ ‬التي‭ ‬يرفض‭ ‬أصحابها‭ ‬التخلي‭ ‬عنها‭ ‬وإزالتها،‭ ‬بحجة‭ ‬عدم‭ ‬مناسب‭ ‬مبلغ‭ ‬التعويض‭ ‬الذي‭ ‬تعرضه‭ ‬عليهم‭ ‬الدولة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬مشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والجسور،‭ ‬وتوسعة‭ ‬الطرق‭ ‬والشوارع‭.. ‬فأصبح‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭ ‬هناك،‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬بيتا‭ ‬صغيرا‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬دوار‮»‬‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬عام،‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬الكوبري،‭ ‬أو‭ ‬وسط‭ ‬مواقف‭ ‬سيارات‭ ‬لمجمع‭ ‬تجاري‭!‬

‮«‬بيوت‭ ‬المسامير‮»‬‭ ‬الصينية‭.. ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬عقليات‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬الخليجية،‭ ‬الذين‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬مواقفهم‭ ‬وقناعاتهم،‭ ‬ويقدمون‭ ‬مصالحهم‭ ‬الشخصية‭ ‬الذاتية،‭ ‬وربما‭ ‬الفكرية‭ ‬والحزبية،‭ ‬على‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬للوطن،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬مستوردة‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬وتخالف‭ ‬قانون‭ ‬الدولة،‭ ‬وتهدد‭ ‬أمنها‭ ‬وتنميتها‭.‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬مواقف‭ ‬وأحاديث‭ ‬وتعليقات‭ ‬بعض‭ ‬أشخاص‭ ‬ومجموعات‭ ‬تراها‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تقفز‭ ‬على‭ ‬الثوابت‭ ‬الوطنية‭ ‬أحيانا،‭ ‬وتتعارض‭ ‬مع‭ ‬التوجهات‭ ‬العامة‭ ‬وسياسة‭ ‬الدولة،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أبسط‭ ‬الأمور‭ ‬والخدمات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭.‬

فتجد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬تعرضه‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬وتقدمه‭ ‬للمجتمع‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أشخاصا‭ ‬يعلنون‭ ‬مواقف‭ ‬مخالفة‭ ‬دائما،‭ ‬وتبحث‭ ‬عن‭ ‬أوجه‭ ‬القصور،‭ ‬وتعمد‭ ‬إلى‭ ‬تضخيمها،‭ ‬ونشر‭ ‬الهواجس‭ ‬عند‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وتكون‭ ‬كحجرة‭ ‬عثرة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬البلد،‭ ‬بحجة‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭.. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الواجبات‭ ‬والمسؤوليات‭ ‬الوطنية‭ ‬تقتضي‭ ‬الطاعة‭ ‬والقبول،‭ ‬وتغليب‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬على‭ ‬المصلحة‭ ‬الشخصية‭ ‬والقناعة‭ ‬الخاصة‭.‬

مؤخرا‭ ‬شرعت‭ ‬دولة‭ ‬خليجية‭ ‬شقيقة‭ ‬في‭ ‬تدشين‭ ‬برنامج‭ ‬إلزامية‭ ‬‮«‬البصمة‭ ‬البيومترية‮»‬‭ ‬لجميع‭ ‬المسافرين‭ ‬المغادرين‭ ‬والقادمين،‭ ‬من‭ ‬مواطنين‭ ‬ومقيمين‭ ‬وسياح،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المنافذ‭ ‬الجوية‭ ‬والبرية‭ ‬والبحرية،‭ ‬ويقصد‭ ‬بالبصمة‭ ‬البيومترية‭ ‬عملية‭ ‬جمع‭ ‬البيانات‭ ‬البيومترية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬مسح‭ ‬الوجه‭ ‬وبصمة‭ ‬العين‭ ‬وبصمات‭ ‬الأصابع،‭ ‬لكن‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬المواطنين‮»‬‭ ‬رفضوا‭ ‬ذلك،‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬متعلق‭ ‬بخطط‭ ‬ومؤامرات‭ ‬‮«‬ماسونية‮»‬‭! ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬البرنامج‭ ‬يتعلق‭ ‬بأمن‭ ‬وسلامة‭ ‬الجميع،‭ ‬وأمن‭ ‬الوطن‭ ‬أولا‭.. ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬بذلك‭ ‬بالماسونية،‭ ‬أو‭ ‬مؤامرات‭ ‬كونية،‭ ‬ولا‭ ‬بطيخ‭!‬

الغريب‭ ‬أن‭ ‬أمثال‭ ‬هؤلاء‭ ‬حينما‭ ‬يسافرون‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬تراهم‭ ‬ينصاعون‭ ‬لأي‭ ‬إجراء‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الدول‭ ‬هناك‭.. ‬فيقفون‭ ‬في‭ ‬الطابور‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تململ،‭ ‬ويوافقون‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬مطلوب‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬والمنافذ‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اعتراض،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬التفتيش‭ ‬الذاتي‭.. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬ذاته،‭ ‬وربما‭ ‬أقل‭ ‬منه‭ ‬بكثير،‭ ‬حينما‭ ‬يتم‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬الخليجية‭ ‬يكون‭ ‬مرفوضا‭ ‬ومحل‭ ‬تشكيك‭ ‬وريبة‭! ‬

خذ‭ ‬مثالا‭ ‬آخر‭.. ‬حينما‭ ‬تعلن‭ ‬دولنا‭ ‬الخليجية‭ ‬والجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬فيها‭ ‬موقفا‭ ‬دبلوماسيا‭ ‬تجاه‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬حزب‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬جماعة‭ ‬ما،‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬الثوابت‭ ‬الدستورية‭ ‬والمصلحة‭ ‬العامة،‭ ‬تخرج‭ ‬لنا‭ ‬‮«‬بعض‮»‬‭ ‬أصوات،‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬أو‭ ‬مجموعات،‭ ‬تعارض‭ ‬وترفض‭ ‬موقف‭ ‬الدولة،‭ ‬ويكون‭ ‬موقفا‭ ‬شاذا،‭ ‬يتعدى‭ ‬مسألة‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬ويتجاوز‭ ‬القانون‭ ‬والنظام،‭ ‬وربما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.. ‬حينها‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬قدم‭ ‬المصلحة‭ ‬الشخصية،‭ ‬أو‭ ‬القناعة‭ ‬الحزبية‭ ‬والانتماء‭ ‬الفكري،‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إعلاء‭ ‬شأنه‭ ‬على‭ ‬مصلحة‭ ‬الدولة‭ ‬وتوجهاتها‭ ‬الرسمية‭.‬

‮«‬منزل‭ ‬المسامير‮»‬‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬تشويه‭ ‬وعرقلة‭ ‬بعض‭ ‬مشاريع‭ ‬الدولة‭ ‬هناك،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬تحولت‭ ‬تلك‭ ‬المنازل‭ ‬إلى‭ ‬مزارات‭ ‬سياحية‭.. ‬‮«‬ومسامير‮»‬‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات‭ ‬الخليجية‭ ‬تخالف‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬لدولنا،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬أصبحت‭ ‬مادة‭ ‬ساخنة‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬والمنصات‭ ‬الإعلامية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا