نحتاج إلى مشاهدة أعمال درامية تعالج قضايا اجتماعية تكتب باللغة العربية الفصحى
حاورته: فاطمة اليوسف
تصوير: محمد سرحان
اللغة العربية، لغة الضاد، هي واحدة من أروع اللغات وأكثرها ثراءً في العالم، فهي لغة القرآن الكريم، ذلك ما يُعزز مكانتها الروحية والثقافية بين ملايين المسلمين حول العالم كما أنها تُعدّ من أقدم اللغات الحية، التي تمتد جذورها إلى آلاف السنين و تتميز العربية بجمالها الفريد وتعقيدها اللغوي، فهي ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي وعاء للثقافة والفكر والفن.
تُستخدم العربية في الكتابة والأدب والشعر، وقد أنتجت تراثًا أدبيًا غنيًا يشمل أعظم المؤلفات في التاريخ، فهي تمتلك تاريخًا عريقًا وثقافة غنية تستحق الاكتشاف. قرّاء "أخبار الخليج" و "عالم الشهرة"الكرام، حاورنا هذا الأسبوع الدكتور راشد نجم، رئيس أسرة الأدباء والكتّاب البحرينية للحديث حول مبادرة "نكتبُ بالعَربية" التي أعلن عنها بنك البحرين الإسلامي (BisB) ضمن إطار تقديره واهتمامه باللغة العربية، والتزامه بترسيخ الهوية الوطنية العربية، بالتعاون مع وزارة الإعلام ووزارة التربية والتعليم ، بالإضافة إلى أسرة الأدباء والكتاب، وشركة "visa" العالمية الرائدة في مجال المدفوعات الرقمية.. إليكم هذا اللقاء..
- دكتور راشد ، بداية نود منك التحدث عن إطلاق مبادرة "نكتب بالعربية" ومدى أهميتها اليوم؟
* تأتي مبادرة بنك البحرين الإسلامي تحت شعار "نكتب بالعربية" التي تم اطلاقها مساء الأربعاء 16 أكتوبر 2024 بمشاركة كل من وزارة الاعلام، وزارة التربية والتعليم، أسرة الأدباء والكتاب وشركة فيزا العالمية، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، وتزامناً مع فعاليات "المنامة عاصمة الاعلام العربي" وذلك بتخصيص مسابقة للكتابة الإبداعية للشباب البحريني في الفئة العمرية من 13-18 عاماً لتشجيعهم على كتابة قصة قصيرة عن رؤيتهم للتقدم التكنولوجي والحلول الذكية للبحرين، كمبادرة وطنية متميزة ورائدة للالتفات الى اللغة العربية بهدف الحفاظ عليها وتعزيزها في المجتمع البحريني، وهي في الوقت ذاته تلتقي مع أهداف أسرة الأدباء والكتاب في الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز مكانتها لدى الشباب البحريني. وتكمن أهميتها اليوم في أنها التفاتة ذكية وموفقة من بنك البحرين الإسلامي كمؤسسة مصرفية في ترسيخ اللغة العربية كهوية ثقافية لدى جيل الشباب، وإعادة تمكين هذه اللغة لديهم في ظل الاغتراب الذي تعيشه اللغة العربية لدى شريحة واسعة من الشباب وإعادتهم الى أصالتهم، الى لغتهم الأم العربية، مهما تعلموا وأتقنوا من لغات أخرى، ومحاولة الكتابة الإبداعية عبر كتابة القصة القصيرة لمن يمتلكون هذه الموهبة.
- ما هي التحديات التي تواجه اللغة العربية في ظل العولمة والسوشيال ميديا ؟
* التحديات التي تواجه اللغة العربية كثيرة جدأ نذكر أهمها:
1. تُعد العولمة من أبرز تحديات العصر المحيطة باللغة العربية، من خلال هيمنة اللغة الإنجليزية وإعلاء شأنها على حساب اللغة العربية في المناهج التعليمية في المدارس الخاصة والمعاملات الرسمية في المؤسسات والشركات والمصارف.
2. التغريب والغزو الثقافي لهوية أبنائنا والتأثير على اتجاهاتهم الفكرية وانتمائهم الوطني.
3. ضعف الطلبة في مهارات اللغة العربية والذي أصبح ظاهرة تستدعي الوقوف عندها ومعالجتها بجدية وحرص.
4. غلبة اللهجات المحلية والدارجة في الوطن العربي التي طغت على اللغة العربية وأصبحت تستعمل بكثرة في مجالات الحياة المختلفة.
- البعض يرى أن تعلم اللغة العربية والاهتمام بها يؤثر على تعلّم اللغات الأخرى.. فما هو ردك؟
* لا أعتقد أن هذا الرأي صائباً، فكل الشعوب عندها لغتها الأم وفي نفس الوقت تتعلم لغات عالمية أخرى. فلنأخذ اليابان والصين كمثال بسيط لديهم لغتهم الأم التي يتعلمها الطلاب في المدارس والجامعات ويتم ترجمة كل العلوم المكتوبة باللغات الأخرى الى لغتهم، وهم متفوقون صناعياً على مستوى العالم ومن الدول العالمية الرائدة، ومع ذلك يعتزون كثيراً بلغتهم الأصلية ويفخرون بها ويتحدثون ويكتبون بها وينتجون أدباً وفناً راقياَ. إن مكمن الخطر على اللغة العربية هو في بعض الفئات التي لا تحرص على تعليم أبنائها لغتهم العربية التي تمثل دينهم وهويتهم الثقافية وأصولهم، بينما يعطون الأهمية الأكبر لتعليم أبنائهم لغة غير لغتهم الأم ظناً منهم أنها ستنفعهم في حياتهم العملية، ولكنهم في النهاية يوجدون جيلاً مقطوع الصلة بلغته ودينه وهويته الأصلية. فلنحرص جميعاً على تعليم أبنائنا اللغة العربية أولاً تعليماً صحيحاَ ومتقناً ونفسح المجال أمامهم لتعلم اللغات الأخرى، فالطفل لديه القدرة على تعلم العديد من اللغات في سنواته الأولى، ولا خطر عليهم في تعلم لغات أخرى غير العربية.
- ما هي المشاريع أو المبادرات التي تسعون لها مستقبلاً لتعزيز تطوير اللغة العربية والمحافظة على هويتها؟
* نحن في أسرة الأدباء والكتاب حريصون أشد الحرص على اللغة العربية في فعالياتنا الثقافية واصداراتنا الأدبية، وعبر اللجان التي تهتم بهذا الجانب مثل لجنة أدب الطفل ولجنة الشباب، والمسابقات التي أطلقناها في مجال القصة القصيرة وورش التدريب على الكتابة للناشئة والشباب، والاحتفاء بالإصدارات الأدبية للشباب وإقامة حفل تدشينها في مقر الأسرة تشجيعاً ودعماً لهم. كما لدينا تعاون مثمر في تشجيع الكتابة باللغة العربية في مجال القصة والشعر مع بعض المدارس الخاصة مثل مدرسة الشويفات الدولية ونسعى الى توسيع رقعة هذه المشاركة مع مؤسسات تربوية أخرى. كما تم مؤخراً افتتاح مقهى الشباب الأدبي في مقر الأسرة للإسهام في هذا الاتجاه.
- كيف ساهم الأدباء العرب في تشكيل الرواية العربية الحديثة؟
* كان لجهود الرواد الذين كتبوا الرواية العربية وزرعوا بذرتها الأولى أمثال نجيب محفوظ، محمد عبدالحليم عبدالله، احسان عبدالقدوس، عبدالرحمن منيف، الطيب صالح وإسماعيل فهد اسماعيل وغيرهم من الروائيين العرب، وكذلك من جاء بعدهم مثل واسيني الاعرج واحلام مستغانمي وغيرهم ساهموا في تشكيل الرواية العربية وتركيز الاهتمام بها حتى برزت الأسماء الشابة الحالية التي تواصل الاسهام في هذا الاتجاه.
- بين جيل جبران، طه حسين، محفوظ، والعقاد وعبدالقدوس، والقصيبي ومستغانمي وغيرهم ما الذي اختلف بين مدارسهم ومدارسنا الأدبية اليوم؟ هل هناك اختلاف أم تطور في المدارس الفكرية والأدبية؟
* لكل مدرسة من هذه المدارس الأدبية مبدعيها، والاختلاف في التوجهات والأساليب والمراحل والأحداث التاريخية والتطورات التي أفرزت مثل هذه المدارس وفرسانها. ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلاف بينها لأن بعض هذه الاختلافات فكرية ومدارس أدبية متأثرة بالتوجهات الغربية في كتابة الرواية.
- كيف يمكن للكتّاب الجدد في الوطن العربي أن يتركوا بصمتهم في الساحة الأدبية الحالية؟
* من يمتلك التميّز والتأثير الجماهيري والفهم الاستجابة الواعية للمرحلة التي يكتب فيها هو من يترك بصمته في الساحة الأدبية.
- أذكر لي بعض الكتّاب المحليين المنتمين للأسرة ومدى تأثير مؤلفاتهم اليوم في الساحة؟
* كثير من أسماء الأدباء في البحرين من المنتمين الى أسرة الأدباء والكتاب وبعضهم من مؤسسيها أثروا الحياة الأدبية والفكرية في البحرين وأصبحوا رموزاً مؤثرة في حراكنا الأدبي، فعلى السبيل المثال لا الحصر من المفكرين: الدكتور محمد جابر الانصاري، ومن الشعراء علي عبدالله خليفة، قاسم حداد، الدكتور علوي الهاشمي، إبراهيم بوهندي، يوسف حسن، حمدة خميس وغيرهم. ومن الروائيين: محمد عبدالملك، أمين صالح، عبدالقادر عقيل، خلف احمد خلف وغيرهم.
- هل ترى أن ترجمات الروايات العالمية أثّرت على ذائقة القرّاء العرب؟
* بالتأكيد فهذه الترجمات كانت النافذة التي كان القراء العرب يطلون منها على النتاج الأجنبي في مختلف المجالات من شعر ورواية ونقد، وهي الجسر الذي كان موصلاً لكل التيارات والاتجاهات الأدبية التي تحدث في العالم.
- بما أنني أحاورك في "صفحة فنية"، هل ترى أن مجال الفنون بات مقصّرًا في تقديم الأعمال التي تحفظ هوية اللغة العربية الفصحى؟
هناك تقصير بلا شك في الأعمال الفنية الدرامية التي تقدم باللغة العربية، وصارت تقتصر على الأعمال التاريخية والدينية والتربويّة الموجهة إلى الأطفال والشباب ومن النادر أن نرى مسلسلا دراميا مكتوباً باللغة العربية وكأن اللغة العربية لا تصلح سوى لهذه الأعمال التاريخية والتربوية.
نحتاج إلى أن نشاهد أعمالاً درامية تعالج قضايا اجتماعية تكتب باللغة العربية الفصحى او باللغة البيضاء التي تعتمد معظم مفرداتها على اللغة العربية ولكن مصاغة بشكل مبسط يسهل فهمها من قبل المشاهد العربي في اي مكان.
ولو تم ذلك لساهمت هذه الأعمال في التقريب بين الشعوب العربية والمشاهدين الذين يعرفون اللغة العربية و إن لم يكونوا عرباً.
- كلمة أخيرة منك لأولياء الأمور ولأبنائنا الطلبة، للمحافظة على هوية لغتنا العربية؟
* اللغة العربية هي لساننا الناطق وهويتنا التي نفخر بها أمام العالم، وكل دول العالم تحرص على لغتها والحفاظ عليها، واللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي ستبقى صامدة أمام كل لغات العالم لأنها لغة القرآن، لا خوف على اللغة العربية من الاندثار، ولكن الحرص واجب على أولياء الأمور بأن يجعلوا اللغة العربية تسكن وجدان أبنائهم ويفخروا بأنها لغتهم الأم مهما أتقنوا معها من لغات أخرى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك