العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

سرديات: في السياسات الثقافيّة والاقتصاد المعرفي المستدام (2 من2)

السبت ١٦ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

تُعد‭ ‬الصناعات‭ ‬الثقافيّة‭ ‬والإبداعيّة‭ ‬من‭ ‬أسرع‭ ‬الصناعات‭ ‬نمواً‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وقد‭ ‬ثبُت‭ ‬أنها‭ ‬خيار‭ ‬إنمائي‭ ‬مستدام‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مورد‭ ‬فريد‭ ‬ومتجدد‭ ‬هو‭ ‬الإبداع‭ ‬البشري‭. ‬ويُقصد‭ ‬بمصطلح‭ ‬الإبداع‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬حلول‭ ‬وأفكار‭ ‬جديدة‭ ‬ومبتكرة‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬مهارة‭ ‬الابتكار‭. ‬لقد‭ ‬وضِعت‭ ‬الإمكانيات‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬هذه‭ ‬الصناعات‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬اتفاقية‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬بشأن‭ ‬حماية‭ ‬وتعزيز‭ ‬تنوع‭ ‬أشكال‭ ‬التعبير‭ ‬الثقافي‭. ‬ويتمثل‭ ‬هدف‭ ‬هذه‭ ‬المعاهدة‭ ‬الدوليّة‭ ‬الملزمة‭ ‬قانونًا‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬الفنانين،‭ ‬والمهنيين‭ ‬والممارسين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الثقافة،‭ ‬وسائر‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬ابتكار‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬والأنشطة‭ ‬الثقافيّة‭ ‬وإنتاجها‭ ‬ونشرها‭ ‬والتمتّع‭ ‬بها،‭ ‬ولا‭ ‬سيّما‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بأشكال‭ ‬التعبير‭ ‬الثقافي‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم‭. ‬وتدعم‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الآليات‭ ‬التي‭ ‬تشجع‭ ‬الابتكار‭ ‬وتعزز‭ ‬نشوء‭ ‬صناعات‭ ‬ثقافيّة‭ ‬وإبداعيّة‭ ‬نشيطة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعيّة‭ ‬الشاملة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الآليات‭ ‬التي‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الإنتاج‭ ‬المحلي،‭ ‬وتطوير‭ ‬الأسواق‭ ‬المحلية،‭ ‬وتيسير‭ ‬الانتفاع‭ ‬بالمنابر‭ ‬المخصصة‭ ‬لأغراض‭ ‬التوزيع‭ ‬والتبادل‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭. ‬‭  ‬ولأنَّ‭ ‬التحوُّل‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬المعرفة‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬أبعاد‭ ‬اجتماعية،‭ ‬وثقافيّة،‭ ‬واقتصادية،‭ ‬وسياسيّة،‭ ‬ومؤسسيّة‭. ‬فيما‭ ‬يتصف‭ ‬مجتمع‭ ‬المعرفة‭ ‬بقدرات‭ ‬موارده‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬والابتكار،‭ ‬وتشكّل‭ ‬الثقافة‭ ‬أحد‭ ‬أعمدته،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬التحوُل‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬المعرفة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التحوُّل‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬المعرفة؛‭ ‬أي‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬النمو‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬عامل‭ ‬المعرفة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭. ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬التحوُّل،‭ ‬أصبحت‭ ‬العوامل‭ ‬المحركة‭ ‬للنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مختلفة‭ ‬عمّا‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬سابقًا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الصناعي،‭ ‬وبات‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬أن‭ ‬يصحب‭ ‬هذا‭ ‬التحوُّل‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬ومنها‭ ‬توجيه‭ ‬اهتمام‭ ‬أكبر‭ ‬لكلّ‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬وثقافته‭ ‬واستثماره‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬وبخاصة‭ ‬قطاع‭ ‬الثقافة،‭ ‬وإبراز‭ ‬دور‭ ‬جديد‭ ‬للتقنية‭ ‬واستثمارها،‭ ‬ونشاط‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬والتعليم،‭ ‬والتعلُّم‭ ‬مدى‭ ‬الحياة،‭ ‬وبناء‭ ‬مهارات‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬بناء‭ ‬متقدمًا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬انتقال‭ ‬الإدارة‭ ‬من‭ ‬الهياكل‭ ‬الهرمية‭ ‬إلى‭ ‬الشبكات‭ ‬الأفقية‭ ‬سريعة‭ ‬التفاعل‭ ‬بحيث‭ ‬إنَّ‭ ‬تغيير‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬نقلة‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬القدرات‭ ‬التنافسيّة‭ ‬والإنتاجية‭ ‬للاقتصاد،‭ ‬يتغير‭ ‬على‭ ‬أثرها‭ ‬خط‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭. ‬وتتجه‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬نحو‭ ‬مجتمع‭ ‬المعرفة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬بشكل‭ ‬يتفاوت‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬لأخرى،‭ ‬وتتصدر‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬ترتيب‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وفق‭ ‬مؤشر‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المعرفي،‭ ‬بحسب‭ ‬تقرير‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬لعام‭ ‬2012‭. ‬ويعتمد‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬على‭ ‬عوامل‭ ‬عدة،‭ ‬منها‭ ‬التعليم،‭ ‬والبحث،‭ ‬والتطوير‭ ‬والابتكار‭ ‬مع‭ ‬توطين‭ ‬التقنية،‭ ‬وتنافسية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وإنتاجيته،‭ ‬وزيادة‭ ‬الصادرات‭ ‬ومنها‭ ‬الصادرات‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬أو‭/ ‬والثقافيّة،‭ ‬والتنويع‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬العالية،‭ ‬وفي‭ ‬دعم‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬وفي‭ ‬حوكمة‭ ‬الإدارة‭. ‬إنَّ‭ ‬نجاح‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬يعتمد‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬وطنية‭ ‬في‭ ‬التحوُّل‭ ‬نحو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬المعرفة،‭ ‬ومنها‭ ‬مجال‭ ‬الصناعات‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬والثقافيّة‭. ‬

 

أستاذة‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،

كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا