تُعد الصناعات الثقافيّة والإبداعيّة من أسرع الصناعات نمواً في العالم، وقد ثبُت أنها خيار إنمائي مستدام يعتمد على مورد فريد ومتجدد هو الإبداع البشري. ويُقصد بمصطلح الإبداع قدرة الإنسان على وضع حلول وأفكار جديدة ومبتكرة نابعة من الخيال أو من مهارة الابتكار. لقد وضِعت الإمكانيات التي توفرها هذه الصناعات في صميم اتفاقية عام 2005 بشأن حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي. ويتمثل هدف هذه المعاهدة الدوليّة الملزمة قانونًا في تمكين الفنانين، والمهنيين والممارسين العاملين في مجال الثقافة، وسائر المواطنين من ابتكار مجموعة واسعة من السلع والخدمات والأنشطة الثقافيّة وإنتاجها ونشرها والتمتّع بها، ولا سيّما عندما يتعلق الأمر بأشكال التعبير الثقافي الخاصة بهم. وتدعم هذه الاتفاقية الآليات التي تشجع الابتكار وتعزز نشوء صناعات ثقافيّة وإبداعيّة نشيطة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعيّة الشاملة، بما في ذلك الآليات التي ترمي إلى تعزيز الإنتاج المحلي، وتطوير الأسواق المحلية، وتيسير الانتفاع بالمنابر المخصصة لأغراض التوزيع والتبادل في شتى أنحاء العالم. ولأنَّ التحوُّل إلى مجتمع المعرفة ينطوي على أبعاد اجتماعية، وثقافيّة، واقتصادية، وسياسيّة، ومؤسسيّة. فيما يتصف مجتمع المعرفة بقدرات موارده البشرية على الإبداع والابتكار، وتشكّل الثقافة أحد أعمدته، فإنه من الصعب التحوُل إلى مجتمع المعرفة من دون التحوُّل إلى الاقتصاد القائم على المعرفة؛ أي الاقتصاد الذي يعتمد النمو فيه على عامل المعرفة أكثر من أيّ وقت مضى في تاريخ البشرية. في ضوء هذا التحوُّل، أصبحت العوامل المحركة للنمو الاقتصادي مختلفة عمّا كانت عليه سابقًا في المجتمع الصناعي، وبات من الضرورة أن يصحب هذا التحوُّل تغيير في بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ومنها توجيه اهتمام أكبر لكلّ من الإبداع وثقافته واستثماره في مختلف القطاعات وبخاصة قطاع الثقافة، وإبراز دور جديد للتقنية واستثمارها، ونشاط ريادة الأعمال، والتعليم، والتعلُّم مدى الحياة، وبناء مهارات القوى العاملة بناء متقدمًا، إضافة إلى انتقال الإدارة من الهياكل الهرمية إلى الشبكات الأفقية سريعة التفاعل بحيث إنَّ تغيير هذه السياسات يؤدي إلى إحداث نقلة كبرى على صعيد القدرات التنافسيّة والإنتاجية للاقتصاد، يتغير على أثرها خط النمو الاقتصادي. وتتجه الدول العربية نحو مجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة بشكل يتفاوت من دولة لأخرى، وتتصدر دول مجلس التعاون الخليجي ترتيب الدول العربية وفق مؤشر الاقتصاد المعرفي، بحسب تقرير البنك الدولي لعام 2012. ويعتمد النجاح في تحقيق هذا التوجه على عوامل عدة، منها التعليم، والبحث، والتطوير والابتكار مع توطين التقنية، وتنافسية الاقتصاد وإنتاجيته، وزيادة الصادرات ومنها الصادرات الإبداعيّة أو/ والثقافيّة، والتنويع الاقتصادي، والاستثمار في المجالات ذات القيمة المضافة العالية، وفي دعم ريادة الأعمال، وفي حوكمة الإدارة. إنَّ نجاح الدول العربية في هذا التوجه يعتمد أيضًا على تبني سياسات وطنية في التحوُّل نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، ومنها مجال الصناعات الإبداعيّة والثقافيّة.
أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المشارك،
كلية الآداب، جامعة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك