الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
الإصلاح الاقتصادي.. وثقافة «التحلطم»!
سيبقى الاقتصاد والإصلاحات في مقدمة الأولويات.. حتى في ظل التطورات والتحديات.. ذلك أن زيادة الاستثمارات، وتنشيط التجارة، والاهتمام بالصناعة، القائمة على جودة التعليم والتدريب.. من شأنها توفير فرص العمل لأفراد المجتمع، وزيادة النمو الاقتصادي للدولة، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي المستدام.
نقولها بكل صراحة وأمانة.. انشغالنا في الشأن السياسي خلال فترات سابقة، أثر على انشغالنا واشتغالنا بوضعنا الاقتصادي.. ولكن السعي الحثيث الحاصل اليوم، لتصحيح المعادلة وتسوية كفة الميزان، هو السبيل الأمثل لتحقيق الهدف المنشود.
بعض دول المنطقة سبقتنا في ذلك.. دول أخرى بدأت بتصحيح مسارها.. ولن يتحقق ذلك عندنا هنا دون تعاون وتكاتف الجميع.. دون إيمان بالعمل الوطني ضمن فريق واحد «فريق البحرين».. ودون تحمل للمسؤولية كل في موقعه.. البعض يتصور أن دوره وواجبه ومن خلال موقعه، يتلخص في الكلام والتحلطم فقط.. كلام يركز على النقد والاستياء، من دون إشارة للحلول والمخرجات.
لا تزال ممارسات الشأن السياسي تطغى على الإصلاح الاقتصادي.. تتسبب في عرقلته، تبطئ من حركته، تطمس إنجازاته، وتثبيط همم أفراده ومؤسساته.. تسوية الدين العام وفوائده «مثلا» لن يتم في ليلة وضحاها.. الوصول إلى غايات وأهداف برامج التوازن المالي «مثلا» لن يكتمل خلال شهر أو سنة.. تحقيق التعافي الاقتصادي «مثلا» لن ينجز عبر خطة واحدة.. هناك مستجدات وتطورات في كل دول العالم، بعضها متعلق بالشأن الدولي، والحروب والنزاعات، والأسعار والنفط، وبعضها متصل بأمور مرتبطة بأزمات طبيعية وكوارث كونية، كما حصل في مرحلة «كورونا».
تغليب الخطاب والأداء السياسي، المحلي والخارجي، على حساب الخطاب والأداء الاقتصادي، الرسمي والمجتمعي، لن يوصلنا إلى الهدف.. لقد وصل الأمر إلى معظم المنصات الإعلامية، والمجالس الشعبية، وحتى التجمعات الشبابية.. الكثير منهم انغمس في النقد و«التحلطم» والاستياء، وتفريغ شحنات سلبية.. التي تجد رواجا في بعض مواقع التواصل، وتصبح «ترند».. ثم تنهي كلامها كالمعتاد بالمطالبة بالزيادة وتحسين المعيشة.. نحن أمام إرهاصات لثقافة مجتمعية غير وطنية ولا إيجابية، ولا حتى ديمقراطية.
ماذا نعرف عن تحسين المستويات المالية والرؤى الاقتصادية وفلسفتها وأدبياتها؟ هل لدينا إدراك بشأن التوجهات العالمية والجهود الدولية والنظرة المستقبلية لأوضاع المنطقة الخليجية؟ طيب.. هل بادرنا في تنظيم أي فعالية اقتصادية واستثمارية، وتشجيع المؤسسات المتوسطة والصغرى وريادة الأعمال؟
من يهتم بالإصلاح الاقتصادي في دولنا اليوم هو أقرب للمزارع المجتهد، يعمل ليل نهار.. يحرث الأرض من أجل الحصاد.. يبحث عن زيادة وتنويع الدخل بكافة الطرق والوسائل.. يخطط ويضع الاستراتيجيات والحلول.. يشجع على تنظيم المؤتمرات والاجتماعات التي تستقطب الاستثمارات، وتفتح آفاق الوظائف النوعية، من أجل الوصول إلى حياة مستقرة ومطمئنة ومستدامة في المجتمع.. ثم يخرج له البعض بحديث وتنظير، ولقاءات وتصريحات، وبيانات وندوات.. لا تضع حلا ولا فكرة.. لقد تحول البعض إلى مجرد منصة كلام.. وما أسهل الكلام.
في الثقافة الخليجية القديمة تسمى التجمعات التي تنشغل في الحديث والسوالف، والكلام والتحلطم.. «قعدة على الدجة في الفريج».. هي مضيعة للوقت، ومجلبة للأمراض.. ومذهبة للوقار والاحترام.. نقد واستياء ضد كل موضوع، تنال من أي شخص يمر من أمامها.. حتى لو مرت نملة على قارعة الطريق!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك