العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

سوريا.. واللعبة الأمريكية الجديدة

من‭ ‬يتابع‭ ‬مواقف‭ ‬بعض‭ ‬السياسيين‭ ‬الفنانين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬وحتى‭ ‬الرياضيين‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬يجد‭ ‬التحول‭ ‬الغريب‭ ‬والانقلاب‭ ‬السريع‭.. ‬فمن‭ ‬كان‭ ‬يمدح‭ ‬ويبجل‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬ومن‭ ‬يدافع‭ ‬عنه‭ ‬ويحث‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬دعمه،‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬يلعن‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬ويحكي‭ ‬قصصا‭ ‬عن‭ ‬معاناته‭ ‬ومآسيه،‭ ‬يذرف‭ ‬الدموع‭ ‬ويشحت‭ ‬التعاطف‭ ‬من‭ ‬الناس‭.‬

هذا‭ ‬الوقف‭ ‬بالذات،‭ ‬يذكرني‭ ‬بموقف‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وطريقتها‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبداللطيف‭ ‬المناوي‭ ‬بالأمس‭ ‬مقال‭ ‬رصينا‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬قائلا‭:‬

لقد‭ ‬ثارت‭ ‬زيارة‭ ‬الوفد‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬دمشق،‭ ‬ولقاؤها‭ ‬بممثلين‭ ‬عن‭ ‬‮«‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‮»‬‭ ‬وزعيمها‭ ‬أبو‭ ‬محمد‭ ‬الجولاني،‭ ‬تساؤلات‭ ‬عميقة‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أدق‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬تنوي‭ ‬أمريكا‭ ‬خوضها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة‭.‬

تأتي‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬حرجة،‭ ‬حيث‭ ‬تسعى‭ ‬قوى‭ ‬إقليمية‭ ‬كثيرة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬نفسها‭ ‬كلاعب‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬السوري،‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬نفوذ‭ ‬أو‭ ‬مصالح،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬هناك‭ ‬جماعات‭ ‬مسلحة‭ ‬ذات‭ ‬تاريخ‭ ‬نعرفه‭ ‬جيدا،‭ ‬تحاول‭ ‬إعادة‭ ‬تقديم‭ ‬نفسها‭ ‬كمتحكم‭ ‬أول‭ ‬وأوحد‭ ‬في‭ ‬الملعب‭ ‬السياسي‭ ‬السوري،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬مصنفة‭ ‬كمنظمة‭ ‬إرهابية‭ ‬أجنبية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الازدواجية‭ ‬السياسية‭ ‬الواضحة‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬بها‭ ‬واشنطن‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬حالات‭ ‬سابقة،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التواصل‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬تغير‭ ‬تدريجي‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭.‬

إذ‭ ‬تبدو‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬العلن‭ ‬مستعدة‭ ‬للعمل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‮»‬‭ ‬إذا‭ ‬استطاعت‭ ‬الأخيرة‭ ‬إظهار‭ ‬استعدادها‭ ‬للالتزام‭ ‬بالمعايير‭ ‬الدولية،‭ ‬مثل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬والنظام،‭ ‬ومكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وضمان‭ ‬الشمولية‭ ‬في‭ ‬الحكم،‭ ‬وهذه‭ ‬أيضا‭ ‬طلبات‭ ‬في‭ ‬العلن،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬الألعاب‭ ‬الأمريكية‭ ‬السابقة،‭ ‬وما‭ ‬يدور‭ ‬فعليا‭ ‬في‭ ‬الأروقة،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬استعداد‭ ‬أمريكا‭ ‬لدخول‭ ‬لعبة‭ ‬أخرى،‭ ‬سنعيش‭ ‬نتائجها‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭.‬

الزيارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬زيادة‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬توضح‭ ‬أولويات‭ ‬واشنطن‭ ‬الحالية،‭ ‬وهي‭ ‬ضمان‭ ‬أمن‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ومنع‭ ‬عودة‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬الرهائن‭ ‬الأمريكيين‭.‬

لكن‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‮»‬‭ ‬يحمل‭ ‬أيضًا‭ ‬رهانات‭ ‬أو‭ ‬ألعابا‭ ‬سياسية‭ ‬كبيرة‭. ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أظهرت‭ ‬الجماعة‭ ‬نزعات‭ ‬احتكارية،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬واضحًا‭ ‬فى‭ ‬تجربتها‭ ‬بإدلب‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬الحالية،‭ ‬فقد‭ ‬تواجه‭ ‬مقاومة‭ ‬محلية‭ ‬ودولية‭ ‬تعيق‭ ‬العملية‭ ‬برمتها‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬أن‭ ‬‮«‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‮»‬‭ ‬حققت‭ ‬خطوات‭ ‬ملموسة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬أنحاء‭ ‬سوريا،‭ ‬وتواصلت‭ ‬مع‭ ‬جهات‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية‭ ‬لضمان‭ ‬دعمها‭ ‬للعملية‭ ‬الانتقالية‭. ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم‭: ‬هل‭ ‬تستطيع‭ ‬الجماعة‭ ‬تقديم‭ ‬نموذج‭ ‬حكم‭ ‬جديد‭ ‬يتجاوز‭ ‬إرثها‭ ‬الفكري‭ ‬والعقائدي؟‭.‬

الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬أبدت‭ ‬استعدادها‭ ‬لتقييم‭ ‬‮«‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‮»‬‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬أفعالها‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬المقبلة‭. ‬فإذا‭ ‬أظهرت‭ ‬الجماعة‭ ‬التزامًا‭ ‬بتعهداتها،‭ ‬فقد‭ ‬يمهد‭ ‬ذلك‭ ‬الطريق‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬الإقصاء،‭ ‬فقد‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬معزولة‭ ‬دوليا،‭ ‬ما‭ ‬يعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

وهناك‭ ‬حل‭ ‬آخر‭.. ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬تشارك‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬اللعبة،‭ ‬وتغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬أفعال‭ ‬الهيئة‭ ‬وقادتها،‭ ‬حتى‭ ‬تتفتت‭ ‬سوريا‭ ‬وتواجه‭ ‬المصير‭ ‬الأفغاني‭ ‬أو‭ ‬البلقاني،‭ ‬ثم‭ ‬تعود‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لتلقي‭ ‬الطاولة‭ ‬على‭ ‬الهيئة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حققت‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬تماما‭. ‬وما‭ ‬فعلته‭ ‬أمريكا‭ ‬بطالبان‭ ‬والقاعدة‭ ‬خير‭ ‬مثال‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا