ماذا يعمل النبات الزهري الذي يدَّعي الدارونيون أنه خلق بالمصادفة والعشوائية في البيئة من حوله؟! وكيف يتحصل على رزقه الكافي والشجرة الواحدة تنتج آلاف البذور والحبوب التي إن بقيت بجوار أمها هددت حياتها وحياة أمها وأخواتها بالهلاك لنفاد الغذاء وضيق المكان وحجب الضوء؟!
ماذا يفعل النبات في هذا المكان المحدود وأرض الله واسعة، والكل يسعى ويسرح ويمرح وينتقل فيها بحثا عن رزقه وعن المعيشة الطيبة؟!
النبات مثبت في التربة بجذوره القوية فلا عجلات ولا أرجل ولا أجنحة تساعده على الحركة. ولكن الرحمن الرحيم الذي قدر في الأرض أقواتها وما يصلح معايش أهلها لم يترك هذا النبات هملا يدبر أمره في هذا الموقف الصعب، وربنا الذي أعطى كل مخلوق خَلْقه هداه لما يصلح عليه حياته كما قال تعالى: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه (50).
زود الخالق هذا النبات بتراكيب وآليات تجعله ينتقل من مكان إلى مكان ويسعى إلى رزقه في يسر وإتقان، زود الله تعالى هذا النبات وأنعم عليه ورزقه بهذه الآليات المعجزة التي سبق بها الإنسان والحيوان والكائنات الحية الدقيقة فتسلق الجبال الشاهقة، وطار في الهواء بخفة ورشاقة مدهشة، وقطع الفيافي وتخطى المحيطات والبلدان والحدود، وانتشر في الهضاب والسهول والحقول، والعيون الساخنة والباردة والمناطق الحارة والباردة كل ذلك بآليات معجزة للانتثار والانتشار مبدعة متقنة حملت الجراثيم والبذور والحبوب، وحبوب اللقاح، والثمار والأوراق والسيقان والجذور إلى كل مكان معمور ومهجور في أرض الله الواسعة.
فبذور بعض النباتات (وجراثيم بعض الفطريات) دقيقة الحجم، خفيفة الوزن، وحبوب لقاح النباتات هوائية التلقيح تحملها الرياح من مكان إنتاجها إلى أماكن بعيدة جدا فتتخطى الحواجز والموانع البيئية حيث تنبت في مكان جديد فتجد المكان المتسع، والرزق الوفير.
هذه البذور والحبوب تنتج كميات هائلة حتى تعوض ما يفقد منها ويتلف ويؤكل أثناء عملية الانتثار والانتشار.
ولثمار بعض النباتات أجنحة تحمل تلك الثمار إلى مسافات بعيدة، فعندما تحرك الرياح أغصان تلك النباتات المحملة بثمارها الجافة الناضجة المجنحة الخفيفة إلى أماكن جديدة وهي تطير في الهواء بآلية حلزونية طوربينية عجيبة ومعجزة فتصل الى أماكن بعيدة كما هو الحال في نبات أبي المكارم، أما في نبات الجعضيض حيث تحول كأس الثمار إلي شعيرات مظلية متزنة الحركة تحمل الثمار إلى آلاف الكيلومترات، وكم عجزنا ونحن نلعب في الحدائق والحقول من اللحاق والإمساك بها، ومع كل هذا السلوك المدهش والآلية العجيبة يدعي الدارونيون والملحدون أن هذه التراكيب والآليات خلقت بالمصادفة دون مدبر عليم خبير مقدر لطيف بخلقه.
ومع ذلك فإن الدارونيون والملحدون يدعون أن هذا النبات غير العاقل الذي لا يمتلك مصانع ولا مختبرات ولا أدوات طور نفسه بالمصادفة والطفرة والانتخاب الطبيعي حتى توصل إلى هذا النظام الهندسي الفيزيائي التقني الحيوي البديع الذي نراه في انتثار وانتشار الثمار والبذور بهذه القدرة الفائقة والفعل المعجز نسي هؤلاء ملايين المحاولات التي قام بها الباحثون من وقت عباس بن فرناس إلى الآن حتى استطاعوا أن يصنعوا الطائرة، فكيف لهذا النبات أن يقدر وزن الثمار وطول الشعيرات ومراكز الثقل والاتزان لنرى هذا الإعجاز في الخلق؟!
الرد العلمي العقلي على هؤلاء هو ما قاله سيدنا موسى لفرعون عندما قال: (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى) طه (49) (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه (50)، ونحن نقول لهم كما قال ربنا أيضا (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ? بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) لقمان (11).
ولنبات الخشخاش (papaver) ثمرة كبيرة محمولة على حامل طويل رفيع مرن متلاعب بالهواء، وللثمرة في أعلاها ثقوب، فإذا حرك الهواء الثمار تمايلت لطول عنقها ونثرت بذورها بعيدا عن الشمال وعن اليمين وفي الشرق والغرب وكل مكان حول النبات. فمن أعطى هذا النبات في الصحراء القاحلة المتقطعة هذا العلم الدقيق المتخصص لتصنيع هذا التركيب المبدع من المظلات والأجنحة والثقوب؟!
هكذا وسعت رحمة الخالق سبحانه وتعالى كل شيء، وسعت هذا النبات فطارت ثماره كما يطير الطير في الهواء بجناحيه بحثا عن الرزق والمكان المناسب في أرض الله الواسعة.
بعض ثمار النبات تعلق بالحيوان والإنسان وتتعلق به ليحملها إلى مسافات بعيدة، فنبات الشبيط (Xanthium) زوده الخالق سبحانه وتعالى بخطاطيف تتعلق بأوبار وأشعار وأصواف الحيوان وبملابس الإنسان كما أنها تتعلق بعبوات التعبئة للمحاصيل لتصل إلى بلاد بعيدة عبر وسائل الشحن البري والمائي والجوي، ويقوم الإنسان في عمليات التصدير والاستيراد والبيع والشراء بنقل النباتات والبذور والحبوب والثمار وتوزيعها على البلاد البعيدة والقريبة. وينتقل الإنسان والحيوان والطير البذور التي يأكلها ولا تتأثر بعصارته الهاضمة بما وهبها الله تعالى من أغلفة مقاومة للعصارات المعدية والمعوية والهاضمة، وتقوم الحيوانات البرية بنقل البذور إلى مسافات بعيدة عبر جهازها الهضمي.
ويقوم الماء في الأنهار والبحار والعيون والسيول والمصارف بنقل الثمار والحبوب والبذور المهيأة للنقل المائي إلى مسافات بعيدة، وقد زود الخالق سبحانه وتعالى هذه الثمار والحبوب والبذور بأغلفة عوامة وحافظة للثمار والأجنة حتى لا تتلف بالماء.
كل هذه الآليات والتقنيات تدلل دلالة علمية قاطعة على أن هذه النباتات خلقت بتقدير وإبداع إلهي عظيم. والحمد لله رب العالمين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك