الإنترنت أصبح لغة العصر الأولى، وأعداد المستخدمين لشبكة وسائل التواصل الاجتماعي يتزايد كل يوم، وكثيرا ما يسيء البعض استخدام هذه الوسيلة ويجعلونها وسيلة لضياع الوقت ولمجرد التسلية، وبخاصة من خلال الجلوس بالساعات أمام التطبيقات المختلفة لمتابعة التعليقات والفيديوهات، والأخطر من ذلك الاعتماد الكلي على منصات الذكاء الاصطناعي لإنجاز واجبات مدرسية وبحوث علمية وغيرها. فهل هناك شيء من الآداب الإسلامية في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي هذه لتكون نافعة لا ضارة، مفيدة لا مضيعة للوقت فيها؟
من الخدمات الكثيرة التي تتاح عبر شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي خدمة المحادثة مع الآخرين كتابة وصوتا وصورة، وكثيرا ما يقع البعض في أخطاء في استخدامه لهذه الوسيلة، والتي من أخطرها المحادثة بين الجنسين لغير حاجة أو ضرورة معتبرة شرعا، والتي ينتج عنها من المخاطر ما لا يعلمه إلا الله، ولذلك فنؤكد مراعاة خطورة هذا الأمر، وأن نغلق أبواب الشر والفتنة قبل أن يندم المرء، ولنحذر وسوسة الشيطان وكيده ومكره.
وسوف نلقي الضوء على بعض الأخلاقيات التي يجب أن نتحلى بها عند استخدامنا لهذه الوسيلة:
فكثيرا ما يكون المرء مشغولا، أو قد يكون في محل عمله ومضطرا للدخول إلى النت بحكم عمله، وظروفه لا تسمح بالتحدث مع الآخرين، ومن ثم فيجب أن نحترم الحالة التي عليها الطرف الآخر، فلا ينبغي التحدث إليه في مثل هذه الحالة حتى لا نتسبب في تعطيل الآخرين أو إحساسهم بالحرج إذا لم يتمكنوا من الرد على محدثهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) [النور: 28]، وإن حدثته فلا تغضب منه إذا لم يرد عليك، ولا تلم إلا نفسك لعدم احترامك أوقات الآخرين.
من الأدب قبل الدخول مع الغير في محادثة استئذانه -سواء كان ذلك بإرسال رسالة تخبره أنك تريد الحديث معه إن كانت ظروفه تسمح بذلك، ولا تنتظر منه ردا، فإن دخل معك في الحديث فخير، وإلا فلا يكن في صدرك حرج.
علمنا الحق سبحانه وتعالى قوله: (إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36]، والوقت هو الحياة، وعلى هذا فلا تدخل مع غيرك في محادثة أو اتصال من دون سبب، وإن احتجت إلى الحديث معه فليكن ذلك على قدر الحاجة، ولا داعي للإسراف في الحديث، فكثرة الكلام ينسي بعضه بعضا، والواجبات أكثر من الأوقات، فما أحوجنا أن نكون حريصين على مراعاة شعور الآخرين، وألا نتسبب في ضياع أوقاتهم، فبعض الناس أوقاتهم من ذهب، والبعض الآخر أوقاتهم من تراب أو أقل من ذلك، والمفترض في المسلم ألا يضيع وقته، فالوقت هو الحياة، وبدلا من إضاعة الوقت فيما لا فائدة منه فيمكن الاستفادة بالوقت في أي عمل يعود بالنفع في الآخرة والأولى.
فإذا دخلت على أحد إخوانك في برنامج معين، فإذا كان عندك موضوع معين فاطرحه، وناقش أو خذ رأي محدثك فيه، أما أن يكون الماسنجر بالنسبة إليك أداة لتضييع الوقت فهذا لا يليق بالمسلم، ولا أعني أن تكون جميع المحادثات جدية، فهذا شاق على النفس، إنما أعني بهذا ألا تكون عادتك أن تستخدم هذا البرنامج لمجرد إضاعة الوقت.
كذلك، ينبغي مراعاة عدم تغيير الاسم على البرنامج أو التطبيق، فكثيرا ما نرى البعض كل يوم له اسم وهو ما يجعل محدثه في حيرة لمعرفته، لأن الإنسان يعرف الشخص من اسمه الذي يتعامل به، وقل أن يحفظ بريده، فلا تجهد الآخرين في معرفتك حتى لا تشتت الأذهان، وتكون سببا في حيرة الآخرين.
من جهة أخرى نجد ان العاطفة الإسلامية تجعل بعض المتحمسين يقعون في خطأ شرعي من حيث لا يشعرون، فأحيانا تجد من يسمي نفسه على الواتساب مثلا باسم آية قرآنية أو ذِكر معين، وقد يأخذ الحديث مجراه بطريقة لا تليق بالأدب مع الله تعالى.
وبالتالي، لا يليق أن يسمي المرء اسمه باسم آية قرآنية أو دعاء أثناء حديثه مع الآخرين، لأن فيه نوعا من الامتهان لكلام الله وذِكره، وبخاصة إذا كان من يحمل هذا الاسم يتكلم بكلام لا يليق، فتكون النتيجة أن ينسب الكلام إلى الذكر أو إلى كتاب الله، وهذا لا يجوز، فتظهر الصورة أو الشكل هكذا مثلا: «رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب» ثم يبدأ الكلام في موضوعات مع صور وفيديوهات لا تليق.
ويجب علينا أن نحسن الظن بالآخرين، وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن سوء الظن فقال سبحانه: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ) [الحجرات: 12]، في بعض المرات يقول أحد الإخوة: «بالأمس تحدثت معك أكثر من مرة، ولكنك لم ترد عليّ»، أو غير ذلك من التعليقات التي لم تفعلها أنت عامدا، والعجيب أن البعض يجزم بأنك عرفت ماذا يريد، وأن كلامه وصلك، وأنك لم تُرِدْ أن تَرُد عليه!، والسؤال هنا: لماذا لا نحسن الظن بإخواننا؟
أما عندما تريد أن تضيف شخصا ما إلى قائمة ما فإن عليك أن تنتبه لأمرين مهمين:
الأمر الأول: أن يكون من تضيفه رجلا إذا كنت رجلا، وامرأة إذا كنتِ امرأة، فإنه لا يحسن بالرجل أن يتحدث مع المرأة، وذلك درءا للفتنة التي قد تحدث بسبب ذلك، فالشيطان يتربص بنا الدوائر، وإن كانت هناك حاجة ملحة لهذه المحادثة أو الحوار فلتكن على قدر الحاجة فقط.
الأمر الثاني: البعض يشعر بالضيق من الإضافة التي لا يسبقها استئذان، ولهذا يفضل أن ترسل رسالة لمن تريد إضافته لتستأذنه في إضافته إلى قائمتك.
كذلك ينبغي قبل الدخول في الاتصال أن نبدأ بتحية الإسلام وهي السلام عليكم، وإذا كان الصديق لم تره أو لم تحدثه منذ زمن فعليك أن تسأله عن أخباره وتطمئن عليه قبل الدخول في موضوع الحديث، مع مراعاة عدم الإطالة في السلام بصورة تدفع إلى الملل.
وأخيرا، ينبغي الاستئذان من الشخص الذي تحدثه أو تتواصل معه، وإعلامه بإنهاء الحديث معه، وألا نغفل أن ننهي الحديث بالسلام كما بدأنا، والله من وراء القصد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك