عبدالسلام عمري
فريضة الصيام تجعل المسلم يتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4] جاء في تفسير الرازي ما ملخصه، قالسَعِيدُ بْنُ هِشَامٍ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: «أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّه، قَالَتْ ألست تقرأ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَتْ: فَإِنَّهُ كَانَ خُلُقَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ» وَسُئِلَتْ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) الْمُؤْمِنُونَ: 1] إِلَى عَشَرَ آيَاتٍ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نَفْسَهُ الْمُقَدَّسَةَ التي كَانَتْ بِالطَّبْعِ مُنْجَذِبَةً إِلَى عَالَمِ الْغَيْبِ، وَرَوَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا كَانَ أَحَدٌ أَحْسَنَ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا دَعَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا قَالَ: لَبَّيْكَ» فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وَقَالَ أَنَسٌ: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فما قال لي في شي فَعَلْتُهُ لِمَ فَعَلْتَ، وَلَا فِي شَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ هَلَّا فَعَلْتَ» إِنَّ اللَّه تَعَالَى وَصَفَ مَا يَرْجِعُ إِلَى قُوَّتِهِ النَّظَرِيَّةِ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ، فَقَالَ: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)[النِّسَاءِ: 113] وَوَصَفَ ما يرجع إلى قوته العلمية بِأَنَّهُ عَظِيمٌ فَقَالَ: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) فَلَمْ يَبْقَ لِلْإِنْسَانِ بَعْدَ هَاتَيْنِ الْقُوَّتَيْنِ شَيْءٌ، فَدَلَّ مَجْمُوعُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ رُوحَهُ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ كَانَتْ عَظِيمَةً عَالِيَةَ الدَّرَجَةِ» ونرى في الغالب أن أخلاق الصائمين متميزة، حيث يتسم الصائم بهدوء الطبع وسعة الصدر والحلم وأدب الحوار والتعاون والرفق واللين والعطف والشفقة والرحمة وصلة الأرحام وتلاوة القرآن وحضور دروس العلم أو الاستماع إليها وكل ما هو طيب من مكارم وخصال وصفات.... وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الأخلاق والخصال الحسنة محمودة حتى فيمن كانوا قبل بعثته الشريفة قال صلى الله عليه وسلم : «إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق» رواه أحمد، وإذا كان من الواجب علينا أن نتخلق بالخلق الحسن في كل وقت، فإن التخلق بالأخلاق الحسنة يجب أن يكون أكثر وأوجب في رمضان، بل حسن الخلق ينبغي أن يكون سجية المسلم في رمضان وغير رمضان، لكن من العجب العجاب أن نجد بعض الناس يتخذ من رمضان مبررًا لسوء الخلق، فيكثر الغضب ويثور لأتفه الأسباب، ويقيم الدنيا ولا يقعدها، ويسيء للمسلمين وغيرهم بلسانه ويده، ويهمل ويقصر في عمله، ويتكاسل عن واجباته، ويظل طوال الوقت عابسًا بوجهه، سيئ الكلام وسيئ المعشر، فإذا قام أحد الناس وعاتبه على سوء خلقه ورعونة تصرفاته، يتذرع بقوله: إني صائم، أو دعني فإني لا أطيق شيء لأني صائم ..الخ، وهذا لا يصح ولا يجوز من المسلم في رمضان وغير رمضان... إن الله دعانا إلى التحلي بمكارم الأخلاق وصيانة الجوارح ونهانا عن الحرام وسوء القول والفعل، وعن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه مسلم. ومن مقاصد الصيام حفظ اللسان واليد وجميع الأعضاء عن إيذاء لأن الصوم يحول بيننا وبين قول الزور والكذب، كما أنه يعمل على تجنب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإذا صمت فليصم سمعي وبصري ولساني ويدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه» رواه البخاري، والمراد بقول الزور: الكذب وقول الباطل والعمل به المراد العمل بالباطل، أما الجهل فيعني السَّفَه، سواء أكان سفهًا على النفس أو على الآخرين، ويدخل في الجهل جميع المعاصي. قال ابن عباس رضي الله عنهما: مَن عمِل السوء فهو جاهل، مِن جهالته عمل السوء. إن أهل السوء والشر يفسدون على المسلمين صيامهم وحياتهم لذلك لا يستفيدون من الصيام وغيره من العبادات، أما أهل الخلق الحسن فهم يحسنون الأقوال والأفعال، فتصعد أعمالهم الصالحة إلى رب العالمين، ولهم يوم القيامة تكريم خاص، حيث إنهم أقرب وأحب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقربهم منه مجلسًا يوم القيامة، عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا»؛ رواه الترمذي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليبلغ العبد بحسن خلقه درجة الصوم والصلاة»؛ رواه الطبراني، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم والقائم»؛ رواه أبو داود.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك