د. محمد عطا مدني
انتشرت أخيرا في بعض دولنا العربية والإسلامية تجارة وتعاطي المخدرات وأهمها السموم الجديدة التي تصنّع في بعض المعامل الصغيرة والتي تسبب الإدمان عند تعاطيها لأول مرة، كما ضُبطت في بعض الدول حبوب المخدرات محشوة مع الحلويات والسكاكر التي يحبها الأطفال، ومن هنا كان واجب المسؤولين في بلداننا العربية والإسلامية أن يكونوا في أعلى درجات اليقظة للكشف عن هوية مروجي هذه المواد الخطرة، سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو منظمات، أو دولا تحاول الإضرار بمجتمعاتنا والقضاء عليها بنوع جديد من الحروب، بعد أن فشلت الحروب بشكلها التقليدي.
وتعرّف كلمة (مخدر) بأنها أي مادة تسبب النوم أو الكسل أو التغييب للعقل أو الإضرار بالجسم، وهي تنقسم إلى أنواع كثيرة منها: المنومات، والمسكنات، والمنبهات، والمهلوسات، والسموم الطبية، وغيرها. ويؤدي تعاطي المخدرات لدرجة الإدمان إلى تسمم الجسم الذي يظهر في شكل اضطرابات جسمية وعقلية، وبعضها يسبب هبوطا في المخ وفساد الاستدلال والتوجيه والشعور، كما يشعر المتعاطي بأن تفكيره ضبابي ومشوش (Fuzzy). والاستمرار في تعاطي هذه المواد المخدرة، يؤدي إلى تلف المخ وتدهور العقل والإضرار بكل أجهزة الجسم. كما أن بعضها يسبب زيادة نشاط خلايا المخ بادئا بالقشرة المخية، ويكون هذا النشاط ظاهرا ومصحوبا بحدة في الانتباه والإدراك، ثم يتحول إلى هياج وارتباك وهلوسة، قد تدفع المتعاطي إلى ارتكاب الجرائم، أو يصاب بتشنجات قد تؤدي إلى الوفاة أو الانتحار أحيانا.
وبعض هذه العقاقير ترفع حدة الاتصالات بين خلايا المخ مما يؤدي إلى إثراء في الإدراك الحسي واستدعاء الذكريات والتخيلات التي تصل أحيانا إلى حالة شبيهة بالجنون مع نقص الكفاءة العقلية والحركية، كما أن إدراك الزمان، والحكم العقلي والخلقي قد يتعطل، وقد تحدث للبعض اضطرابات سلوكية شديدة أشبه بالتسمم الكحولي الباثولوجي، وربما تنطوي السلوكيات على استجابات ذهنية حادة.
ولتسهيل بيع ونشر هذه السموم، انتشرت عدة أسماء سهلة الاستخدام على الآذان بين الشباب والمراهقين في بلادنا العربية، منها الصاروخ، والعجوة، والتعويذة، والآيز الخطير وغيرها، وقد تعمد التجار نشر تلك الأسماء لتكون سهلة النطق، قوية الوقع، من أجل توسيع رقعة المتعاطين.
لقد حاول جميع فقهاء المسلمين على مر التاريخ أن يتوصلوا إلى رأي فاصل حول الموضوعات التي لم يرد ذكرها في القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة، وليس فيها حد أو كفارة، وكان منهجهم الأساسي في ذلك هو استخدام كل الإيضاحات التي تنفي عن رأيهم أي شك، وقد توصل (ابن تيمية) إلى حكم الشريعة في المخدرات وبني حكمه على أن الإيضاح الإسلامي لكلمة خمر (كحوليات) التي ظهرت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن كل ما يُذهب العقل ويُخرج الإنسان عن حالة تحكم الذهن فهو محرم ، ولذلك فإن كل مادة لها تأثير جزئي أو كلي على العقل أو الجسم تعد محرمة، وكذلك كل المواد التي تسبب التغييرات البدنية والعقلية، وتقلل من الإحساس بالمسؤولية تجاه النفس والأسرة والمجتمع تعد كذلك محرمة.
وهناك مبدأ إسلامي قانوني يحرّم على المسلم أكل أو شرب أي شيء قد يقتله سريعا أو تدريجيا، مثل أنواع السموم المختلفة، لأن الفرد المسلم غير مطلق الحرية في إيذاء نفسه أو أهله. إن حياته وصحته وماله منّة ونعمة من الله عز وجل، ولا يحق له أن يهدر هذه النعمة، وقد تم النهي عن ذلك بقوله تعالى (وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة) (البقرة 195).
كما يحضرنا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله: «لا ضَرَرَ ولا ضِرَار» وقد رواه ابن ماجه وعبادة بن الصامت، وكذلك رواه أحمد ومالك، رضي الله عنهم جميعا، وهو يمثل قاعدة الإسلام في التشريع، وقواعد الأخلاق والتعامل بين الخلق، وهي دفع الضرر بمختلف أنواعه ومظاهره، فالضرر محرم وإزالة الضرر واجب.
إن محاربة هذه الآفات التي تدمر المجتمعات لابد أن تعتمد على ثلاثة اتجاهات مهمة وضرورية أولها: العمل على توعية النشء والشباب، حفاظا على عقولهم وعلى صحتهم العامة من التدهور. والتي يمكن أن تتضمنها مناهج التعليم في المدارس والجامعات، وكذلك المحاضرات والندوات في المساجد والأندية الثقافية والاجتماعية والرياضية، بالتركيز على أضرار المخدرات الجسيمة، وبيان ذلك بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. وقد أحسنت وزارة الداخلية بالبحرين صنعا عندما نظمت محاضرة توعوية حول الوقاية من المخدرات لأعضاء نادى البديّع الثقافي، بتاريخ 20 يناير الجاري، قدمتها شعبة الإعلام الجنائي بالإدارة العامة للمباحث، من خلال تفعيل مبدأ رائع وهو مبدأ الشراكة المجتمعية، وأتمنى أن تنشر هذه المحاضرة في أجهزة الإعلام المرئية لتعم فوائدها على الجميع.
ومن ناحية ثانية، يجب سن القوانين الرادعة ضد المهربين وتجار المخدرات، حيث تتسبب فئة قليلة من المروجين في الموت السريع والبطيء للمئات من الشباب كل عام، كما تتسبب في إعاقة الآلاف عن أداء أعمالهم، وعن مشاركتهم المشاركة الفعالة في شؤون مجتمعاتهم، وتقف حائلا بينهم وبين إيجاد الوقت الكافي للتعلم، والتفرغ لعبادة الله سبحانه وتعالى. فمن الواجب تشديد العقوبة على هؤلاء، ويجب تطبيق عقوبة (التعزير) وهي عقوبة مناسبة ومفتوحة في هذا الشأن، وتتراوح بين الجلد والإعدام، ويقدرها الحاكم أو القاضي على حسب مناسبة الجُرم ومقدار أضراره على المجتمعات، وهذه العقوبة توضح عظمة الفقه والتشريع الإسلامي لمواجهة مثل هذه الجرائم. قال جل وعلا في سورة المائدة: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلك لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(33).
وثالث هذه الاتجاهات، ضرورة توفير العلاج والعناية الطبية المركزة للمتعاطين والمدمنين الأبرياء الذين وقعوا في حبائل هذه العصابات المجرمة، بعد إقناعهم بضرورة هذه المخدرات لتنشيطهم أيام الاختبارات، أو أهميتها لشحن الطاقة الجنسية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
وضرورة تأهيلهم نفسيا من خلال دراسة شخصية المدمن، ومعرفة جوانب القوة والضعف في شخصيته، ودراسة سمات تلك الشخصية وخصائصها، ومعرفة كل الاحتياجات النفسية له، ومدى التوافق النفسي والعقلي والاجتماعي للمُدمن. والتي تعتبر من أهم خطوات التأهيل النفسي، حفاظا على الأجيال وعلى المجتمعات من الانهيار والسقوط في مستنقع خطير ومدمر يصعب الخروج منه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك