عبدالسلام عمري
الصيام مدرسة يتربى فيها المسلم على طاعة الله، فلا بد أن يتميز المسلم في صيامه بتقوى الله جل وعلا، فيترك ما اعتاده من التقصير في الواجبات، ويترك ما اعتاده من المنكرات، لأن الصيام يغرس في أنفسنا الاستقامة على دين الله قولا وعملا فيجعلنا نحافظ على صلاة الجماعة في المسجد ونعمل علي مراعاة حقوق الجيران واحترام الناس كل الناس، ونسعي في قضاء حوائجهم ونتواصل مع الأحبة والأصدقاء لتحقيق الحب في الله، فرمضان شهر الصبر والمواساة، وصلة الأرحام وموائد الرحمن، والأعمال التطوعية والمنافسة والمسارعة في الخيرات، لذلك فإن الله يضاعف فيه ثواب الأعمال والطاعات... الصيام مدرسة تربوية لأننا من خلال الصيام نتعلم المواظبة على تلاوة القرآن وتدبر معانيه، وأداء النوافل الضحي والوتر والتراويح والتهجد وقيام الليل والعمرة والصدقة... كما أن الصيام يبعث في النفس السرور والحيوية والنشاط وتأدية العمل بلا تراخ وتقييم الذات، والتحلي بكل الأخلاق الحسنة وترك الأقوال والأعمال القبيحة والفخر بالأنساب، مدرسة الصيام تعلمنا الحرص على أداء زكاة الفطر وزكاة المال ونعرف فضل الإنفاق في وجوه الخير، وتأدية كل الواجبات، والمتاجرة الرابحة مع الله حيث مضاعفة الحسنات ومحو السيئات.... جاء في تفسير التستري في قوله تعالى: (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) - البقرة:3- قال سهل: إن الله تعالى وصف بذلك من جبله بجبلّةٍ متعلقاً بسبب من سببه غير منفك عن مراقبته، وهم الذين لم يختاروا قط اختياراً، ولا أرادوا شيئاً دونه، ولا اختياراً دون اختياره لهم كما اختاره لهم، ولا أرادوا شيئاً منسوباً يغنيهم عنه، ومن غيره هم مبرؤون.
قال أبو بكر: قيل لسهل: لقد آتاك الله الحكمة، فقال: قد أوتيت، إن شاء الله، الحكمة، وغيباً علمت من غيب سره، فأغناني عن علم ما سواه. (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) -النجم: 42- وبإتمام ما بدأني به من فضله وإحسانه. قال الله تعالى: (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) -19الذاريات:19- يعني الصدقة على من طلبها منهم ومن لم يطلبها. «عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فيه إلا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فيقول أَحَدُهُمَا: اللهم أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللهم أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» رواه البخاري ومسلم، ومن خلال تهذيب النفس نصل إلى أعلى الدرجات، قال أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين» «اعلم أنَّ الصومَ ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. وأما صوم العموم: فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
وأما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص: فَصومُ القلب عن الهِمَمِ الدنية والأفكار الدنيوية وكَفُّه عما سوى الله عز وجل بالكلية.
مدرسة الصيام تعلمنا ضبط السلوك وكظم الغيظ والعفو عن الناس، والمواظبة على دروس العلم، وحضور حلقات تجويد القرآن الكريم والسعي في قضاء حوائج الناس، والقيام بالعمل التطوعي الفردي والجماعي والمؤسسي، ومن خلال الصيام نحقق خلق الصبر، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ جَمْهَانَ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ، وَزَكَاةُ الْجَسَدِ الصَّوْمُ» رواه البيهقي وابن ماجه. نصوم رمضان لأنه يرمض الذنوب، أي ـ
يحرقها بالأعمال الصالحة، كما أن الصيام يصون الشباب، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: بَيْنَما أَنَا أَمْشِي، مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» (الباءة) هي في اللغة الجماع والتقدير من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح وقيل المراد بالباءة هنا مؤن الزواج.
(أغض للبصر) أدعى إلى غض البصر. (أحصن للفرج) أدعى إلى إحصان الفرج أي حفظه من الزنا. (وجاء) قاطع للشهوة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك