بقلم/ عبد الرحمن هاشم
من المعاني المعتبرة في قوله تعالى في سورة الشورى آية 30: (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) أي ويسكت عن أشياء لم تتعلق حكمته جل شأنه ببيانها.
ومثل ذلك في قوله تعالى في سورة المائدة آية 101: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْألُوا عَنْ أشْيَاءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإن تَسْألُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) أي سكت الله عن هذه المسائل فلم يتكلم عنها لحكمة ارتضاها.
وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود (1574)، والترمذي (620)، والنسائي (2477)، وابن ماجه (1790)، وأحمد (711) واللفظ له: «قد عفوتُ لكم عن الخيلِ والرقيقِ فهاتوا صدقةَ الرِّقَّةِ من كلِّ أربعينَ درهمًا درهما وليس في تسعينَ ومائةٍ شيٌء فإذا بلغت مائتينِ ففيها خمسةُ دراهمَ» أي تركت عدم بيان صدقة الخيل والرقيق. فالعفو بمعنى السكوت عن البيان.
وفي قوله تعالى في سورة التوبة آية 43: (عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) أي: ستر الله عنك الحكمة في إذنك لهم. لماذا؟ حتى يتبين لك الذين صدقوا وهم (هلال بن أمية، وكعب بن مالك، ومرارة بن ربيعة) وتعلم الكاذبين المنافقين على الحقيقة.
بدلالة قوله في الآية السابقة (آية 42) سورة التوبة: (وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم) أي سيحلفون بعد رجوعكم من الغزو في تبوك لو استطاعوا لخرجوا فجاء إذن الرسول لهم موافقا لمراد الله الذي كره خروجهم بدلالة قوله في الآيتين اللاحقتين (46 – 47) سورة التوبة: (وَلَوْ أرَادُوا الْخُرُوجَ لَأعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا وَلَأوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيم بِالظَّالِمِينَ) إذن؛ جاء الإذن لهم بالتخلف والقعود موافقا لمقتضى حكمته سبحانه وتعالى وموافقا لمراده. ومعنى (عفا الله عنك لم أذنت لهم): سكت عن بيان الحكمة لك في هذا الوقت تحديدا (وقت الاستعداد والخروج للغزو) وسيبينها لك بعد ذلك مع حوادث المعركة.
وعليه؛ فقوله تعالى: (لِمَ أذِنتَ لَهُمْ) ليس استفهاما، بل جملة خبرية، تماما مثل قوله كيف يشاء في سورة آل عمران آية 6: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ومثل قوله ما الكتاب في سورة الشورى آية 52: (وَكَذَلِكَ أوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ) ومثل قوله كيف فعلنا في سورة إبراهيم آية 45: (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأأمْثَالَ) ومثل قوله أيهم أحسن في سورة الكهف آية 7: (إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أحْسَنُ عَمَلًا) مع أن ظاهرها الاستفهام.
مركز تحقيق التراث العربي
جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك