يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
التطبيع مع العدوان
أمران هما أخطر ما يشهده العالم اليوم:
الأمر الأول: تطويع المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بالعدالة وتطبيق القانون الدولي وتجنيدها لخدمة أجندات سياسية غربية على حساب أي معايير للعدالة. وقد رأينا كيف يجند الغرب المحكمة الجنائية مثلا لخدمة أجندته في مواجهة روسيا والروس في الوقت الذي لا تفعل المحكمة شيئا إزاء جرائم دولية كبرى كالجرائم ضد الفلسطينيين أو فيما يتعلق بالعراق وغيرها.
هذا التطور الخطير الذي يشهده عالم اليوم يفقد القانون الدولي أي قيمة ولا يجعل للعدالة الدولية معنى ويحول منظمات ومؤسسات تحقيق العدالة إلى مؤسسات سياسية غربية.
والأمر الثاني: هو التطبيع مع العدوان السافر والانتهاك الإجرامي للقانون الدولي والتعامل مع هذا الوضع باعتباره وضعا طبيعيا مقبولا تماما لا يستدعي أي إدانة أو شجب أو محاسبة.
المثال الأبرز على هذا ما يفعله الكيان الإسرائيلي بعدوانه المتكرر السافر على سوريا.
لا يكاد يمضي يوم أو يومان الا ويقدم الكيان الإسرائيلي على شن عدوان على مواقع ومنشآت سورية ويدمر ويقتل عسكريين ومدنيين.
في الفترة القليلة الماضية مثلا أقدم الكيان الإسرائيلي على شن عدوان على مطار حلب أكثر من مرة وإخراجه من الخدمة ودمر منشآت فيه، حتى عندما كان المطار هو المنفذ الوحيد لإيصال مواد الإغاثة إلى ضحايا الزلزال، لم يتردد الإسرائيليون في قصفة وإيقافه عن العمل.
في كل مرة يتم فيها شن عدوان على سوريا، يكون التبرير الإسرائيلي واحدا لا يتغير، وهو أنه يتم قصف مواقع إيرانية داخل سوريا، أو تجمعات لقوات إيرانية، أو مخازن لأسلحة إيرانية في سوريا.. وهكذا.
لسنا هنا في صدد مناقشة قضية الوجود الإيراني في سوريا وأبعاده المختلفة من وجهة النظر العربية أو من أي وجهة نظر أخرى. ليس هنا مجال مناقشة هذا، لكن حتى إذا سلمنا بأن الوجود الإيراني في سوريا خطر وفقا لأي وجهة نظر أيا كانت، وإذا سلمنا بأن هذا الوجود يجب أن ينتهي، فما علاقة ذلك بالعدوان المتكرر الذي يشنه الكيان الإسرائيلي على سوريا؟
السؤال الحاسم هنا: من الذي أعطى للكيان الإسرائيلي، أو أمريكا أو أي أحد، تفويضا بقصف أو تدمير أي مواقع أو أهداف إيرانية في سوريا؟.. بأي وجه حق يتم شن هذا العدوان المتكرر؟.. وفقا لأي قانون أو عرف يتم هذا؟
الجواب معروف بشكل قاطع: لا أحد أعطى الكيان الإسرائيلي تفويضا.. وهذا العدوان هو خرق فاضح للقانون الدولي واعتداء سافر على سيادة واستقلال دولة. لهذا من المفروض أن يكون العدوان مدانا من كل الدول وكل المنظمات الدولية.
الحادث كما نعلم أن العالم كله قام بالتطبيع مع هذا العدوان وأصبح يتعامل معه كما لو كان من الأمور والتطورات العادية الطبيعية التي لا تثير استنكارا أو شجبا.
وهذا بالضبط السبب الرئيسي الذي يشجع الكيان الإسرائيلي على الاستمرار في هذا العدوان من دون أن يخشى شيئا.
هذا التطبيع مع العدوان، وهذا الصمت عنه خصوصا من جانب الدول العربية، له نتائج وتبعات خطيرة.
التعامل مع العدوان باعتباره أمرا مقبولا لا يستدعي إدانة أو رفضا لا تتوقف أخطاره عند سوريا، وإنما يعني في جوهره تسليما بأن الكيان الإسرائيلي بمقدوره أن ينفذ مثل هذا العدوان في أي مكان آخر وأي دولة أخرى في كل مرة يرى أن مصالحه تستدعي ذلك.
حقيقة الأمر أنه طالما ظل هذا هو حال عالم اليوم، فلن يعرف أمنا ولا استقرارا.
طالما ظل القانون الدولي مغيبا ومنظمات العدالة الدولية مختطفة من الغرب.. وطالما ظل العالم مطبعا مع العدوان وانتهاك سيادة الدول، فستظل الكلمة الأولى لمنطق القوة والعدوان وشريعة الغاب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك