السفير د. عبدالله الأشعل
الإلحاد السياسي مصطلح جديد ويعني ما يعنيه الإلحاد الديني، مع الفارق أنه في الالحاد الديني يتم إنكار وجود الله أما في الالحاد السياسي فيتم إنكار الحاكم أي إنكار مشروعيته، وبالتالي عدم طاعته. والتقليد شائع في جميع النظم في العالم العربي والإسلامي مادامت هذه النظم غير ديمقراطية ولكن المصطلح الذي يشير إلى هذا التقليد نستخدمه أول مرة، ولا شك أن الالحاد الديني بمعنى انكار وجود الله وما يترتب عليه من نتائج لا يقابل في تفاصيله معنى الالحاد السياسي، والفارق بين الاثنين هو في المجال أما الرابط بينهما فيتحصل بأن الحاكم المستبد يتمنى أن تحيط به الشعوب بعيدا عن منافسة الإله له، فهو في بعض الأحيان يعتبر عبادته واجبه وأن الشريك له سواء كان الاله أو غيره يشتت إيمانه به، ولكن هذه المقولة فاسدة أي أن الإيمان محله القلب ولا يمكن للحاكم المستبد أن يسيطر على القلوب، وانما في أغلب الأحيان يسود النفاق، والنفاق هو التقلب بين سلوكين أو بين السلوك والايمان، وهما متناقضان فقد يدرك المواطن أن نفاقه للحاكم -وهو بالقطع ليس مطابقا لفكرته عن الحاكم وايمانه به- النفاق يجلب المزايا والمنافع.. لذلك معظم أتباع الحاكم المستبد منافقون وخاصة الذين يغدق عليهم الحاكم من ثروات الشعوب لأن هذا الانفاق قمة الفساد، كما أن له وظيفة وهي مساندة نظام الحاكم بالعطايا والمنافع. وغالبا في الدول المتخلفة يسود الالحاد السياسي الذي يستند إلى مصالح شخصية، وليست هناك معارضة موضوعية للحاكم، ولذلك فإن الحاكم ليس مقتنعا بالمعارضة، ولهذا السبب فإن المعارضة في الدول المتخلفة لا مكانة لها، كما أن الحاكم يوزع المعارضة إلى ثلاثة أقسام: قسم مستأنس لعطاياه، وقسم آخر فر من البلاد أو آثر السكينة فليس له حراك، أما القسم الثالث فقد استعصى على الاختيارين السابقين وهو في السجون التي سيدخلها بمحاكمات هزلية.
الالحاد الديني هو الشائع، ولذلك فإن الالحاد السياسي في الدول الديمقراطية يعتبر خيانة لأن هذه الدول توفر لكل المواطنين فرص التعبير المؤدي إلى التغيير، ولذلك لا حجة لمن يلحد سياسيا وإنما يباح له الالحاد الديني لأن النظم الديمقراطية توفر حرية الاعتقاد ولا يهمها العلاقة بين الخالق والمخلوق وإنما يهمها أن يكون مواطنا صالحا بالمفهوم السياسي.
ولا تشجع الدول الديمقراطية الالحاد الديني بطرق ملموسة، ولكن إطلاقها حرية التعبير والاعتقاد أتاح لضعاف النفوس أن يلحدوا. أما في الدول المتخلفة فيبدو أن الحاكم يشجع بطرق غير مباشرة على الالحاد الديني لأن الملحد دينيا يمكن أن يكون الحاكم بديلا للإله الذى لا يعترف به، وقد قابلت نماذج كسرت هذه القاعدة، فهي تلحد دينيا وسياسيا في نفس الوقت وفي الغالب فإن الالحاد السياسي سابق على الالحاد الديني، ويجوز أن يكون هذا الالحاد الديني من اثار الالحاد السياسي، فالعلاقة بينهما حتى هذه اللحظة ليست محسومة، وعلى كل حال فإن الجمع بين الالحاد الديني والالحاد السياسي والعلاقة بينهما يتطلب بحثا معمقا ليس هذا مكانه، ونأمل أن تلفت هذه الظاهرة نظر الباحثين في علوم الاجتماع وعلوم الدين. فكما أن الملحد الديني شخصية شاذة كما قدمنا فقد يكون الملحد السياسي شخصية عادية أو ناضجة أو شاذة، وهذه نقطة تحتاج إلى بحث معمق هي الأخرى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك