العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

جدلية البُعد المادي والبُعد الروحي للإنسان!

{ هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬مناسبة‭ ‬حقيقية‭ ‬للتأمل‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الظواهر‭ ‬التي‭ ‬تجتاح‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬بؤرة‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي‭ ‬المادي،‭ ‬الذي‭ ‬انساق‭ ‬وراء‭ (‬العلوم‭ ‬المادية‭) ‬وحدها‭ ‬ولم‭ ‬يضع‭ ‬اعتبارا‭ ‬إلا‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬محسوس‭ ‬وملموس‭ ‬ويمكن‭ ‬التجريب‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬المعامل‭ ‬العلمية‭! ‬هو‭ ‬توجه‭ ‬فكري‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الإلمام‭ ‬المعرفي‭ ‬العلمي‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬مادي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬اعتباره‭ ‬غير‭ ‬موجود‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬للتجريب‭ ‬المعملي‭! ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬وجود‭ ‬الله‭! ‬

{‭ ‬هذا‭ (‬التفكير‭ ‬المادي‭ ‬المطلق‭) ‬أنتج‭ ‬ظواهر‭ ‬ومظاهر‭ ‬أصابت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬بعناوين‭ (‬العلمانية‭ - ‬بكسر‭ ‬العين‭) ‬و‭(‬العلمانية‭ ‬‭ ‬بفتح‭ ‬العين‭) ‬لتنشأ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منظومة‭ ‬فكرية‭ ‬تسند‭ ‬بعضها‭ ‬بدأت‭ ‬بـ‭(‬العلم‭ ‬التجريبي‭) ‬في‭ ‬المعامل‭ ‬لتنشئ‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬منظومتها‭ ‬المتسقة‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والاجتماع‭ ‬والسياسة‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والدينية‭! ‬وتنبذ‭ ‬بالتدريج‭ ‬الأديان‭ ‬والعلوم‭ ‬الدينية‭ ‬والتعاليم‭ ‬الإلهية،‭ ‬وليصبح‭ (‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬روحي‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للتجارب‭ ‬العلمية‭) ‬غير‭ ‬معترف‭ ‬به‭! ‬لتتدرج‭ ‬ظاهرة‭ (‬الإلحاد‭) ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬وظاهرة‭ (‬اللادينية‭) ‬بمعنى‭ ‬الاعتراف‭ ‬بوجود‭ ‬خالق‭ ‬ولكن‭ ‬إنكار‭ ‬وجود‭ ‬رسائل‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشرائع‭ ‬والرسل‭ ‬والدين‭ ‬الخاتم‭ ‬وهو‭ ‬الإسلام‭!‬

{‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬اكتشاف‭ ‬كل‭ ‬أبعاده،‭ ‬إلا‭ ‬الحسية‭ ‬الملموسة،‭ ‬ومنها‭ ‬الحواس‭ ‬الخمس،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ (‬البعد‭ ‬الروحي‭) ‬لدى‭ ‬الإنسان،‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬العلم‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬تطوره‭ ‬من‭ ‬فهمه‭ ‬بشكل‭ ‬حقيقي‭! ‬لأنه‭ ‬أي‭ ‬العلم‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬اكتشاف‭ ‬كل‭ ‬الأبعاد‭ ‬والوظائف‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬الدماغ‭ ‬البشري‭ ‬إلا‭ ‬باعتباره‭ ‬جهازاً‭ ‬ينقل‭ ‬المؤثرات‭ ‬الكهربائية‭! ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يختلف‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬العمليات‭ ‬العقلية‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬القدرات‭ ‬الكامنة‭ ‬واللا‭ ‬واعية‭ ‬التي‭ ‬يحظى‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ (‬الوعي‭) ‬وارتباط‭ ‬المؤشرات‭ ‬العقلية‭ ‬بالمؤشرات‭ ‬والإشارات‭ ‬القلبية‭..! ‬وما‭ ‬هو‭ ‬سر‭ ‬مثلا‭ (‬الظواهر‭ ‬الباراسيكولوجية‭) ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬ملموس‭ ‬وغير‭ ‬محسوس،‭ ‬مثل‭ ‬الحاسة‭ ‬السادسة‭ ‬والسابعة‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬أعلى،‭ ‬ومثل‭ ‬الحدس،‭ ‬والتخاطر،‭ ‬وغيرها‭! ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬ميدان‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬ومنذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬قبل‭ ‬الآن‭ ‬بغرض‭ ‬الاستخدام‭ ‬الاستخباراتي‭!‬

{‭ ‬حتى‭ ‬التجارب‭ ‬العلمية‭ ‬أثبتت‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تجزئة‭ ‬الجزيء‭ ‬والذرة‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الإلكترون‭ ‬والفوتون،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬أصغر‭ ‬منه،‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفوتونات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬رؤيتها،‭ ‬ولكن‭ ‬مراقبة‭ ‬حركاتها‭ ‬غير‭ ‬المرئية‭! ‬أي‭ ‬أن‭ (‬جوهر‭ ‬المادة‭ ‬هو‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬مادي‭ ‬أو‭ ‬غيبي‭) ‬بحسب‭ ‬تجاربهم‭ ‬المعملية‭! ‬ولكأن‭ ‬الله‭ ‬عزّ‭ ‬وجل‭ ‬وضع‭ ‬السّر‭ ‬في‭ ‬أصغر‭ ‬مخلوقاته‭ ‬داخل‭ ‬الجزيء‭ ‬المادي‭ ‬نفسه‭ ‬وداخل‭ ‬الذرة‭ ‬وأصغر‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬إلكترونات‭ ‬وفوتونات‭ ‬ليدلل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أي‭ ‬الله‭ (‬غير‭ ‬مرئي‭ ‬ولكن‭ ‬آثاره‭ ‬مرئية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خلقه‭) ‬من‭ ‬الذرة‭ ‬وما‭ ‬فيها‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬الذرة،‭ ‬إلى‭ ‬السموات‭ ‬السبع‭ ‬والأرض‭! ‬ولهذا‭ ‬وقفة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مقالات‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭! ‬

{‭ ‬حول‭ ‬صناعة‭ ‬الإدراك‭ ‬والوعي‭ ‬والفارق‭ ‬بين‭ (‬القلب‭ - ‬العضلة‭) ‬و‭(‬القلب‭ - ‬المفكر‭) ‬و‭(‬القلب‭ - ‬العقل‭) ‬تدور‭ ‬اليوم‭ ‬أبحاث‭ ‬علمية،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬معامل‭ ‬الرؤية‭ ‬المادية‭ ‬البحتة‭! ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الإلحاد‭! ‬وبالتالي‭ ‬لن‭ ‬تفصح‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬اختباراتها‭ ‬في‭ ‬الدلالة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مؤشر‭ ‬للعالم‭ ‬الروحي‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيضرب‭ ‬التوجهات‭ ‬المكرسة‭ ‬لـ‭(‬عبادة‭ ‬العلم‭ ‬وليس‭ ‬عبادة‭ ‬الله‭)!‬

{‭ ‬عقل‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬إطار‭ (‬الرؤية‭ ‬المادية‭ ‬البحتة‭) ‬هو‭ ‬عقل‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬إدراك‭ ‬الأبعاد‭ ‬الحقيقية‭ ‬سواء‭ ‬للكون‭ ‬أو‭ ‬للإنسان‭ ‬نفسه‭! ‬فيما‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ (‬كلام‭ ‬الله‭ ‬الأخير‭) ‬فإن‭ ‬القلب‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬التعقل‭ ‬والعاطفة‭ ‬معا،‭ ‬ومصدر‭ ‬كل‭ ‬الظواهر‭ ‬الأخرى‭ (‬الباراسيكولوجية‭) ‬أو‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬الطبيعة‭ ‬كالحدس‭ ‬والتخاطر‭ ‬والحاسة‭ ‬السادسة‭ ‬والسابعة‭ ‬وكل‭ ‬التجليات‭ ‬الروحية‭ ‬الرفيعة،‭ ‬وفي‭ ‬إدراك‭ ‬الوعي‭ ‬الكوني‭ ‬الذي‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يسير‭ ‬وفقه‭ ‬ووفق‭ ‬نظام‭ ‬معقد‭ ‬ودقيق‭ ‬جدا‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬بساطة‭!‬

{‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬ففي‭ ‬العلم‭ ‬الإلهي‭ ‬تنشأ‭ ‬الحكمة‭ ‬التي‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬بأنها‭ ‬الفضل‭ ‬العظيم‭! ‬وحتى‭ ‬الفيلسوف‭ ‬‮«‬كانت‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬كانط‮»‬‭ ‬قال‭ (‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬الخالق‭ ‬سؤال‭ ‬لن‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬جوابه‭ ‬عبر‭ ‬العقل‭) ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬التفكير‭ ‬المادي‭ ‬المحدود‭ ‬والعاجز‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬الأبعاد‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬للتجريب‭ ‬المعملي‭ ‬وإنما‭ ‬يتم‭ ‬الإحساس‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬القلب‭!‬

{‭ (‬الالتباسات‭ ‬المفاهيمية‭) ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬وفي‭ ‬الفكر‭ ‬الفلسفي‭ ‬المادي‭ ‬توضح‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬العلوم‭ ‬الأصلية‭ ‬‮«‬الإلهية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تفسر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬المادي‭ ‬البحت،‭ ‬وبين‭ ‬العلوم‭ ‬الزائفة،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يسميها‭ ‬البعض‭ ‬‮«‬علوم‭ ‬الدجال‭! ‬

وحين‭ ‬يتم‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التفكير،‭ ‬وبين‭ ‬الوعي‭ ‬سواء‭ ‬الوعي‭ ‬الإنساني‭ ‬الذاتي‭ ‬أو‭ ‬الوعي‭ ‬الكوني،‭ ‬تنشأ‭ ‬تلك‭ ‬الالتباسات‭! (‬الوعي‭ ‬مصدره‭ ‬متعدد‭ ‬الأبعاد‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حسي‭ ‬وملموس،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬روحي‭ ‬وإيماني‭ ‬قلبي‭ ‬مكانه‭ ‬القلب،‭ ‬الذي‭ ‬منه‭ ‬تأتي‭ ‬الحكمة‭)! ‬والقرآن‭ ‬لأنه‭ ‬كلام‭ ‬الله‭ ‬الأخير‭ ‬مهيمن‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبقه‭ ‬ولحقه‭! ‬وتدبره‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نور‭ ‬القلب‭ ‬وليس‭ ‬محدودية‭ ‬الحواس‭ ‬والتجريب‭ ‬المعملي‭ ‬العلمي‭! ‬لأن‭ ‬العقل‭ ‬وحده‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬فهم‭ ‬كل‭ ‬الأسرار‭! ‬والحقيقة‭ ‬الواقعية‭ ‬للذات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬لا‭ ‬تتناقض‭ ‬مع‭ ‬معرفة‭ ‬الله‭ ‬والإيمان‭ ‬به،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تأخذ‭ ‬كل‭ ‬أبعادها‭ ‬الحقيقية‭ ‬بتكامل‭ ‬البعد‭ ‬المادي‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬بعده‭ ‬الروحي‭ ‬غير‭ ‬المنظور‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا