يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
.. ماذا سيقول الإمبرياليون؟!
قبل أيام نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية مقالا مهما يستحق التوقف عنده للكاتبة إيما دنكان بعنوان «دول الإمبراطورية ترد». تقصد بدول الامبراطورية الدول التي كانت تستعمرها بريطانيا في الماضي حين كانت امبراطورية كالهند وغيرها.
الكاتبة تتوقف في مقالها عند ما تطلق عليه «تطور غير معتاد في بريطانيا» حيث أصبح ثلاثة، أو ربما خمسة، من أهم السياسيين والقادة في البلاد ممن ترجع أصولهم إلى شبه القارة الهندية. وتشير إلى أن رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، وعمدة لندن، صديق خان، والوزير الأول في اسكتلندا، حمزة يوسف، ينحدرون جميعا من أصول آسيوية. ويمكن إضافة زعيم حزب العمال في اسكتلندا ووزيرة الداخلية إلى هذه القائمة.
الكاتبة تقول إنه يجب التوقف والتفكير في أهمية هذا التطور في بريطانيا.
وهي تعتبر أن هذه التطورات حدثت جزئيًا لأن بريطانيا، على الرغم من تاريخها في الاستعمار والعبودية، غير عنصرية نسبيًا. وللإنصاف يجب القول ان هذه الظاهرة تحسب لبريطانيا على اعتبار ان النظام أتاح المجال لهؤلاء بالصعود الى مناصب قيادية بناء على كفاءاتهم.
اهم ما في مقال الكاتبة البريطانية انها تطرح عددا من التساؤلات المحورية المرتبطة بهذا التطور.
تتساءل: ماذا كان يمكن للإمبرياليين أن يفعلوا إزاء هذا الصعود لأبناء المستعمرات السابقة؟.. ماذا عن نظريات التفوق العنصري التي قدمت التبرير الأخلاقي للاستعمار؟. كما تتساءل: كيف سيكون شعورهم حيال احتمال حصول اسكتلندا على الاستقلال في المستقبل القريب، ويمكن أن يتم تقسيم المملكة المتحدة من قبل زعيم من أصل باكستاني في هوليرود وزعيم من أصل هندي في داونينج ستريت؟
صحيح، ماذا يقول الامبرياليون في الغرب عن الظاهرة وكيف يفهمونها كما تقول الكاتبة؟.
ردا على هذ الأسئلة التي تطرحها الكاتبة قد يخطر ببال البعض ان هذه التطورات قد تدفع الامبرياليين وأصحاب نظرية التفوق العنصري للبيض الى مراجعة موقفهم وإعادة النظر في حساباتهم.
لكن الحقيقة غير هذا.
بداية كما نعلم فإن نظريات تفوق البيض العنصرية متأصلة وعميقة الجذور في الدول والمجتمعات الأوروبية وامريكا. هذه النظريات تم استخدامها في الماضي لتبرير العبودية وأبشع صور الاستعمار والإذلال للشعوب المستعمرة ونهب ثرواتها.
وعلى امتداد العقود الماضية لم تنحسر هذه النظريات، بل على العكس ترسخت أكثر واتخذت ابعادا خطيرة.
على امتداد العقود الماضية شهدت أمريكا والدول الأوروبية ظاهرتين خطيرتين مرتبطتين بالنظريات العنصرية.
الأولى: ان حكومات أمريكا والدول الأوروبية تبنت عمليا في ممارساتها هذه النظريات العنصرية الامبريالية عن تفوق البيض، من دون ان تقول هذا صراحة بالطبع.
كل الحروب والاعتداءات الاجرامية التي شنتها هذه الدول على دول مثل أفغانستان والعراق وليبيا، وكل محاولات تدمير النظم واسقاطها، انطلقت في جوهرها من اعتقاد عنصري راسخ بأن هذه الدول والشعوب غير الغربية متخلفة وغير متحضرة ولا تستحق حتى الاستقلال، وان الغرب الأبيض له الحق في ان يفعل بها ما يشاء تحت دعوى تحقيق الحرية والتحضر.. الى آخر هذه الأكاذيب. وهذا هو صلب النظريات العنصرية.
والثانية: ان عددا كبيرا جدا من المنظمات والمليشيات المتطرفة الإرهابية المسلحة ظهرت في امريكا والدول الأوروبية على اساس هذه النظريات. كل هذه المنظمات والمليشيات تتبنى صراحة وبشكل صارخ في وثائقها واعلامها نظرية تفوق البيض وانه يجب القتال من اجل إبقاء سيطرتهم. هذه المنظمات والمليشيات تتبنى ما يسمى نظرية «الإحلال العظيم» والتي تتلخص في ان البيض في امريكا واوروبا يتعرصون لخطر الإبادة على يد السود والمسلمين وابناء الأقليات الأخرى، وانه يجب القتال في مواجهة هؤلاء حتى لا تنقرض سيطرة البيض.
واتاحت وسائل التواصل الاجتماعي لهذه المنظمات والمليشيات ساحة واسعة لنشر أفكارهم وتجنيد الأعضاء. وعلى سبيل المثال، نشر معهد الحوار الاستراتيجي في لندن تقريرًا بعنوان «مكان آمن للكراهية: تعبئة المتعصبين للعرق الأبيض على التليجرام». خلص الى أن المتعصبين للعرق الأبيض يستخدمون 208 قنوات على تطبيق التليجرام وحده لنشر أفكارهم التي تدعم العنف السياسي وتمجد الإرهاب والمجموعات الإرهابية وتدعو مباشرة لشنِّ هجمات عدوانية ضد الأقليات والمعارضين السياسيين.
وفي امريكا لا تتردد هذه المليشيات في الإعلان عن انها لن تتردد في تفجير حرب أهلية دفاعا عن افكارها.
على ضوء هذا يسهل التوصل الى ان الامبرياليين والعنصريين سوف يعتبرون صعود هذه القيادات في بريطانيا تأكيدا لصحة نظرياتهم، وان البيض في خطر حقيقي ويمكن ان يزاحوا من السلطة ويسيطر أبناء الأقليات.
لهذا، لنا ان نتوقع ان يكون هذا التطور، من بين عوامل كثيرة أخرى، دافعا لتفاقم خطر هؤلاء الامبرياليين والمليشيات الإرهابية العنصرية في أمريكا والدول الأوروبية مستقبلا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك