خطط واعدة بالبحرين لمشاريع الذكاء الاصطناعي في عمليات المساحة والتسجيل العقاري
يمكن تعريف مفهوم الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) ببساطة بأنه محاكاة البرامج الحاسوبية للقدرات الذهنية البشرية، ولاسيما فيما يتعلق بالتعلم والاستنتاج ورد الفعل. وهذا ما يعني انه يرتبط بالأجهزة الرقمية بالمقام الأول.
وعلى الرغم من حداثة المصطلح، فإن البعض يؤكد أن مفهوم الذكاء الاصطناعي ليس بابتكار العصر، وانما يعود الى عصر الفلاسفة اليونانيين الكلاسيكيين. وفي العصر الحديث، بدأت المدرسة الفكرية الاتصالية بدراسة هذا المفهوم بدءا من عام 1940، وربما كان آلان تورينج اول من قدم عام 1950 بحثا حول إيجاد تقنيات الية تحاكي الإنسان، قبل ان يقدم هودجكين هكسلي نموذجا يحاكي دماغ الإنسان على شكل شبكة كهربائية تمثل الخلايا العصبية، الامر الذي اسهم لاحقا في إطلاق مفهوم الذكاء الاصطناعي عام 1956، ليمر هذا المجال بتطورات متذبذبة وصولا الى تطوير مشروع الجيل الخامس في التكنولوجيا ثم هيمنة الذكاء الاصطناعي على جميع مناحي الحياة في عصرنا الحاضر.
القطاع العقاري
على الرغم من اعتبار القطاع العقاري من اقل القطاعات اعتمادا على الرقمنة وتبني التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، فإن جانبا مهما بدأ يبرز في هذا القطاع ويشد العاملين والقادة اليه وهو الذكاء الاصطناعي.
ومع تزايد الاهتمام بهذا الجانب، برزت حلول وتطبيقات باتت تسهم في الارتقاء بأداء القطاع، بل عمدت شركات عالمية الى الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملياتها مثل مساعدة الزبائن على اختيار العقار وشرائه، وظهرت تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي تساعد على الادارة الذكية للعقارات وتحسين تجارب البحث عن المنازل والمساهمة في توليد الزبائن المحتملين من خلال إدارة علاقات الزبائن والمبيعات بتقنية الذكاء الصناعي، الى جانب المساهمة في وضع برنامج للصيانة الاستباقية للعقارات واتمتة القطاع وتحليل السوق بالذكاء الاصطناعي.
تحليل السوق.. والتنبؤ
كيف يمكن استثمار الذكاء الاصطناعي في القطاع العقاري؟ وما أبرز الحلول والمساهمات التي يمكن ان يقدمها للقطاع؟ ماهي تحديات الاعتماد على هذا النوع من الذكاء في العقار؟ وما آفاق الاعتماد عليه في البحرين؟
محاور ناقشناها مع رئيس المجموعة العالمية للذكاء الاصطناعي الدكتور جاسم حاجي الذي يؤكد في مقدمة حديثه أن القطاع العقاري كغيره من القطاعات يمكن أن يستفيد من الذكاء الاصطناعي بشكل كبير ويحقق مكاسب مهمة.
ويوضح ذلك بقوله:
بشكل عام، هناك ثلاث طرق رئيسية يمكن أن يسهم بها الذكاء الاصطناعي في دعم القطاع والاستثمار العقاري. وأول هذه الطرق هي الصيانة التنبؤية. فالمشكلة المتكررة في الكثير من العقارات هي تراكم التكاليف عندما يحدث خطأ ما في أي عقار أو يتأخر اصلاح خلل غير ظاهر. وهذه الصيانة او الإصلاحات قد تتطلب رسوما عالية واحتياجا الى فريق عمل او حتى مقاول ومدير عقارات. وتتضاعف المشكلة اذا كنت تمتلك مجموعة من العقارات.
هنا يمكن للذكاء الاصطناعي ان يسهم في التخفيف من هذه الكلفة من خلال التنبؤ بموعد الحاجة إلى الصيانة مقدما، وذلك من خلال تحليل بيانات المستشعر من الخصائص؛ بمعنى انه يمكن للذكاء الاصطناعي تقدير متى قد تكون الرعاية مطلوبة بالضبط وجدولة العمل نفسه. وهذا ما يعتبر مهما ومفيدا بشكل خاص للملاك الذين لديهم العديد من العقارات لإدارتها.
والجانب الاخر هو التشغيل الآلي للمنزل وتوفير الكثير من التكاليف. ففي كثير من الأحيان تكون فواتير الخدمات مثل الكهرباء مرتفعة للغاية. وقد يعود ذلك إلى نسيان إطفاء الأنوار والتكييف او التدفئة. وهنا قد يتم اللجوء الى بعض الوسائل مثل تنشيط الأضواء في أجهزة استشعار حركة الممرات واستخدام التكنولوجيا الذكية للتحكم في منظم الحرارة عن بعد.
ولكن لدى الذكاء الاصطناعي قدرة أكبر من ذلك بكثير من خلال الارتقاء إلى مستوى جديد تماما، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تعلم الأنماط الدقيقة للمستأجرين القادمين والخارجين من العقار وترتيب تشغيل الاجهزة وفقا لذلك. فمثلا عندما لا يكون أحد في المنزل يتم إيقاف تشغيل الأجهزة مثل التلفاز، وعندما يتوقع عودة المقيمين في العقار، يتم وضع الأجهزة في وضع الاستعداد. كما يمكن ربط أنظمة التدفئة بالطقس والأوقات التي يستيقظ فيها المستأجرون عادة في الصباح.
والجانب الثالث هو تحليل سوق الذكاء الاصطناعي. فهناك العديد من الطرق للتنبؤ بما ستفعله أسعار العقارات في منطقة معينة. مثل تحليل تحركات الشركات في القطاع وخطط إعادة التطوير المحلية وتحليل الاتجاهات التاريخية والمعطيات القائمة. ولكن هذا لا يستغرق في الأساليب التقليدية أوقاتا طويلة وجهدا كبيرا.
وهنا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلل ملايين البيانات ويقارن بين المناطق والمعطيات والأخبار والإحصائيات والسجلات، ثم التنبؤ باتجاهات السوق المستقبلية والاستثمارات المحتملة. وهذا ما يجعل المستثمرين العقاريين يمتلكون رؤية واضحة ويكونون قادرين على إيجاد الفرص التي يغفلها المستثمرون الآخرون.
أضف الى ما سبق، ان حلول المدن الذكية التي يدعمها الذكاء الاصطناعي لديها القدرة على التعلم من تفاعلات المواطنين مع مجتمعاتهم. فمثلا لدى الذكاء الاصطناعي القدرة على دراسة سكان الحضر وعاداتهم لتحسين التخطيط والإدارة الحضريين، كما ان لديه القدرة على الكشف عن حقائق وتحليلات تسمح بتوقع احتياجات المواطنين بشكل أفضل وتوفيرها مسبقا من قبل السلطات المسؤولة.
وبنفس الوقت يمكن لأنظمة المدن الذكية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي جمع وتحليل البيانات من مجموعة واسعة من الخدمات البلدية. وهذا ما يمكن من التغلب على مشكلة عدم توافر المعلومات الكافية وعدم الاستثمار الأمثل للبنية التحتية العامة للمدن. كما يمكن التعامل مع جميع أنواع المشاكل بدءا من تنظيم حركة المرور إلى التحكم في الجريمة في «المدن الذكية» بفضل الجمع بين الذكاء الاصطناعي والتحليلات القائمة على البيانات التي تجمعها أجهزة الاستشعار في جميع أنحاء البيئة الحضرية.
ويسوق رئيس المجموعة العالمية للذكاء الاصطناعي هنا بعض النماذج للشركات العالمية التي باتت تعتمد على الذكاء الاصطناعي في القطاع العقاري، لافتا الى انه في شيكاغو استخدمت حلول الذكاء الاصطناعي Silverwork لبناء «تقنيات معرفية» لصناعة الرهن العقاري. وهذا ما يشمل استخدام روبوتات البرمجيات التي تكمل عمل الموظفين البشريين، مما يتيح الأتمتة التي تساعد في التعامل مع المهام المتكررة.
كما طورت شركة هيرو الذكاء الاصطناعي للمحادثة التي يمكن استخدامها في صناعة العقارات في نيويورك. وباتت دردشة الذكاء الاصطناعي والواجهات الصوتية متاحة للعملاء عندما لا يكون الوكلاء المباشرون كذلك.
وبنفس الوقت، أسهم الذكاء الاصطناعي في منصة كومباس لإدارة علاقات العملاء ووكلاء العقارات في سياتل في التنبؤ بالعملاء الأكثر حماسا للشراء ومن ثم الاتصال بهم.
مشاريع واعدة في البحرين
وينتقل الدكتور جاسم حاجي إلى الحديث عن القطاع العقاري والذكاء الاصطناعي في البحرين، مؤكدا ان هناك خططا مستقبلية واعدة في جهاز المساحة والتسجيل العقاري تتعلق بهذا الجانب، حيث يخطط الجهاز لتنفيذ مشاريع نوعية في الذكاء الاصطناعي تساعد على تسهيل وتسريع عمليات المساحة والتسجيل العقاري، ومن أهم هذه الحلول:
• تقنية البلوك تشين Blockchain: وهي تقنية تستخدم في تأمين المعاملات والصفقات العقارية بطريقة موثوقة وآمنة، حيث يتم تسجيل جميع المعاملات العقارية في سلسلة متصلة من الكتل الرقمية التي لا يمكن تعديلها أو التلاعب بها.
• التحليل الضخم للبيانات Big Data Analytics: إذ يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل ومعالجة كميات كبيرة من البيانات العقارية المتاحة، وتحليلها وتصنيفها واستخراج المعلومات المفيدة منها.
• التعرف على الصوت والصورة: وهي تقنيات تستخدم لتحسين جودة المسح الضوئي وتحليل الصور والوثائق العقارية، وكذلك لتحويل النصوص الورقية إلى نصوص رقمية.
• روبوتات المحادثة الذكية: التي تستخدم لتحسين خدمة العملاء والإجابة على أي استفسارات تتعلق بالملكية العقارية والعقود المتعلقة بها، وتسهل عمليات التواصل بين الجهات المختلفة المعنية بالعملية العقارية.
• التعلم الآلي: حيث تساعد التقنيات الذكية مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في مقارنة العقود والمستندات تلقائيًا، مما يوفر الكثير من الوقت والجهد ويقلل من الأخطاء الإنسانية، مما يساعد في تحسين كفاءة العمل وجودة الخدمة المقدمة.
ويضيف الدكتور حاجي: الجدير بالذكر ان مركز سمو الشيخ ناصر للبحوث والتطوير في الذكاء الاصطناعي سيكون له دور جذري في المشاريع العقارية المتطورة باستخدام الذكاء الاصطناعي. إذ يسهم في تعزيز التطوير والبحث في مجال الذكاء الاصطناعي، ويعمل على تطوير حلول ذكية ومتطورة لتحسين جودة الخدمات المقدمة في مجال العقارات. ومن خلال توظيف التقنيات الحديثة في العمليات العقارية، يمكن تحسين الكفاءة والجودة وتقليل الأخطاء الإنسانية في هذا المجال.
تحديات القطاع
على الرغم من المميزات التي ساقها لنا الدكتور جاسم حاجي، فإن الصورة قد لا تكون وردية بالشكلة الذي تبدو عليه. فكما يؤكد، مازالت هناك تحديات ومخاطر ترتبط بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في القطاع العقاري. وهذا ما يبينه بقوله:
ربما أن السبب الرئيسي لعدم استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في القطاع العقاري يتمثل في البيانات. فلا تزال الكثير من الجوانب والعمليات المرتبطة بالعقارات تتم يدويا، او بالاعتماد على بعض البرامج مثل «إكسيل» أو قواعد البيانات المجزأة. وهذا ما يعني ان رقمنة المعلومات في القطاع تعتبر خطوة أساسية لتحقيق اقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي.
والى جانب ذلك، هناك إشكاليات لاتزال تمثل تحديا أمام الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في القطاع العقاري، ومن ذلك ان استبدال الوكيل العقاري بالذكاء الاصطناعي يخلق نوعا من الاستياء وقد يخلق فجوة ويجعل الوكيل يصبح أقل استعدادا للعمل معك على بيع العقارات التي تطورها.
بنفس الوقت، لا يعتبر الاعتماد على نظام الذكاء الاصطناعي أمرا منخفض الكلفة بحد ذاته.
أضف الى ذلك انه لا يمكن للذكاء الاصطناعي حل مشكلة ليس على دراية كافية بها. وهناك أيضا نقص في مواهب الذكاء الاصطناعي بهذا القطاع، ويتزامن مع ذلك عدم توافر البيانات الكافية أو ان تكون البيانات المتوافرة منخفضة الجودة. في الوقت الذي تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي من خلال التدريب على مجموعة من البيانات ذات الصلة بالموضوع الذي تعالجه.
ويضاف الى التحديات السابقة أمور قد يراها البعض سلبية بسبب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في صناعة العقارات، مما يتطلب توفير ضمانات كافية وبعض الحذر. ومن هذه الجوانب هو الخصوصية، فمثلا مع زيادة مراقبة الممتلكات من قبل الذكاء الاصطناعي، قد لا يكون المستأجرون سعداء بمراقبة الذكاء الاصطناعي لأنماط سلوكهم.
ومن الممكن أيضا أن يخطئ الذكاء الاصطناعي في الأمور، فمثلا يمكن أن يتم إيقاف تشغيل بعض الأجهزة عندما يستخدمها الناس أو تشغيلها عندما لا يكون أحد في المنزل، أو ان يساء استخدام التكنولوجيا من قبل بعض الملاك السيئين، وبالتالي من الضروري ان يكون هناك خيار لتجاوز الذكاء الاصطناعي عند الضرورة واستخدامه بشكل مناسب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك