نطرح اليوم موضوع المترو والسلطة التقديرية، وكلاهما متصل بتطوير التصانيف العقارية والبنية التحتية.
السلطة التقديرية ببساطة هي حرية الإدارة في اتخاذ قرار بتصرفات قانونية، بحيث تكون الإدارة والإرادة متاحة للمدير أو المسؤول لاتخاذ القرار المناسب وفقاً للظروف والمعطيات المختلفة. وهذا ما ينطبق على القطاع العقاري أيضا، بحيث يمتلك المسؤول حرية اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً وملائماً لوضعية العقار سواء في الحجم او التصنيف من اللوائح التنفيذية والتشريعية والقانونية.
وبمعنى آخر يمكن القول بأن الإدارة التنفيذية تتمتع بالسلطة التقديرية في الأحوال التي لا يفرض عليها القانون قيودا مسبقة.
هنا نجد ان السلطة التقديرية للإدارة تقر بموجب التشريعات، وذلك بهدف ترك مساحة للرأي والتقدير الملائم مع الاستناد على اللوائح والقرارات والأنظمة والأمور التنظيمية اللازمة، بحسب ما تراه الادارة المعنية بالسلطة التقديرية. وبالتالي يقتصر دور المشرع هنا على رسم البروتوكول أو الإطار العام، تاركاً للإدارة حرية الحركة داخل هذا الإطار.
غير أنه يجب ألا يغيب عن البال أن الإدارة ليس لها مطلق الحرية في مجال ممارستها للسلطة التقديرية، فهي في ممارستها لهذه السلطة تتقيد بمجموعة من القيود والحدود ولا تكون سلطة تحكمية، ومثال هذه السلطة منح القسيمة تصنيف سكني (أ) أو سكني (ب)، او مشاريع ذات الطبيعة الخاصة وغيرها من التصنيفات استنادا على دراسات الحركة المرورية والشوارع والمداخل والمخارج للمخططات العقارية. وتبعاً لذلك هي غير ملزمة وفقاً لسلطتها التقديرية الهندسية –وكما هو مفروض– لمقتضيات المصلحة العامة وحسن سير العمل في الاستثمارات العقارية.
مسألة التقدير هذه تقودنا الى موضوع مهم يتعلق بالبنى التحتية اللوجستية في المملكة واهمية تقدير الاولويات. فبسبب صغر المساحة الجغرافية للبحرين، وعدم توافر -لغاية اليوم- مشروع القطارات (المترو) المحلي نجد ان هناك الكثير من التحديات المتعلقة بالنقل والجانب اللوجستي، وهذا ما يجعلنا نأمل أن يرى مشروع المترو النور خلال السنوات القليلة القادمة بما يعزز من البنية التحتية اللوجستية. ولكن هناك جانبا مهما مرتبطا بهذا المشروع وهو أن هناك أراضا ومخططات عديدة تحتاج إلى ان تتحرر من قيود التصانيف التي لا تتجانس مع اللوائح أو طبيعة التصنيفات، لذلك نأمل من المعنيين اعادة النظر في اشتراطات التصنيفات بحيث تتجانس مع تحسين البنية التحتية اللوجستية وتعزيز ثقافة استخدام الباصات والمترو وايجاد العروض المغرية لذلك.
وبالتالي يمكن القول بأنه من الضروري ان يكون لمشروع المترو انعكاساته على التصنيفات العقارية من جانب، وعلى قطاع المواصلات وصحة الانسان عبر تقليل انبعاث الكربونات بالجو وتوفير وسائل مواصلات عامة مريحة وتخفيف الازدحامات والاختناقات المرورية التي هي في تفاقم واضح ويومي من جانب اخر. وهذا ما يدفعنا الى التركيز على المشكلة الأساسية وهي الاختناقات المرورية التي تتطلب اعادة النظر في جميع النواحي التنظيمية والتشريعية والهندسية من قبل المعنيين والمشرعين استنادا الى دراسة المشكلة وتراكم السيارات في بعض الشوارع الرئيسية بالمملكة نتيجة الزيادة السنوية في عدد المركبات واصدار رخص السواقة. ويمكن هنا الاستشهاد بإحدى الدول الخليجية الشقيقة التي اصدرت منذ ايام قرارا تنظيميا بسحب رخص السواق الاجانب ووضعت شروطا جديدة لمعالجة أزمة الازدحامات المرورية.
ولكن هناك جانبا آخر لا يقل أهمية وهو ما يمكنني تسميته بـ(البرجوازية) لدى البعض ممن يتعالون على استخدام وسائل النقل العام مثل المترو والباصات. الغريب في الامر ان هؤلاء أنفسهم عندما يسافرون الى الخارج فإنهم يتباهون بالتصوير مع الباصات الحمراء ذات الطابقين، او في المترو، بل يجدون متعة في استخدام وسائل النقل تلك ويقرون بما تتميز به من سرعة الوصول وسلاسة التنقل وعدم الحاجة إلى ايجاد موقف للسيارة أوتعبئة البنزين، ويمتدحون البنية التحتية للمواصلات العامة في تلك المدن، ولكن عندما يعود الأمر الى الوطن نجد أن النظرة مختلفة تماما، إلى درجة ان الواحد منهم قد يفضل التأخر فترات طويلة في الاختناقات المرورية على استخدام المواصلات العامة، بسبب ثقافة العيب و(البرستيج).
على المستوى الرسمي هناك جهود كبيرة في هذا الجانب، فمثلا قامت وزارة المواصلات والاتصالات بطرح مناقصة التأهيل المسبق للمطورين المنفذين للمرحلة الاولى من مشروع المترو، وهذا ما يجعل المملكة اليوم أمام حدث مهم في التطوير والتنمية وازدهار البنية التحتية. ونأمل ان يرافق ذلك وعي كاف لدى المواطنين والمقيمين بأهمية دعم هذه الجهود وتحقيق الأهداف المنشودة منها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك