يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.. المهام الكبرى
سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء أصدر مؤخرا قرارا بإنشاء وتشكيل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان برئاسة وزير الخارجية.
القرار تضمن بالتفصيل تشكيل اللجنة وعضويتها ومهامها واختصاصاتها، بالإضافة إلى الأمور التنظيمية المتعلقة بعملها.
إنشاء وتشكيل اللجنة بالصلاحيات التي منحت لها والمهام التي أوكلت إليها يعد تطورا في غاية الأهمية لأسباب كثيرة، ويمثل مرحلة جديدة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في البحرين بكافة جوانبها وأبعادها.
تقتضي المصلحة العامة أن نتوقف عند الأسباب التي تعطي لإنشاء وتشكيل اللجنة أهميتها الكبرى، وعند المهام التي يجب أن تضطلع بها، وما نرى أنها مهام لها الأولوية في المرحلة الحالية.
{{{
مهام واختصاصات اللجنة
قبل أن نتحدث عن أهمية إنشاء وتشكيل اللجنة يجب أن نتوقف عند نص المهام التي أوكلت إليها واختصاصاتها على النحو الذي حدده قرار سمو ولي العهد رئيس الوزراء.
القرار حدد هذه المهام والاختصاصات على النحو التالي:
1 - وضع آلية للتنسيق تكفل تحقيق أفضل السياسات للتعامل مع المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان.
2 - متابعة تنفيذ الخطة الوطنية لحقوق الإنسان على مستوى الحكومة وعرض تقرير سنوي على مجلس الوزراء.
3 - إعداد الردود على البيانات والتساؤلات الصادرة عن المنظمات والجمعيات داخل المملكة وخارجها، المتعلقة بحقوق الإنسان.
4 - إعداد التقارير التي تلتزم مملكة البحرين بتقديمها تطبيقاً للاتفاقيات التي انضمت إليها المملكة في مجال حقوق الإنسان.
5 - النظر في طلبات المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان التي ترغب في إرسال ممثل لها إلى مملكة البحرين.
6 - متابعة تنفيذ توصيات حقوق الإنسان ورفْع تقارير دورية بشأنها إلى مجلس الوزراء.
7 - رفْع توصياتها أو مرئياتها المتعلقة بالقضايا الحقوقية إلى مجلس الوزراء.
8 - إعداد الدراسات بشأن مواءمة القوانين المحلية للاتفاقيات التي انضمت إليها مملكة البحرين في مجال حقوق الإنسان.
9 - أي موضوعات أخرى يحيلها إليها رئيس اللجنة.
مرحلة جديدة
على ضوء هذه المهام والاختصاصات التي حددها القرار للجنة نستطيع ان نناقش الأسباب التي تعطي لإنشائها وتشكيلها أهمية كبرى في الوقت الحاضر ويجعل من انشائها تدشينا لمرحلة جديدة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان.
هناك في تقديرنا خمسة أسباب على الأقل هي على النحو التالي:
أولا: قبل كل شيء يأتي إنشاء وتشكيل اللجنة على هذا النحو تجسيدا للأولوية القصوى التي تعطيها قيادة البحرين لقضايا حقوق الإنسان، والحرص على توفير كل الضمانات التي تكفل تحقيق حقوق الإنسان بأبعادها ومعانيها المختلفة وفق اعلى وأرقى المعايير العالمية.
بالطبع هذا الاهتمام بكل ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان ليس جديدا على قيادة البحرين لكن إنشاء اللجنة يؤشر إلى الرغبة في تدشين مرحلة جديدة من الاهتمام الأكبر بالقضية، ومن ضمان الالتزام الكامل بتوفير كل الضمانات، واتباع أفضل السياسات في هذا الخصوص.
يتضح هذا في أن قرار سمو ولي العهد رئيس الوزراء بإنشاء وتشكيل اللجنة جعل أول مهام اللجنة على الإطلاق «وضع آلية للتنسيق تكفل تحقيق أفضل السياسات للتعامل مع المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان».
بعبارة أخرى، من أكبر مهام اللجنة مراجعة أي سياسة وتقديم أي اقتراحات تكفل أن يكون التعامل مع قضايا حقوق الإنسان وفق أفضل وأعلى المعايير.
كما أن القرار أعطى أهمية كبرى للتعامل مع أي شكاوى تتعلق بحقوق الإنسان؛ إذ نص على تشكيل لجنة خاصة للتعامل مع هذه الشكاوى والرد عليها وتقديم التقارير بشأنها.
ثانيا: توحيد الجهود الوطنية في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان بكافة جوانبها.
هذا جانب في غاية الأهمية. في السنوات الماضية، كانت قضايا حقوق الانسان والتعامل معها موزعة بين أكثر من جهة رسمية في أكثر من وزارة.
الآن بصدور القرار أصبحت اللجنة هي الجهة الوطنية التي تتولى المهمة بالتنسيق والتعاون بالطبع مع مختلف الجهات المعنية على نحو ما نص القرار، وهي التي تتوحد جهود كل الجهات المعنية تحت مظلتها.
بعبارة أخرى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أصبحت هي المرجعية الوطنية الأولى بهذا الشأن، وهذا امر مهم لتوحيد الجهود وضمان التنسيق الكامل، والفعالية والكفاءة.
ثالثا: إنشاء وتشكيل اللجنة يجسد حرص القيادة على التنفيذ الكامل لكل التوصيات المتعلقة بحقوق الإنسان.
بعبارة أخرى، إنشاء اللجنة بالصلاحيات التي أعطيت لها يعكس حرصا من القيادة على ألا تبقى أي توصيات يتم إقرارها، أو تنص عليها القوانين والاتفاقات الدولية بهذا الخصوص، حبرا على ورق، وأن يتم تطبيقها بشكل كامل.
من المهم الإشارة في هذا السياق إلى ما نص عليه القرار من أن أولويات عمل اللجنة متابعة تنفيذ الخطة الوطنية لحقوق الإنسان وتقديم تقرير عن ذلك.
والخطة الوطنية لحقوق الإنسان التي تم إقرارها قبل فترة خطة طموحة مدروسة بعناية وبمشاركة كل الجهات المعنية الرسمية وغير الرسمية.
الخطة تشمل أربعة محاور هي: الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية، وحقوق الفئات الأولى بالرعاية، وحقوق التضامن.
في كل هذه المحاور الأربعة، تتضمن الخطة جدولا زمنيا للتنفيذ يمتد حتى عام 2026، والجهات المسؤولة عن التنفيذ.
وبالتأكيد ضمان تنفيذ هذه الخطة على الوجه الأكمل يتطلب متابعة دقيقة دائمة. وهذه هي مهمة اللجنة وهي مسؤولة عن ذلك أمام مجلس الوزراء.
رابعا: قرار تشكيل اللجنة يعكس اهتماما كبيرا بالأبعاد الاجتماعية لحقوق الإنسان. وهذه مسألة في غاية الأهمية. جرت العادة على النظر الى قضايا حقوق الإنسان كما لو كانت تنحصر في القضايا السياسية والحقوقية فقط. وهذا هو ما يركز عليه الغرب لأسباب مشبوهة. لكن الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لحقوق الإنسان لا تقل أهمية أبدا عن الجوانب السياسية. وهذا على أي حال ما تنبهت إليه الخطة الوطنية لحقوق الإنسان ووضعت برامج تنفيذية لتحقيقه.
واهتمام قرار إنشاء وتشكيل اللجنة بهذه الجوانب غير السياسية يتضح من الحرص على أن يتضمن تشكيلها ممثلين عن المجلس الأعلى للمرأة، ووزارة العمل، وهيئة تنظيم سوق العمل، ووزارة العدل.
خامسا: توحيد جهود التعامل مع المنظمات والمؤسسات والجهات المعنية بحقوق الإنسان في الخارج، وجعل هذه المهمة موكولة إلى اللجنة وحدها.
قرار إنشاء اللجنة نص على أنها هي المسؤولة عن كل ما يتعلق بالتعامل مع المنظمات والجمعيات والمؤسسات الأجنبية في هذا المجال. هي المسؤولة عن التواصل معها والرد على استفساراتها وطلباتها.. الخ.
هذا جانب في غاية الأهمية، فالحقيقة اننا طوال السنوات الماضية لم نكن نعرف بالضبط من المسؤول تحديدا عن ذلك. لم نكن نعرف هل هي وزارة الخارجية، أم وزارة الاعلام، أم وزارة الداخلية.
هذه القضية بالذات هي ما سنتوقف امامها تفصيلا حالا.
{{{
المهمة الكبرى
بطبيعة الحال، كل المهام الموكولة للجنة والاختصاصات التي منحت لها لها أهمية قصوى، ويصعب أن نحدد أيها له أولوية أو أهمية أكثر.
ومع هذا، هناك مهمة نعتقد أنها يجب أن تكون لها أولوية كبرى في الوقت الحاضر.
نعني بذلك قضية صورة البحرين في الخارج فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان.
هذه قضية كبرى. لا بد أن نعترف أننا نواجه مشكلة في هذا الخصوص.
المشكلة التي نواجهها ان صورة البحرين في الخارج فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان لا تعكس إطلاقا الإنجازات الفعلية التي تتحقق على أرض الواقع في هذا الخصوص.
في الخارج هناك قدر كبير جدا من التشويه لأوضاع حقوق الإنسان في البحرين وانتشار واسع لمغالطات ومعلومات خاطئة مضللة تعطي صورة عامة غاية في السلبية.
يتضح هذا في امرين أساسيين:
الأول: أنه رغم كل إنجازات البحرين في مجال حقوق الإنسان، هناك حملة دائمة لا تتوقف يتم شنها على البحرين من جانب جهات ومنظمات وأجهزة إعلام عدة. هي حملة تروج لمعلومات مغلوطة وتتحدث عن انتهاكات وتجاوزات بشكل يكرس صورة سلبية للغاية.
والثاني: أن التقارير التي تصدر عن اوضاع حقوق الإنسان في البحرين من منظمات ومؤسسات معينة في الخارج هي أيضا تقارير سلبية تتضمن كما هائلا من المعلومات الخاطئة والمضللة وتكرس بدورها صورة سلبية عن البحرين، وتتجاهل كل إنجازاتها.
والأمر لا يقتصر هنا على التقارير التي تصدرها جهات مشبوهة أو منظمات معروفة بعدائها للبحرين مثل منظمة هيومان رايتس ووتش، ولكن حتى التقارير التي تصدر عن حكومات غربية تتضمن في اغلبها نفس المغالطات وتنطوي على نفس التشويه للبحرين وأوضاع حقوق الإنسان فيها مع انه من المفروض ان تكون هذه التقارير الحكومية أكثر موضوعية وإنصافا.
خذ مثلا التقرير الذي صدر مؤخرا عن الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في البحرين. هو تقرير ظالم ينطوي على كم هائل من المغالطات والمعلومات المضللة ويشوه صورة البحرين من دون أي تدقيق أو تحر للموضوعية.
هذا أمر يستحق التفكير والتحليل. لماذا تصدر الخارجية الأمريكية تقريرا مثل هذا يتعمد تشويه صورة البحرين؟
السؤال المهم هو: لماذا؟.. لماذا لا تعكس صورة البحرين في الخارج حقيقة أوضاع حقوق الإنسان في البحرين؟ ما هو السبب أو الأسباب التي تفسر هذا الوضع وهذه الصورة السلبية عن البحرين في الخارج؟
من السهل أن نقول إن ما يحدث في الخارج هو تشويه متعمد للأوضاع في البحرين من جانب جهات ومنظمات مشبوهة لديها أجندة سياسية تستهدف البحرين.
هذا صحيح في جانب مهم. صحيح ان هناك جهات معروفة ومنظمات مشبوهة وحتى دوائر حكومية في بعض الدول الغربية تتعمد تشويه صورة البحرين في مجال حقوق الإنسان. ويعني هذا أن هذه الجهات حتى لو كانت تعرف الحقائق والمعلومات الإيجابية عن الأوضاع في البحرين فإنها تتعمد إخفاءها وتتعمد التشويه والتضليل وتروج عمدا للمعلومات المغلوطة.
لكن هذا التفسير لا يكفي وحده.
الأمر المؤكد أن من أهم الأسباب أن هناك تقصيرا من جانب الجهات المعنية في البحرين. هناك تقصير في التعامل مع قضية صورة البحرين في الخارج فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان، وتقصير في تقديم حقيقة الإنجازات في هذا المجال.
في السنوات الماضية لا تحظى القضية بالاهتمام الواجب. صحيح أن وزارة الخارجية بذلت جهدا كبيرا لا بد من تقديره في السنوات الماضية في إعداد التقارير المتعلقة بحقوق الإنسان في البحرين وتقديمها إلى الجهات الدولية المعنية. لكن بشكل عام هناك تقصير سياسي وإعلامي في التعامل مع القضية. وأغلب الجهات المعنية تهتم بمخاطبة الداخل وتهمل الخارج.
الدليل على هذا التقصير هو هذه الصورة السلبية عن البحرين في الخارج رغم كل ما حققته البحرين من إنجازات مشهودة في مجال حقوق الإنسان.
والحقيقة أن هذا أمر غريب.
لقد واجهنا مع أحداث 2011 الطائفية والسنوات التي تلتها هذه الحملة الأجنبية الضارية على البحرين، ومررنا بتجربة مريرة. ومنذ ذلك الوقت نبهنا إلى خطورة القضية في مقالات كثيرة.
لكن من الواضح انه رغم ما مررنا به فإننا لم نتعلم كثيرا دروس 2011 ولم نتصرف على أساسها، ولم تكن لدى الجهات المعنية خطة واضحة للتعامل مع القضية بدليل الوضع الذي مازلنا نواجهه حتى اليوم.
{{{
إذن، قضية صورة البحرين في الخارج فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان قضية لها أهمية كبرى ويجب أن تكون لها أولوية على أجندة عمل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.
والحقيقة أن قرار سمو ولي العهد رئيس الوزراء بإنشاء وتشكيل اللجنة، وبإعطائها صلاحية التعامل مع المنظمات والمؤسسات والجهات المعنية بحقوق الإنسان في العالم قد أقر بأن للقضية أهمية كبرى.
لهذا نقول إن اللجنة يجب أن تضع القضية على رأس أولوياتها في المرحلة الحالية.
والمطلوب من اللجنة أن تحدد أولا ما هي الأسباب وأوجه القصور التي تفسر الصورة السلبية عن البحرين في الخارج.
والمطلوب أن تضع اللجنة خطة عمل واضحة للتعامل مع القضية بشكل دائم ومنتظم.
ومن المهم في هذا السياق في تقديرنا أن تتشكل في إطار اللجنة الوطنية لجنة خاصة تضم كل الجهات المعنية مهمتها التعامل مع القضية والعمل على إصلاح هذه الصورة السلبية.
أما عن خطة عمل اللجنة وما يجب أن تفعله فهناك أفكار كثيرة يمكن أن نقدمها ويقدمها غيرنا من المهتمين بالقضية للجنة.
بالمناسبة كل ما هو مطلوب هو أن ننجح في تقديم الصورة الحقيقية لأوضاع حقوق الإنسان في البحرين والإنجازات التي تحققت وتتحقق بالفعل. وليست هذه بالمهمة المستحيلة إن كان هناك اهتمام وتخطيط وعمل دائم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك