العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

مأساة السودان.. والعرب

في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬ثار‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭. ‬ثار‭ ‬مرة‭ ‬لإسقاط‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬نظام‭ ‬البشير،‭ ‬وثار‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مرات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقامة‭ ‬حكم‭ ‬مدني‭. ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬لم‭ ‬تكد‭ ‬مظاهرات‭ ‬واحتجاجات‭ ‬السودانيين‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬تتوقف‭.‬

فعل‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬ذلك‭ ‬وقدم‭ ‬التضحيات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬أفضل‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭.‬

وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬تابعنا‭ ‬مئات‭ ‬الاجتماعات‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وتم‭ ‬توقيع‭ ‬عشرات‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬هدفها‭ ‬كلها‭ ‬كان‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬وإقامة‭ ‬حكومة‭ ‬مدنية‭ ‬وتحسين‭ ‬أوضاع‭ ‬الشعب‭. ‬وكان‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬قوات‭ ‬التدخل‭ ‬السريع‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭.‬

كان‭ ‬الأمل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬السودان‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬والمعاناة،‭ ‬فإن‭ ‬المسألة‭ ‬مسألة‭ ‬وقت‭ ‬فقط‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتحقق‭ ‬آماله‭ ‬في‭ ‬الاستقرار‭ ‬والحكم‭ ‬الرشيد‭ ‬وتحسن‭ ‬الأوضاع‭.‬

لكن‭ ‬فجأة‭ ‬صحا‭ ‬أبناء‭ ‬السودان،‭ ‬ونحن‭ ‬معهم،‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬المرعب‭.. ‬معارك‭ ‬مسلحة‭ ‬ضارية‭ ‬بين‭ ‬الجيش‭ ‬وقوات‭ ‬التدخل‭ ‬السريع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭.‬

دعك‭ ‬من‭ ‬المبررات‭ ‬التي‭ ‬يعلنها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭. ‬الجيش‭ ‬يعلن‭ ‬أنه‭ ‬تحرك‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬لتمرد‭ ‬بهدف‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السلطة‭. ‬والدعم‭ ‬السريع‭ ‬يعلن‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬عودة‭ ‬الإخوان‭ ‬وفلول‭ ‬النظام‭ ‬القديم‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬عبر‭ ‬الجيش‭.‬

كل‭ ‬طرف‭ ‬يعلن‭ ‬أنه‭ ‬يحارب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السودان‭ ‬والشعب‭ ‬السوداني‭. ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬يتفاخر‭ ‬بأنه‭ ‬دمر‭ ‬مقرات‭ ‬ومباني‭ ‬ومعدات‭.. ‬إلخ‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬تدمير‭ ‬للسودان،‭ ‬والقتلى‭ ‬الذين‭ ‬يسقطون‭ ‬مدنيون‭ ‬وعسكريون‭ ‬سودانيون‭. ‬مصلحة‭ ‬السودان‭ ‬هي‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬يهمهم‭. ‬هو‭ ‬صراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلطة‭ ‬فقط‭ ‬بأي‭ ‬ثمن‭ ‬وبأي‭ ‬شكل‭.‬

الكارثة‭ ‬أن‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬يعلن‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يقضي‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬نهائيا‭. ‬الجيش‭ ‬يعلن‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬القضاء‭ ‬نهائيا‭ ‬على‭ ‬قوات‭ ‬التدخل‭ ‬السريع‭ ‬وتفكيكها‭. ‬وقوات‭ ‬التدخل‭ ‬تعلن‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مقار‭ ‬الجيش‭ ‬وإسقاط‭ ‬قيادته‭. ‬هذه‭ ‬حرب‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬منتصر‭ ‬ولا‭ ‬مهزوم‭. ‬الكل‭ ‬مهزوم‭ ‬فيها‭.‬

هذه‭ ‬كارثة‭ ‬كبرى‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتوف‭ ‬هذه‭ ‬المعارك‭ ‬فورا،‭ ‬فإن‭ ‬حربا‭ ‬أهلية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬السودان‭ ‬سوف‭ ‬تندلع‭ ‬لا‭ ‬محالة‭.‬

السودان‭ ‬بلد‭ ‬منقسم،‭ ‬وكل‭ ‬طرف‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬المتحاربين‭ ‬لديه‭ ‬أنصار‭ ‬وموالون‭. ‬ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬المعارك‭ ‬سيعني‭ ‬حتما‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭. ‬ولو‭ ‬حدث‭ ‬هذا،‭ ‬فلنا‭ ‬أن‭ ‬نتصور‭ ‬ما‭ ‬سيحل‭ ‬بالسودان‭ ‬والشعب‭ ‬السوداني‭ ‬من‭ ‬خراب‭ ‬ودمار‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تقريبا‭ ‬مهما‭ ‬احتدمت‭ ‬الصراعات‭ ‬السياسية‭ ‬الداخلية‭ ‬واتسعت‭ ‬شقة‭ ‬الخلاف‭ ‬والتناحر‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬القوى‭ ‬يبقى‭ ‬الأمل‭ ‬معلقا‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬لحماية‭ ‬البلاد‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬اندلاع‭ ‬صراع‭ ‬داخلي‭ ‬عنيف‭.‬

المصيبة‭ ‬فيما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬العسكرية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتحارب‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬البلاد‭ ‬نحو‭ ‬الدمار‭ ‬والصراع‭ ‬المستمر‭. ‬فمن‭ ‬يحمي‭ ‬السودان‭ ‬إذن؟

وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتدخل‭ ‬قوى‭ ‬أجنبية‭ ‬يسعدها‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬وهو‭ ‬يتدمر‭ ‬ويحل‭ ‬به‭ ‬الخراب‭ ‬وينهار‭ ‬ويتفكك‭. ‬

مأساة‭ ‬السودان‭ ‬التي‭ ‬تتوالى‭ ‬فصولها‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا‭ ‬هي‭ ‬مأساة‭ ‬عربية‭ ‬عامة‭.. ‬مأساة‭ ‬لكل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬يلقي‭ ‬بتأثيراته‭ ‬حتما‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وعلى‭ ‬الأمن‭ ‬العربي‭ ‬عامة‭.‬

لكنها‭ ‬مأساة‭ ‬عربية‭ ‬بمعانٍ‭ ‬أخرى‭ ‬تستحق‭ ‬التفكير‭.‬

لماذا‭ ‬تعجز‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العقود‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬مشاكلها‭ ‬وتحتوي‭ ‬صراعاتها‭ ‬الداخلية‭ ‬وتقيم‭ ‬حكما‭ ‬يتسم‭ ‬ولو‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬الرشد؟

ولماذا‭ ‬يبقى‭ ‬النظام‭ ‬الرسمي‭ ‬الجماعي‭ ‬العربي‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬رغم‭ ‬عمره‭ ‬المديد‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬شيئا‭ ‬ويتدخل‭ ‬لحماية‭ ‬بلد‭ ‬وشعب‭ ‬عربي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المصير‭ ‬المظلم؟‭.. ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬بيانا‭ ‬يطالب‭ ‬فيه‭ ‬بضبط‭ ‬النفس‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الحوار،‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك؟

على‭ ‬أي‭ ‬حال،‭ ‬لسنا‭ ‬نملك‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬ندعو‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يحمي‭ ‬السودان‭ ‬وشعب‭ ‬السودان‭ ‬وأن‭ ‬يجنبه‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أفظع‭ ‬مما‭ ‬يجري‭ ‬حاليا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا