يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
مأساة السودان.. والعرب
في السنوات الماضية ثار الشعب السوداني أكثر من مرة. ثار مرة لإسقاط النظام السابق، نظام البشير، وثار بعد ذلك مرات من أجل إقامة حكم مدني. وعلى امتداد هذه السنوات لم تكد مظاهرات واحتجاجات السودانيين في الشارع تتوقف.
فعل الشعب السوداني ذلك وقدم التضحيات من أجل إقامة نظام أفضل ومن أجل حياة كريمة.
وعلى امتداد السنوات الماضية تابعنا مئات الاجتماعات بين القوى السياسية والعسكرية المختلفة، وتم توقيع عشرات الاتفاقيات المفروض أن هدفها كلها كان تحقيق الاستقرار وإقامة حكومة مدنية وتحسين أوضاع الشعب. وكان آخر هذه الاتفاقيات الاتفاق على دمج قوات التدخل السريع في الجيش السوداني.
كان الأمل بالنسبة إلى الكثيرين من أبناء السودان أنه بعد كل هذه السنوات من الثورة والمعاناة، فإن المسألة مسألة وقت فقط قبل أن تتحقق آماله في الاستقرار والحكم الرشيد وتحسن الأوضاع.
لكن فجأة صحا أبناء السودان، ونحن معهم، على هذا المشهد المرعب.. معارك مسلحة ضارية بين الجيش وقوات التدخل السريع في كل أنحاء البلاد.
دعك من المبررات التي يعلنها كل من الطرفين. الجيش يعلن أنه تحرك لوضع حد لتمرد بهدف الاستيلاء على السلطة. والدعم السريع يعلن أنه يريد قطع الطريق على عودة الإخوان وفلول النظام القديم إلى السلطة عبر الجيش.
كل طرف يعلن أنه يحارب من أجل السودان والشعب السوداني. كل طرف يتفاخر بأنه دمر مقرات ومباني ومعدات.. إلخ. كل هذا تدمير للسودان، والقتلى الذين يسقطون مدنيون وعسكريون سودانيون. مصلحة السودان هي آخر ما يهمهم. هو صراع من أجل السلطة فقط بأي ثمن وبأي شكل.
الكارثة أن كلا من الطرفين يعلن أنه لن يتوقف عن الحرب إلا بعد أن يقضي على الطرف الآخر نهائيا. الجيش يعلن أنه لا بديل عن القضاء نهائيا على قوات التدخل السريع وتفكيكها. وقوات التدخل تعلن أنه لا بديل عن الاستيلاء على كل مقار الجيش وإسقاط قيادته. هذه حرب ليس فيها منتصر ولا مهزوم. الكل مهزوم فيها.
هذه كارثة كبرى لأن هذا يعني أنه ما لم تتوف هذه المعارك فورا، فإن حربا أهلية في كل أنحاء السودان سوف تندلع لا محالة.
السودان بلد منقسم، وكل طرف من الطرفين المتحاربين لديه أنصار وموالون. ومعنى هذا أن استمرار المعارك سيعني حتما اندلاع حرب أهلية. ولو حدث هذا، فلنا أن نتصور ما سيحل بالسودان والشعب السوداني من خراب ودمار.
في كل دول العالم تقريبا مهما احتدمت الصراعات السياسية الداخلية واتسعت شقة الخلاف والتناحر بين مختلف القوى يبقى الأمل معلقا على المؤسسة العسكرية لحماية البلاد والحيلولة دون اندلاع صراع داخلي عنيف.
المصيبة فيما يجري في السودان أن القوى العسكرية هي التي تتحارب وهي التي تقود البلاد نحو الدمار والصراع المستمر. فمن يحمي السودان إذن؟
وبطبيعة الحال من المتوقع أن تتدخل قوى أجنبية يسعدها أن ترى أي بلد عربي وهو يتدمر ويحل به الخراب وينهار ويتفكك.
مأساة السودان التي تتوالى فصولها أمام أعيننا هي مأساة عربية عامة.. مأساة لكل الدول العربية.
ما يجري في السودان يلقي بتأثيراته حتما على كل الدول العربية وعلى الأمن العربي عامة.
لكنها مأساة عربية بمعانٍ أخرى تستحق التفكير.
لماذا تعجز كثير من الدول العربية بعد كل هذه العقود بعد الاستقلال عن أن تعالج مشاكلها وتحتوي صراعاتها الداخلية وتقيم حكما يتسم ولو بقدر من الرشد؟
ولماذا يبقى النظام الرسمي الجماعي العربي حتى اليوم رغم عمره المديد عاجزا عن أن يفعل شيئا ويتدخل لحماية بلد وشعب عربي من هذا المصير المظلم؟.. لماذا لا يملك النظام العربي سوى أن يصدر بيانا يطالب فيه بضبط النفس واللجوء إلى الحوار، وما شابه ذلك؟
على أي حال، لسنا نملك سوى أن ندعو الله أن يحمي السودان وشعب السودان وأن يجنبه ما هو أفظع مما يجري حاليا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك