تحت شعار «العواصف الترابية وآثارها على البيئة البرية والبحرية»
الخبير زكريا الخنجي: الغبار له فوائد.. وغبار الأماكن الصناعية والزراعية هو الأخطر دائمًا
احتفلت دول الخليج العربية في 24 أبريل بيوم البيئة الإقليمي. ويأتي هذا اليوم احتفالا بتوقيع تلك الدول على اتفاقية الكويت الإقليمية للتعاون في حماية البيئة البحرية عام 1978، وكان شعار هذا العام »العواصف الترابية وآثارها على البيئة البرية والبحرية».
وقال الدكتور زكريا الخنجي رئيس مركز الخنجي للحلول المتقدمة إنه يعرف علميًا أن العواصف الرملية والترابية تهب عندما ترفع الرياح القوية كميات كبيرة من الرمال والأتربة من الأراضي الجرداء والقاحلة إلى الغلاف الجوي، وقد وجدت الدراسات أن زهاء 40% من تلك الأهباء الموجودة في التروبوسفير (الطبقة الدنيا من الغلاف الجوي الأرضي) يتألف من جزئيات ترابية بفعل التعرية الريحية، واشارت تلك الدراسات كذلك إلى أن المصادر الرئيسية لهذه الأتربة المعدنية هي المناطق القاحلة في شمالي إفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، ووسط آسيا، والصين. ومن تلك المصادر أيضاً، وإن بدرجة طفيفة لكن تظل مهمة، أستراليا وأمريكا وجنوب إفريقيا. والتقديرات العالمية للانبعاثات الترابية، المستمدة أساساً من نماذج المحاكاة، تتراوح بين واحد جيجا طن وثلاثة جيجا طن سنوياً.
وأشار إلى أن الجزيئات الترابية ترتفع، بعد انطلاقها من السطح، وتنقل الرياح هذه الجزيئات لفترات تتوقف مدتها على حجم هذه الجزيئات والأحوال الجوية، قبل أن تهبط إلى السطح مرة أخرى. ولما كانت الجزيئات الكبيرة تسقط أسرع من الجزيئات الصغيرة، يحدث تحول خلال عملية الانتقال نحو الجزيئات الأصغر. وتتراوح فترة بقاء الجزيئات الترابية في الغلاف الجوي بين عدة ساعات بالنسبة إلى الجزيئات التي يتجاوز قطرها 10 ميكرومترات، وأكثر من 10 أيام للجزيئات التي يقل قطرها عن ذلك.
مكونات الغبار
وقال الخنجي: عندما تم تحليل الغبار في المختبر في واحدة من الدراسات وجد أن عينات الغبار تحتوي على أنواع من التراب المخلوطة ببعض من جزئيات الملح الآتي من المحيطات، كما وجد في عينات الغبار جزيئات من غبار البراكين وجزيئات من سخام الحرائق وخاصة حرائق الغابات الكبيرة وتراب من الصحراء الكبرى، وحتى الغبار الكوني الآتي بصورة أساسية من النيازك والشهب. بالإضافة إلى غبار الطلع الناتج من الأزهار، وهو يظهر بكثرة وبخاصة على مكيفات الهواء التي تمتص الغبار من الشارع. وقد تبين من تحليل عينة الغبار المأخوذة من تحت موقد المطبخ بعد فحصها بالمجهر وجود بلورات من حمض البوريك الذي يستعمل كمبيد للصراصير، وظهر أيضاً عدد غير قليل من فطريات الخميرة وصوف القطط وغبار الطلع الزهري ومجموعة من الألياف ذات اللون الأزرق السماوي والوردي المستخدمة في صناعة الأنسجة الطبيعية، كما وجدت في عينة الغبار التي أخذت من تحت مشع التدفئة المركزية ألياف اصطناعية بلون أزرق سماوي ويمكن أن تكون هذه الألياف من الألبسة الداخلية.
وربما من أغرب ما وجد في عينات الغبار ما وجد في العينة المأخوذة من تحت السرير، بعض الأجسام الحية الدقيقة المجهرية مزودة بقرون ومخالب، وهي نوع من بعض مئات من أنواع القراد المعروفة التي تعيش في الغبار المنزلي، بالإضافة إلى الكثير من الأشياء الأخرى.
الغبار والملوثات الصناعية
وتابع قائلا: تؤكد بعض التقارير العلمية أن غبار الأماكن الصناعية والزراعية هو الأخطر دائمًا، حيث تكون التربة معرَّاة، وتكثر فيها المواد الدقيقة السامة، والمبيدات الحشرية، والمعادن الثقيلة، التي تنطلق في الجو وتحملها الرياح حينما تُقلب التربة. ويستطيع كثير من هذه المواد البقاء في التربة فترات طويلة دون تأثر، فالمبيدات التي رشت منذ 20 عامًا -على سبيل المثال- مازالت في مكانها، وحينما تنطلق إلى الجو ويستنشقها الإنسان فإنها تسبب له أضرارًا سرطانية كبيرة أو تعرضه لخطر التسمم بالمعادن الثقيلة.
وأشار إلى أن كل هذه المواد تتسبب في حدوث أعراض صحية لا تستطيع تحاليل المعامل في العادة أن تعرف سببًا لها، وذلك مثل: أعراض الإرهاق، والنسيان، وفقدان الشهية، أو النهم الذي لا يؤدي إلى شبع، والإمساك، ومشاكل الدورة الشهرية عند النساء، وآلام الظهر والكتف، والحك الذي لا مبرر له للأنف والأذن، وغيرها من الأعراض التي تنتج عما يحمله الغبار، أضف إلى ذلك بقايا اليورانيوم المنضب الذي قد تحمله الرياح فيلتصق بجسيمات الغبار، لينتقل عشرات الكيلومترات ويبقى في الجو مئات السنين، هذه المواد إن وصلت إلى الأجسام البشرية فإنها تفتك بالأنسجة الحية.
الغبار والملوثات الحيوية
وأكد زكريا الخنجي أنه تم تحديد الغبار والبكتيريا والفطريات المحمولة بالهواء داخل أربع غرف دراسية في مبنى مدرسة، واتضح أن متوسط نسبة الغبار العالق في الهواء 196 ملليجراما في المتر المكعب داخل المبنى، وأن متوسط نسبة الغبار خارج المبنى قدر بحوالي 361 ملليجراما في المتر المكعب. واتضح أن متوسط نسبة البكتيريا العالقة في الهواء هي 3.51 x 310 وحدة تكوين مستعمرة في المتر المكعب. وتوضح تلك القياسات الحاجة إلى المزيد من التهوية في هذه الأماكن. واتضح أن متوسط نسبة الفطريات في الهواء هي 3.03 × 210 وحدة تكوين مستعمرة في المتر المكعب داخل غرف الدراسة.
وأشار إلى أن عثة الغبار حشرة بالغة الصغر ذات صلة بالقراد والعناكب، تعيش في المنزل، ويبلغ طول عثة الغبار، التي تعرف رسميًا باسم (عثة الغبار المنزلية)، أقل من البوصة (حوالي 0,5 ملم). وهي تتكاثر بقوة في الأماكن الرطبة والدافئة نسبيًا، مثل الفرش والسجاد والأثاث المنجّد. وغذاؤها الرئيسي قشرة الرأس وقشور البشرة الأخرى، التي تكوّن معظم (الغبار) الذي يتراكم في المنازل. وتوفر المراتب بيئة مثالية لعثة الغبار، لأن الأجساد النائمة تطرح قشور البشرة، وتبعث الرطوبة والدفء طوال الليل، وقد أحصى الباحثون أكثر من 40 ألف عثة غبار في أوقية واحدة (28 جرامًا) من غبار المراتب.
الآثار على البيئة والمجتمع
وحول الترسبات الترابية السطحية مصدر المغذيات الدقيقة للنظم الإيكولوجية القارية والبحرية على السواء، أوضح الخنجي أنه يعتقد أن التراب في الصحراء الكبرى يخصب أمطار الغابات الأمازونية. كما يُعتقد أن نقل التراب للحديد والفسفور يفيد إنتاج الكتلة الإحيائية البحرية في أجزاء المحيطات التي تعاني نقص هذين العنصرين. لكن التراب له أيضاً آثار سلبية كثيرة على الزراعة، منها تقليص غلة المحاصيل بسبب طمر النبتات الصغيرة، مما يتسبب في ضياع نسيج النبات والحد من التمثيل الضوئي وزيادة تحات التربة.
وتابع: يشمل الترسب الترابي غير المباشر سدّ قنوات الري وتغطية مسارات الانتقال والإضرار بجودة مياه الأنهار والجداول. كما يؤثر انخفاض الرؤية الناجم عن التراب الجوي على النقل الجوي والبري، فضعف الرؤية يمثل خطراً خلال هبوط الطائرات وإقلاعها، ويؤدي إلى تغيير أماكن الهبوط وتأخير الإقلاع. هذا، ويمكن أن يحتك التراب أيضاً بسطح الطائرات ويتلف المحركات.
وأشار إلى أنه يمكن أن يؤثر التراب على محطات الطاقة الشمسية، ولا سيما المحطات التي تعتمد على الإشعاع الشمسي المباشر. فالترسبات الترابية على الألواح الشمسية مصدر قلق رئيسي لمشغلي المحطات، والمحافظة على نظافة مُجَمِّعات الطاقة الشمسية من التراب لمنع الجزيئات الترابية من حجب الإشعاع القادم أمر يتطلب وقتاً وعمالة.
فوائد الغبار
وكشف الخنجي عن أنه على الرغم من التأثيرات السلبية للغبار على صحة الإنسان أو الحيوان أو النبات أو الممتلكات، فإن للغبار ايضا فوائد وتأثيرات إيجابية، فالغبار يعمل على قتل الفيروسات والحشرات الضارة ونقل اللقاح الى النباتات وإزالة العوادم والغازات من المدن، يضاف إلى ذلك أنّ الغبار المنتقل إلى أسطح البحار والمحيطات يعتبر مصدر الإمداد الأساسي للعناصر المهمة في المحيطات كالحديد والفوسفور والسيلكون والمنغنيز والنحاس والزنك، وتلك العناصر تلعب دورا مهماً في تغذية وتكاثر الكائنات الدقيقة النباتية البحرية، وزيادة ونمو هذه الكائنات يؤدي إلى تقليل مستوى التركيز الجوي لغاز ثاني أوكسيد الكربون، أحد أهم غازات الاحتباس الحراري، كما أنّ الزيادة في نشاط الغبار تتسبب في هطول الأمطار، ما يساعد على تجميع حبيبات الأتربة الطينية الدقيقة من المناطق المرتفعة نسبيا، وترسيبها في المناطق المنخفضة كقيعان تجمع مياه الأمطار وأودية جريانها، وهذه المسطحات المائية ما تلبث أن تتبخر وتجف مخلفة وراءها طبقة سطحية غنية بحبيبات طينية دقيقة تزيد من خصوبة التربة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك