يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
الثقافة المدنية الغائبة
الذي يحدث في السودان وما يشهده من كارثة مأساوية لا أحد يعرف كيف يمكن أن تنتهي وما الذي ستنتهي اليه، يجب ألا يمر مرور الكرام عربيا.
أعنى تحديدا ان الكل في العالم العربي من ساسة ومثقفين وكتاب وباحثين يجب أن يناقشوا بتوسع مغزى ما جرى ويجري وما الذي يعنيه عربيا. ذلك أن ما يحدث في السودان ليس شأنا سودانيا وحسب. هو شأن عربي عام ليس فقط من زاوية أن السودان بلد عربي كبير وما يحدث فيه يؤثر على الكل، ولكن أيضا من زاوية الأسباب والعوامل التي قادت اليه وما يكشف عنه من أمراض سياسا واجتماعيا وثقافيا في الدول العربية عامة.
هذه قضية يجب ان تكون موضع نقاش عميق وهادئ من زوايا عدة. أول هذه الجوانب ما تحدثنا عنه في المقال السابق من علاقة هذه الحرب الدموية بدعاوى الديمقراطية والحكم المدني التي يتشدق بها طرفا الحرب.
حقيقة الأمر أن هذه الحرب هي حرب من أجل قتل الديمقراطية لا الدفاع عنها ولا العمل للوصول إليها كما يزعمون.
وليس لنا سوى ان نتأمل باختصار شديد ما جرى في السودان في السنوات القليلة الماضية.
الذي حدث أن الشعب السوداني ثار وأطاحت ثورته بالنظام السابق.. نظام البشير. الشعب السوداني حين نجحت ثورته كان أمله الأكبر هو ان ينهي عهد عقود طويلة من الاستبداد وحكم الفرد.. كان أمله وهدفه الأكبر هو إقامة نظام ديمقراطي مدني. وهذا هو الهدف الذي ادعت كل القوى المدنية والعسكرية أنها تسعى اليه.
والذي حدث أنه على امتداد سنوات عقدت مئات الاجتماعات سواء بين القوى المدنية أو بينها وبين القوى العسكرية، وتم التوصل الى عشرات الاتفاقات من المفترض انها كلها تصب في اتجاه تأسيس مرحلة انتقالية يتلوها إجراء انتخابات وإقامة حكم مدني.
بالطبع لم ينفذ أي من هذه الاتفاقات، وفي غضون ذلك وقع الانقلاب العسكري، ثم عاد الجميع الى مسلسل الاجتماعات والاتفاقات.
آخر الاتفاقات التي تم توقيعها الاتفاق على توحيد الجيش وانضمام قوات الدعم السريع اليه، وأن الخلاف هو في المدة الزمنية التي يحدث فيها هذا. كما تم الاتفاق على تشكيل حكومة مدنية تتولى الاعداد للانتخابات.
من الواضح الآن انه كان يتم عقد هذا الاتفاق وغيره وترديد الحديث عن الحكم المدني والانتخابات، والنية مبيتة للانقلاب على كل هذا.
من الواضح الآن أن طرفي الصراع والحرب الحالية في السودان كانا يعقدان الاتفاقات ويدليان بالتصريحات عن التوافق والديمقراطية وهما لا يؤمنان بكل هذا، ويستعدّان كل على طريقته للانفراد بالسلطة وحشد قواتهما لهذا الغرض.
وهذا ما حدث. اندلعت الحرب اللعينة التي تدمّر الأخضر واليابس. وأيا كانت النتيجة التي ستنتهي اليها الحرب، لن يكون هناك مجال للحديث عن ديمقراطية أو حكم مدني او حكم رشيد. هذا إذا لم تتطور الأمور لا قدر الله الى ما هو أفظع.
القضية الكبرى هنا انه وراء كل هذا حقيقة أساسية.. أن الثقافة المدنية غائبة. ثقافة الديمقراطية والمشاركة وحتى الحوار والتعايش بين الجميع غائبة عن المجتمع.
الذي حدث في السودان على امتداد السنوات الماضية أنه كان هناك حديث صاخب لا يتوقف عن الديمقراطية من دون إيمان بالديمقراطية.
كان هناك حديث دائم عن الدولة المدنية والحكم المدني من دون أي إيمان بالمدنية ولا بالدولة أصلا.
وهذه قضية واحدة من قضايا كثيرة يجب أن تثار وتناقش على الصعيد العربي العام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك