العدد : ١٧٠٥٨ - الخميس ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٨ - الخميس ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

كيف تضيع الأوطان؟!

{‭ ‬كما‭ ‬لكل‭ ‬وطن‭ ‬خصائصه‭ ‬ومميزاته،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموقع‭ ‬والثروات‭ ‬والموارد‭ ‬والطبيعة،‭ ‬فكذلك‭ ‬لكل‭ ‬شعب‭ ‬سماته‭ ‬وخصوصياته‭ ‬وطبيعته‭ ‬الغالبة‭ ‬عليه،‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬التشابك‭ ‬بين‭ ‬الوطن‭ ‬وشعبه،‭ ‬يتضح‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬مهمة‭ ‬أخرى،‭ ‬هي‭ ‬امتداده‭ ‬الحضاري‭ ‬والتاريخي،‭ ‬وخبراته‭ ‬في‭ ‬التكيّف‭ ‬مع‭ ‬تحديات‭ ‬الحياة‭ ‬والمخاطر‭ ‬والتهديدات،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬لكل‭ ‬شعب‭ ‬بصمة‭ ‬خاصة‭. ‬ولعل‭ ‬أكثر‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬واللغة‭ ‬والدين‭ ‬والهوية‭ ‬الحضارية‭ ‬هي‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬استثناء‭ ‬في‭ ‬ذلك‭! ‬ورغم‭ ‬التفاوتات‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬وتأثير‭ ‬حضاراته‭ ‬الكبرى‭ ‬كأقدم‭ ‬وأهم‭ ‬الحضارات‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬البشرية،‭ ‬وبنى‭ ‬الغرب‭ ‬تطوره‭ ‬ونموّه‭ ‬استناداً‭ ‬عليها،‭ ‬سواء‭ ‬العلوم‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬حضارات‭ ‬سومر‭ ‬وحضارة‭ ‬مصر‭ ‬القديمة،‭ ‬أو‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬العالم‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬عام،‭ ‬وكانت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬وأضعف‭ ‬أوطاننا‭ ‬هكذا؟‭! ‬وكيف‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬التيه‭ ‬بعد‭ ‬مجد‭ ‬وعراقة‭ ‬تاريخ‭ ‬وحضارات؟‭!‬

{‭ ‬بين‭ ‬ظواهر‭ ‬الاستلاب‭ ‬وأسئلة‭ ‬الهويّة‭ ‬وسرديات‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة،‭ ‬وبين‭ ‬تحولات‭ ‬العالم‭ ‬مع‭ ‬ثورة‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وتحولاته‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وحتى‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬تقف‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬التلّة‭ ‬وهي‭ ‬تشهد‭ ‬كيف‭ ‬يضيع‭ ‬وطن‭ ‬عربي‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭! ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬سردية‭ ‬الضياع‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية،‭ ‬ومنذ‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬استعمار‭ ‬غربي،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬الحكاية‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬الضياع‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬ومنذ‭ ‬سقوط‭ ‬الأندلس‭! ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬السردية‭ ‬العربية‭ ‬تشوهت‭ ‬مع‭ ‬تشوّه‭ ‬الهويات‭ ‬الخائنة‭ ‬زمن‭ ‬الدولة‭ ‬العباسية‭ ‬من‭ ‬علاقمة‭ ‬فرس‭ ‬وأتراك‭! ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬الرحلة‭ ‬نحو‭ ‬الانحدار‭ ‬وضعت‭ ‬أقدامها‭ ‬الأولى،‭ ‬حين‭ ‬تخلى‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬هويتهم‭ ‬وخصوصيتهم‭ ‬ولغتهم‭ ‬ودينهم‭ ‬ومجد‭ ‬حضاراتهم،‭ ‬وهو‭ ‬التخلي‭ ‬الذي‭ ‬أفرز‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬صعود‭ ‬الغرب‭ ‬وقيمه‭ ‬ورؤاه‭ ‬وعبثه‭ ‬بمصائر‭ ‬عربية‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فرض‭ ‬مخططاته‭ ‬وأجنداته،‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬عوامل‭ ‬ضعف‭ ‬الداخل‭ ‬وغياب‭ ‬الوعي‭ ‬والخيانة‭!‬

{‭ ‬كيف‭ ‬تضيع‭ ‬الأوطان؟‭! ‬حتما‭ ‬هو‭ ‬سؤال‭ ‬يطرح‭ ‬التحدّي‭ ‬الحقيقي‭ ‬أمام‭ ‬أمّة‭ ‬كانت‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬فإذا‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬كالقصعة‭ ‬التي‭ ‬يتكالب‭ ‬عليها‭ ‬الذئاب‭! ‬ذئب‭ ‬ينهش‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وذئب‭ ‬يبتلع‭ ‬من‭ ‬هناك،‭ ‬فيما‭ ‬الأوطان‭ ‬العربية‭ ‬وطن‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬تضيع،‭ ‬أو‭ ‬تتغير‭ ‬للأسوأ‭ ‬وهي‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬الفتن‭ ‬والأزمات‭!‬

هل‭ ‬أبناء‭ ‬هذه‭ ‬الأوطان‭ ‬تاهوا‭ ‬فيها‭ ‬وتعبوا‭ ‬منها،‭ ‬فتركوها‭ ‬لقمة‭ ‬سائغة،‭ ‬ولم‭ ‬يصدّوا‭ ‬عنها‭ ‬أبواب‭ ‬الخيانة‭ ‬والعمالة‭ ‬والارتزاق،‭ ‬الذين‭ ‬يأتون‭ ‬ويتناثرون‭ ‬كالفقاعات‭ ‬المسمومة،‭ ‬لينشروا‭ ‬سمومهم‭ ‬وأمراضهم‭ ‬وفسادهم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يقترب‭ ‬منهم‭!‬

{‭ ‬لا‭ ‬تضيع‭ ‬الأوطان‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬يقودها‭ ‬نخبة‭ ‬فاسدة،‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأوطان‭ ‬كمصنع‭ ‬تفريخ‭ ‬للأموال‭! ‬وتتصرّف‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬البلاد‭ ‬مزرعة‭ ‬خاصة‭ ‬بها‭!.. ‬تبيع‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬الكلام‭ ‬ومعسوله،‭ ‬فيما‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬دائر‭ ‬بين‭ ‬اختلاسات‭ ‬وسرقات‭ ‬وهدر‭ ‬للمال‭ ‬العام‭! ‬فإذا‭ ‬جاء‭ ‬الطامعون‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬وجدوا‭ ‬النفوس‭ ‬مهيأة‭ ‬للخراب‭ ‬والدمار‭! ‬أليس‭ ‬هكذا‭ ‬ضاع‭ ‬لبنان‭ ‬وضاع‭ ‬العراق‭ ‬وضاعت‭ ‬سوريا‭ ‬واليمن‭ ‬وليبيا‭ ‬إلخ‭.‬

{‭ ‬لا‭ ‬تضيع‭ ‬الأوطان‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬يتخلّى‭ ‬أبناؤها‭ ‬عن‭ ‬وطنيتهم‭ ‬وعن‭ ‬وعيهم‭ ‬وعن‭ ‬إرادتهم،‭ ‬وقبلها‭ ‬يكونون‭ ‬قد‭ ‬تخلّوا‭ ‬عن‭ ‬خصوصيتهم‭ ‬وقيمهم‭ ‬ولغتهم‭ ‬وتاريخهم‭! ‬حين‭ ‬يتم‭ ‬الارتحال‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬هويّة‭ ‬الوطن‭ ‬وملامحه‭ ‬وعمقه،‭ ‬حينها‭ ‬يتخلى‭ ‬الوطن‭ ‬عن‭ ‬أبنائه‭ ‬وعن‭ ‬نفسه‭! ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬الوطن‭ ‬كما‭ ‬كان‭! ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬نفسه‭! ‬لا‭ ‬يلتحم‭ ‬مع‭ ‬ذاكرة‭ ‬شعبه‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬تلك‭ ‬الذاكرة‭ ‬للضياع‭ ‬في‭ ‬الهواء،‭ ‬فضاع‭ ‬العمق،‭ ‬وضاعت‭ ‬الهويّة،‭ ‬وضاع‭ ‬الحاضر‭! ‬الشعوب‭ ‬تصنع‭ ‬أوطانها‭ ‬والأوطان‭ ‬ترسم‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬أبنائها‭! ‬أمام‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يتخلّون‭ ‬عن‭ ‬أوطانهم‭ ‬حتماً‭ ‬هم‭ ‬ليسوا‭ ‬أبناءها‭! ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تناسلوا‭ ‬على‭ ‬أرضها‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا