(٦٢) الجدال: كما في قوله تعالى (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ) النحل (١٢٥).
الجدال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جَدَلْتُ الحبل، أي: أحكمت فتله، ومنه الجديل، وجدلت البناء أحكمته، ودرع مجدولة، والأجدل: الصقر المُحكم البنية، والمِجْدَل: القصر المحكم البناء، ومنه الجدال: فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه. وقيل: الأصل في الجدال: الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه عن الجَدالة، وهي الأرض الصلبة. قال تعالى: (ادْعُ إلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل (١٢٥)، (الذين يُجَدِلُونَ في آيات الله) غافر (٣٥)، (قد جادلتنا فأكثرت جدالنا) هود (٣٢)، وقرئ: (جَدَلنَا). (المرجع السابق، ص ١٩٠)
(٦٣) الجَلال: كما في قوله تعالى (ذُو الجلال والإكرام) الرحمن (٢٧)، ولم يستعمل في غيره، والجليل: العظيم القدر، ووصفه تعالى بذلك، إما لخلقه الأشياء العظيمة المستدل بها عليه، أو لأنه يَجُلّ عن الإحاطة به، أو لأنه يجلُّ أن يدرك بالحواس.
والجُلُّ: ما معظم الشيء، فقيل: جل الفرس، وجل الثمن، والمجلة: ما يغطى به الصحف، ثم سميت الصحف مجَلَّة.
وأما الجلجلة فحكاية الصوت. (المرجع السابق ١٩٨) (بتصرف). (لذلك يقولون ما لا يدرك كله لا يترك جُلُّه).
(٦٤) الجهل: كما في قوله تعالى: (قَالَ أعُوذُ بالله أن أكُونَ مِنَ الجاهلين) البقرة (٦٧). والجهل على ثلاثة أضرب:
الأول: وهو خلو النفس من العلم، هذا هو الأصل، وقد جعل ذلك بعض المتكلمين معنى مقتضبا للأفعال الخارجة عن النظام.
والثاني: (الجهل المركب): وهو اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه.
والثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يُفعل، سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا كمن يترك الصلاة متعمدا وعلى ذلك قوله تعالى: (قالوا أتَتَّخِذُنَا هزوا قَالَ أعُوذُ بالله أن أَكُونَ مِنَ الجاهلين) البقرة (٦٧). فجعل فعل الهزو جهلا، وقال عز وجل (فتبينوا أن تُصِيبُواْ قوما بجهالة) الحجرات (٦).
والجهل تارة يذكر على سبيل الذم، وهو الأكثر وتارة لا على سبيل الذم نحو (يحسبهم الجاهل أغنياء مِنَ التعفف) البقرة (٢٧٣) أي: من لا يعرف حالهم، وليس يعني المتخصص بالجهل المذموم، والمَجْهَل: الأمر والأرض والخصلة التي تجعل الإنسان على اعتقاد بالشيء خلاف ما هو عليه. واستجهلت الريح الغصن: حركته، كأنها حملته على تعاطي الجهل، وذلك استعارة حسنة (مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، مرجع سابق، ص٢٠٩).
(٦٥) العلم: كقوله تعالى (يوم يجمع الله الرسلَ فَيَقُولُ ماذا أجبتم قَالُواْ لَا علم لنا ) المائدة (١٠٩).
وقد قصدت أن آتي بمادة العلم بعد مادة الجهل ليكونا متجاورين معروفين لنا عن قرب لأهمية ذلك. قال الأصفهاني (المرجع السابق) (ص ٥٨٠):
العِلْمُ: إدراك الشيء بحقيقته وذلك على ضرْبين: أحدهما: إدراك ذات الشيء.
والثاني: الحكم على الشيء بوجود شيء هو موجود له، أو نفي شيء هو منفي عنه.
فالأول: هو المتعدي إلى مفعول واحد نحو: (لَا تعلمونهم الله يعلمهم) الأنفال (٦٠). والثاني: المتعدي إلى مفعولين، نحو قوله (فإن علمتموهن مؤمنات) الممتحنة (١٠) وقوله: (يوم يجمع الله الرسل فَيَقُولُ ماذا أجبتم قَالُواْ لَا علم لنا ) المائدة (١٠٩) فإشارة إلى أن عقولهم طاشت.
والعلم من وجه ضَربان: نظري وعملي. فالنظري: ما إذا عُلم فقد كَمَلَ، نحو العلم بموجودات العالم. والعملي: ما لا يتم إلا به بأن يَعْمل كالعلم بالعبادات.
والعلم من وجه آخر ضربان: عقلي وسمعي، وأَعْلَمْته وعَلَّمته في الأصل واحد: إلا أن الإِعْلام اختص بما كان بإخبار سريع، والتَّعْليم اختصَّ بما يكونُ بتكْرير وتكثير حتى يحصل منه أثر في نفس المُتعلم.
قال بعضهم: التَعليمُ: تنبيه النَّفس لتَصَوُّر المعاني، والتَعلُّم: تنبيه النفس لتَصَوَّر ذلك، وربما استعمل في معنى الإعلام إذا كان فيه تكرير (أتُعَلِّمُونَ الله بدينكم) الحجرات (١٦) فمن التعليم قوله تعالى: (الرحمن عَلَّمَ القرآن) الرحمن (١-٢)، (الذي عَلَّمَ بالقلم ) العلق (٤)، (وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا) الأنعام (٩١) (وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأسماء كُلَّهَا) البقرة (٣١)، فتعليمه الأسماء هو أن جعل له قوةً بها نطق ووضع أسماء الأشياء قال تعالى: (وعلمناه مِن لَّدُنَّا علما) الكهف (٦٥).
وقوله تعالى: (الذين ءَامَنُواْ منكم والذين أوتُواْ العلم درجات) المجادلة (١١)، فتنبيه منه تعالى على تفاوت منازل العلوم وتفاوت أرْبَابَها. والعَلَمُ: الأثر الذي يُعْلم به الشيء كعَلَم الطريق وعلم الجيش. (انتهى).
(٦٦) الحرد: كما في قوله تعالى: (وغدوا عَلَى حرد قادرين) القلم (٢٥)، أي على امتناع من أن يتناولوه قادرين على ذلك، ونزل فلانٌ حريداً، أي ممتنعا من مخالطة القوم، وهو حريد المحِل، وحارَدت السنة: منعتُ قطرها، والناقة منعت دَرَّها.
وحَرِدَ: غضب، وحَرَّده كذا، وبعير أحرد في إحدى يديه حرد (أي يخبط يديه إذا مشي خلفه، وقيل: الحَرَدُ: أن ييبس عصبُ إحدى اليدين من العقال، وهو فصيل (المحقق).
والحْردبَّةُ: حظيرة من قَصب (المرجع السابق، ص ٢٢٧)
(٦٧) الحَرضُ: كما في قوله تعالى: (حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا ) يوسف (٨٥)، والحَرَضُ: ما لا يعتد به ولا خير فيه ولذلك يقال لمن أشرف على الهلاك: حَرَضُ، قال عز وجل: (حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا ) يوسف (٨٥). وقد أحرضَهُ كذا، قال الشاعر:
إني أمرؤ نابني هَمُّ فأحرضني حتى بليتُ وحتى شفَّني السَقَمُ
والحُرضة: من لا يأكل إلا لحم الميسر لنذالته، والتحريض: الحث على الشيء بكثرة التزيين وتسهيل الخطب فيه، كأنه في الأصل إزالة الحَرض نحو: مرَّضْتُه وقذَّيتُه: أي أزلت عنه المرض والقذى، وأحرضتُه: أفسدته، نحو: أقذيته: إذا جعلت منه القذى (انتهى) (المرجع السابق، ص ٢٢٨).
والحمد لله رب العالمين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك