بقلم: عاطف الصبيحي
(ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يُجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلمون نقيرا) 124 النساء، ويقول الله سبحانه وتعالى في الآية 24 من سورة البقرة: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) وقريب من ذلك قول الله تعالى في الآية 45 من سورة البقرة: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
انتخبت تلك النصوص البينات من كتاب الله لما بينهم من تكامل وتعاضد في الدلالات، وتلك النصوص وما يدور في فلكها تبرز معنى واحد مفاده أن الجنة كمآل نهائي لمسيرة الإنسان على الأرض هي حكراً لله، ولله فقط، وإنه لأمر ينبغي عدم الخوض فيه ولا التطرق فيه لا تفسيراً ولا تأويلاً، حيث المعنى يُفسر بعضه بعضاً ويتكامل بين الشواهد الثلاثة المذكورة آنفاً، وغيرها من شواهد التي لا يتسع المقام لذكرها هنا.
فالنفي في مطلع الآية الأولى شمولي لم يستثن أحدا فشمل المؤمنين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، والسابقين عليهم من أهل الكتاب، حتى لا يدع مجالا لمتأول أن يتأول، فالجنة أو النار كحصاد لا تتعلق بالأماني ولا هي من حقنا حتى الحديث فيها، فهي مسألة خاصة بمالك يوم الدين، وصاحب العلم المطلق، والعدل المطلق.
النهي الجازم، والنفي الصارم بأنّ الشأن شأنه على إطلاقه في هذه القضية تحديداً فيه الكثير من تخفيف العنت على الإنسان، بغض النظر عن الملة التي ينتمي إليها، وفيها ما فيها من السلام والاستقرار على الأرض، بين أصحاب الملل المختلفة، وأصحاب الملة الواحدة، المنقسمة على ذاتها إلى مذاهب وفرق وطوائف، ولسنا كمؤمنين بدعاً من الأمم، فانقسامنا لا تخطئه عين، ولا ينكره إلا من اقتدى بالنعامة ويدفن رأسه في الرمال، حتى لا يرى.
سحب هذه القضية بنص صريح من الله سبحانه وتعالى، ونسبتها إلى ذاته العلية، فيه خير عميم وفير، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وخلاف ذلك، أو الخروج عن هذا التوجيه الرباني- وهو الحاصل فعلاً- أشقانا وأضنانا، وما زلنا ندور في رحى الدائرة الجهنمية، دائرة التكفير، دائرة الطرد من رحمة الله، ودائرة الإنابة الباطلة عن الله في تقرير مصير الأمم والناس، مع أن النص واضح وجلي لا يختلف عليه اثنان.
هذه النصوص جاءت من لدن حكيم خبير، وجاءت لتغطي الزمن كله، ولا تعالج فترة زمنية بعينها، جاءت معبأة بالشمولية، فعموميتها لا تخفى على قارئ، لكن الهوى والتقول على الله، والنيابة الباطلة عن الله هي ما دعت البعض أن يحكم على البعض بالكفر، ويخبره بمقعده في سقر، لمخالفته له حتى لو باجتهاد فرعي، أو مسألة ثانوية.
حين استوعب الكتاب الحكيم التاريخ كله، بكل ما فيه من شرائع وأحكام وأخلاق وشعائر، وما طرأ على تلك الشعائر من تغير، بين الرسل الكرام، وما تراكم من أخلاق بين رسول والرسول الذي يعقبه، وما تخلل الشرائع من تطور بحكم التطور البشري الحتمي، حتى خُتمت بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، كل ذلك كفيل بأن يردعنا أن ننوب عن الله في تحديد مآلات الناس إلى جنة أو نار. فهل من مدكر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك