بقلم: مروة سلامة إبراهيم
العفة والقناعة من القيم المركزية في الإسلام، وهما من الروافع التي ترفع المتحلي بهما إلى عنان السماء. وهذا الصحابي الجليل حكيم بن حزام (رضي الله عنه) هو ابن شقيق السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين (رضي الله عنها)، فهي عمته، وكان الزبير بن العوام ابن عمه، وورد أنه وُلد في الكعبة، وذلك أن أمه دخلت الكعبة وهي حامل فجاءها المخاض، فولدت حكيما فيها.
وكان رضي الله عنه من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، حيث كان مولده قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة وكان عفيفا متعففا، شهما كريما، سيدا مُطاعا، وكان من أشراف قريش وعقلائها ونبلائها.
وكان شديد الحب لسيد الخلق عليه الصلاة والسلام، ولما كان بنو هاشم وبنو المطلب في الشِعْب- محاصرين- لا يبايعون ولا يناكحون، كان حكيم بن حزام يُقبل بالعير يقدم من الشام فيشتريها بكمالها، ثم يذهب بها فيضرب أدبارها حتى يدخل الشعب وهي محملة بالطعام والكسوة إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعمته السيدة خديجة بنت خويلد.
وهو الذي اشترى زيد بن حارثة، فابتاعته منه عمته خديجة فوهبته لرسول الله الذي أعتقه.
وتأخر إسلام سيدنا حكيم إلى عام الفتح، وعاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام مثلها، وتوفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين من الهجرة، وهو ابن مائة وعشرين سنة.
ومن المواقف التي خلدها التاريخ له أنه ذهب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وسأله أن يعطيه، فأعطاه. ثم سأله ثانية، فأعطاه. ثم سأله ثالثة، فأعطاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ثم قال له مُعلِّمًا: (يا حكيم، إن هذا المال خَضِرٌ حلو -أي إن الإنسان يميل إلى المال كما يميل إلى الفاكهة الحلوة اللذيذة-، (فمن أخذه بسخاوة نفس -أي بغير سؤال ولا طمع- بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبَارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا -أي التي تعطي- خير من اليد السفلي) (متفق عليه). أي التي تأخذ.
فعاهد حكيم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا يأخذ شيئًا من أحد أبدًا حتى يفارق الدنيا.
وبعد وفاته عليه السلام كان أبو بكر (رضي الله عنه) يطلبه ليعطيه نصيبه من المال، فيرفض، وعندما تولى عمر (رضي الله عنه) الخلافة دعاه ليعطيه فرفض حكيم، فقال عمر: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم بن حزام إني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في (الغنيمة)، فيأبى أن يقبله..!! وظلَّ حكيم (رضي الله عنه) قانعًا، لا يتطلع إلى المال بعد نصيحة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حتى إنه كان يتنازل عن حقه، ويعيش من عمله وجهده.. راضيا وقانعا. فهنيئا لهذا الرجل الذي ضرب أروع الأمثال في البذل والعفاف والقناعة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك