عرض مسرح الصواري مسرحية (طفل زائد عن الحاجة) تأليف الكاتب عبد الفتاح قلعه جي وإخراج الفنان إبراهيم خلفان، وتمثيل حسين عبدعلي، وريم ونوس وعلي الشعلة، وسينوغرافيا خالد الرويعي، بتاريخ 26 و 27 مارس 2023 م، احتفالاً بمناسبة اليوم العالمي للمسرح، الذي يصادف 27 مارس من كل عام، وعرضت المسرحية بالتعاون مع اتحاد المسرحيين البحرينيين، على صالة البحرين الثقافية
بداية يجب أن نعرف أن التجريب في المسرح كما ورد في مقدمة كتاب نصوص من المسرح التجريبي الحديث (طفل زائد عن الحاجة للكاتب عبدالفتاح قلعه جي) (هو فعل اختراق واكتشاف وسقوط أقنعة، وإنه لمسرح مضاد مصادم مدهش، جديد متجدد دائماً، غرائبي حلمي في شكله، واقعي في جوهره، ينفذ بقوة وحدة إلى أعماق الحياة، والفكر والنفس الإنسانية، وهو في جوهره تعبير عن لا معقولية الوضع الإنساني، والقلق الأزلي، والانتظار، ويعتمد على لغة الجسد، وسينوغرافيا العرض المسرحي).
إن عنوان المنتج الدرامي المؤطر بالدال (طفل) محفز على خلق فوضى التأويل، ويحيل على عقلانية الخبر.
لقد انطلقت سينوغرافية المسرح من مؤثرات صوتية، تومئ بتساقط مطر على صخور صلبة، ثم انطلقت أحداث المسرحية من عتمة الكهف المظلم، التي أدخلت مشاهد المسرحية في إبهام لتصورها المكاني.
فاجأنا مخرج النص بعنصر حدثي تنبثق منه تداعيات العمل المسرحي، متمثلاً في ولادة كهف مظلم.
العنصر الحدثي القاهر، حرض الحدث المسرحي نحو تماهيات الصراع بين الزوج والزوجة، إن تموضع الزوجة للحدث المسرحي المؤجج لم يكن في مستوى ناضج، رغم أن تأوهات الزوجة تنبئ بحالة ولادة قاسية.
ومما يجذب ذهن المتلقي، توظيف لغة الجسد، في العرض المسرحي، فصرخات الأم تحملت في مسارات الحركة النفسية للزوج، وأنتجت دلالات حركية مخيفة.
ومع إطلالة المولود الجديد، الخالية من صياح الطفل، أطفأ المشهد الحي لحالة الولادة.
إن الحدث الدرامي جعل الزوج في حركة، فسيولوجية هستيرية، ليجرد الزوج من عاطفة الأبوة (اقطعي حبله السري).
إن التعالق الهستيري، شكل صورة درامية مؤطرة، بالانسجام الحركي الموجه لترسبات القلق، وترقب المصير المعتم. (يصحو، ينام، ثم يأكل، ثم يصحو وينام).
لقد تناغمت هذه الوحدات الدلالية، القولية مع انسجام حركة المهد الذي يشد الزوج والزوجة يميناً ويساراً وتنبثق تداعيات الرمز لحدثية الولادة، مع تماهيات حركة الجسد، فالحركة البيولوجية، تترجم انسجامية تعالق الذراعين، وتحركهما بنحو دائري، يجسدان الدورة الزمنية، الضائعة، لحياة الوالدين، كعقارب الساعة.
«كهف معتم وديدان، وظلمة أبدية»، «الأرقام البلهاء»، «علينا أن نتألم مجدداً». إن الوحدات الدرامية القولية، والبيولوجية الجسدية، تحرضان إلى ولادة رمز منبثق من وضع مخاف منه، ناتج من مدلولات ألفاظ قاهرة. (المرض، الموت)، اللذين جسدهما الحوار الخارجي.
إن الحدث الدرامي لولادة طفل، ذي وجه قبيح، وعينين حزينتين، يخزن في ذاكرة توقعات، متلقي النص إلى رمزية جزئية، تتمثل بولادة أمل مشوب بالخوف، وقد استحضر المخرج هذا الممكن الرمزي المخيف، في عرض الحركات الهستيرية، وذلك بصب الماء بصورة مفرطة، على جسد الزوج، ليشي إلى هندسة واضحة، لتلقي الألم والحسرة.
إن الوظائف الفنية للغة الجسد، وانصباب الماء، يدخلان النص، إلى مقولات مرعبة، تحرض الزوج على خنق الطفل، وتستحضر صورة حيوانية، لملفوظات وحشية «نقتل الطفل لنأكله»، وهذه المقولات الانزياحية تمثل صدمة في ذهن المتلقي.
وتتلاقى هذه الصدمة، مع تسربات، وتداعيات الحوار الزاخر، بمعجم الخوف، والألم، من ماض فتك الجدري الذي رسمه المخرج على وجه الزوجة.
ويطل علينا مشهد مفاجئ، للزبال، وهي شخصية ظهرت في نهاية العرض المسرحي، تراقب المصير المترقب، لآمال الزوجين، وتتعقب المرض المزمن للطفل، وهي تقنية فنية، يراد منها استحضار الماضي الاقتصادي، والمأساوي لواقع الأسرة العربية في حاضرها وماضيها، وما تعانيه من عذابات الفقر والجوع.
وتلعب الثيميات الصوتية، دوراً بارزا في استحضار حركة النباح للزوجين، ليرسمان حركة تناغمية، لهستيرية معاناتهما داخل الكهف.
وقد برع المخرج المبدع الأستاذ الفنان إبراهيم خلفان، في تجسيد هذه التشكلات الهستيرية، في نسق فعلي، يثير ذهن المتلقي إلى تطاير الأوراق، التي يرمز بها إلى تبعثر مصير الخلاص، وليرمز إلى ضياع تاريخ الأمة العربية، وتلاشي مصيرها، عبر ولادة طفل، يستحضر به واقع الأمة المبتلى، والمشوب بالتشوهات، والأزمات السياسية، والحضارية، والإنسانية.
ويعبر عن معاناة الشعب العربي وطبقية الصراع، والسيادة، والجوع، والفقر المدقع.
abuZohair@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك