العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

لماذا الهلع؟

الجمعة ١٩ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

ظاهرة‭ ‬متكررة‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬تخبو‭ ‬حينا‭ ‬وتطل‭ ‬برأسها‭ ‬حينا،‭ ‬معكرة‭ ‬صفونا‭ ‬ومبعثرة‭ ‬لصفائنا،‭ ‬تلك‭ ‬الظاهرة‭ ‬هي‭ ‬الهلع‭ ‬من‭ ‬الاجتهاد،‭ ‬فكلما‭ ‬قال‭ ‬باحث‭ ‬أو‭ ‬مجتهد‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬الأوائل‭ ‬كأن‭ ‬زلزالاً‭ ‬ضرب‭ ‬بلاد‭ ‬المسلمين،‭ ‬فترى‭ ‬الأرض‭ ‬تموج‭ ‬بما‭ ‬تضج‭ ‬به‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتفوح‭ ‬رائحة‭ ‬العفن‭ ‬من‭ ‬أفواه‭ ‬المتناطحين‭ ‬في‭ ‬المسألة،‭ ‬بين‭ ‬داع‭ ‬إلى‭ ‬الجمود‭ ‬منكر‭ ‬أي‭ ‬جديد،‭ ‬وبين‭ ‬مشجع‭ ‬ومؤازر‭ ‬لإعمال‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬النص،‭ ‬لتوليد‭ ‬متن‭ ‬من‭ ‬متن‭.‬

هذا‭ ‬ليس‭ ‬رجما‭ ‬بالغيب،‭ ‬ولا‭ ‬أظنه‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬أحد،‭ ‬فوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬بضجيجها‭ ‬وعجيجها‭ ‬بمتناول‭ ‬الجميع،‭ ‬وكان‭ ‬آخرها‭ ‬تلك‭ ‬الهبة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الشيخ‭ ‬صالح‭ ‬المغامسي‭ ‬من‭ ‬ضرورة‭ ‬تجديد‭ ‬الفقه،‭ ‬وكأن‭ ‬الرجل‭ ‬اخترق‭ ‬ثابتاً‭ ‬من‭ ‬ثوابت‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬أنكر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬بالضرورة،‭ ‬مع‭ ‬كامل‭ ‬الأسف‭ ‬والأسى‭ ‬مما‭ ‬جرى‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬صبيانية‭ ‬جهولة‭ ‬على‭ ‬مقولة‭ ‬الشيخ،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬المغامسي‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يكتوي‭ ‬بهكذا‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬رعناء‭ ‬شوهاء‭ ‬عرجاء،‭ ‬وحولاء،‭ ‬بل‭ ‬سبقه‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬العديد‭ ‬والعديد،‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬صبر‭ ‬واحتسب‭ ‬وترفع‭ ‬عن‭ ‬المهاترة،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬شمّر‭ ‬عن‭ ‬سواعده‭ ‬الفكرية‭ ‬ودافع‭ ‬عن‭ ‬فكرته‭ ‬وعن‭ ‬نفسه،‭ ‬حين‭ ‬انحرفوا‭ ‬عن‭ ‬الموضوع‭ ‬للذات‭ ‬فمسوها‭ ‬بسوء‭ ‬قذفاً‭ ‬وسباً‭.‬

ويحضرني‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأخيرة‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬البحّاثة‭ ‬والمفكرين‭ ‬اكتوت‭ ‬بنيران‭ ‬عشوائية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب‭ ‬بذريعة‭ ‬انتهاك‭ ‬مسألة‭ ‬فقهية‭ ‬قال‭ ‬بها‭ ‬أحد‭ ‬الفقهاء‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬أو‭ ‬الثالث‭ ‬الهجري،‭ ‬وكأن‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬به‭ ‬فقهياً‭ ‬مضى‭ ‬على‭ ‬وفاته‭ ‬قرون‭ ‬ثابت‭ ‬من‭ ‬ثوابت‭ ‬الدين‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬تُمس،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬أذكر‭ ‬الدكتور‭ ‬نصر‭ ‬حامد‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬به‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬الهجرة‭ ‬والتفريق‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬زوجه،‭ ‬بعد‭ ‬الحكم‭ ‬عليه‭ ‬بالردة،‭ ‬والدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الصبور‭ ‬شاهين،‭ ‬والمفكر‭ ‬السوداني‭ ‬الفذ‭ ‬الحاج‭ ‬حمد،‭ ‬والدكتور‭ ‬محمد‭ ‬شحرور،‭ ‬والدكتور‭ ‬عدنان‭ ‬إبراهيم،‭ ‬والباحث‭ ‬عدنان‭ ‬الرفاعي،‭ ‬وغيرهم‭ ‬الكثير‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المقام‭ ‬لذكرهم،‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬ناله‭ ‬نصيب‭ ‬من‭ ‬التجريح‭ ‬والأذى‭.‬

يقولون‭ ‬إن‭ ‬الدين‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬منه‭ ‬أحد،‭ ‬ويرددون‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (‬إنا‭ ‬نحن‭ ‬نزلنا‭ ‬الذكر‭ ‬وإنا‭ ‬له‭ ‬لحافظون‭) ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬أحد‭ ‬بجديد‭ ‬إلا‭ ‬وحالة‭ ‬من‭ ‬الذعر‭ ‬والهلع‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬والهلع‭ ‬يفوح‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬حروف‭ ‬كلماتهم،‭ ‬أي‭ ‬تناقض‭ ‬هذا‭!!.‬

القضية‭ ‬أصبحت‭ ‬بين‭ ‬فريقين،‭ ‬فريق‭ ‬يُنذر‭ ‬حياته‭ ‬للبحث‭ ‬والمقارنة‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬والحال‭ ‬كهذا‭ ‬أن‭ ‬يُسفر‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬جديدة‭ ‬وغير‭ ‬مألوفة‭ ‬للسائد‭ ‬الدارج،‭ ‬وبين‭ ‬فريق‭ ‬استكان‭ ‬على‭ ‬مقولات‭ ‬السابقين،‭ ‬وارتاح‭ ‬واطمئن‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬عليه،‭ ‬ونصّب‭ ‬نفسه‭ ‬حارساً‭ ‬وحامياً‭ ‬لما‭ ‬أنتجوه‭ ‬ودونوه‭ ‬في‭ ‬مدونات‭ ‬الفقه،‭ ‬فالحالة‭ ‬الأولى‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهد‭ ‬كبير،‭ ‬وعناء‭ ‬في‭ ‬البحث،‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬عليها‭ ‬أنصار‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬استعذب‭ ‬حفظ‭ ‬بعض‭ ‬المقولات‭ ‬وترديدها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يبدأ‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬القطبين‭.‬

لسان‭ ‬المقال‭ ‬عند‭ ‬الطرف‭ ‬العاجز‭ ‬الحافظ‭ ‬وليس‭ ‬الفاهم‭ ‬المتعقل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬معجزة‭ ‬لآخر‭ ‬الزمان،‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬يحيط‭ ‬به‭ ‬الطبري‭ ‬ولا‭ ‬ابن‭ ‬كثير،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬سبقهم‭ ‬ولا‭ ‬اللاحقين،‭ ‬ولسان‭ ‬الحال‭ ‬بخلاف‭ ‬ذلك،‭ ‬فهم‭ ‬يرفضون‭ ‬أي‭ ‬قراءة‭ ‬جديدة‭ ‬للكتاب‭ ‬الكريم‭ ‬وحجتهم‭ ‬دائماً‭ ‬ماذا‭ ‬ستقول‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الطبري‭ ‬وأقرانه‭!!‬

فأين‭ ‬قولكم‭ ‬بمعجزة‭ ‬القرآن‭ ‬الخالدة،‭ ‬وأنه‭ ‬كتاب‭ ‬مكنون‭ ‬بمقدور‭ ‬كل‭ ‬جيل‭ ‬أن‭ ‬يغوص‭ ‬فيه‭ ‬وينهل‭ ‬من‭ ‬مكنوناته‭!!!‬

كفوا‭ ‬عن‭ ‬الهلع‭ ‬والخوف‭ ‬غير‭ ‬المبرر‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬وشريعة‭ ‬الله‭ ‬ودين‭ ‬الله‭ ‬عموماً،‭ ‬فإنكم‭ ‬خلقتم‭ ‬فتنة‭ ‬لا‭ ‬يرضاها‭ ‬الله‭ ‬ولا‭ ‬رسوله،‭ ‬أين‭ ‬أنتم‭ ‬من‭ ‬اجتهادات‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬التي‭ ‬وصفها‭ ‬العقاد‭ ‬وكل‭ ‬قارئ‭ ‬لتاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬بأنها‭ ‬في‭ ‬جلها‭ ‬جديدة‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬جديدة‭ ‬خاصة‭ ‬بشخص‭ ‬عمر‭ ‬بالذات‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم،‭ ‬فكتاب‭ ‬الله‭ ‬يتصف‭ ‬بثلاث‭ ‬صفات‭ ‬أساسية‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬الهلع‭ ‬والعنت،‭ ‬صفاته‭ ‬أنه‭ ‬مهيمن‭ ‬وكريم‭ ‬ومكنون،‭ ‬وأترك‭ ‬للقارئ‭ ‬الكريم‭ ‬أن‭ ‬يتفكر‭ ‬بهذه‭ ‬الصفات‭ ‬التي‭ ‬نعت‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭ ‬بنص‭ ‬الكتاب‭ ‬نفسه‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا