بقلم: عاطف الصبيحي
ظاهرة متكررة بين الفينة والأخرى، تخبو حينا وتطل برأسها حينا، معكرة صفونا ومبعثرة لصفائنا، تلك الظاهرة هي الهلع من الاجتهاد، فكلما قال باحث أو مجتهد بما لم يقله الأوائل كأن زلزالاً ضرب بلاد المسلمين، فترى الأرض تموج بما تضج به وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وتفوح رائحة العفن من أفواه المتناطحين في المسألة، بين داع إلى الجمود منكر أي جديد، وبين مشجع ومؤازر لإعمال العقل في النص، لتوليد متن من متن.
هذا ليس رجما بالغيب، ولا أظنه يخفى على أحد، فوسائل التواصل بضجيجها وعجيجها بمتناول الجميع، وكان آخرها تلك الهبة على ما قاله الشيخ صالح المغامسي من ضرورة تجديد الفقه، وكأن الرجل اخترق ثابتاً من ثوابت الدين أو أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، مع كامل الأسف والأسى مما جرى من ردود أفعال صبيانية جهولة على مقولة الشيخ، ولم يكن المغامسي أول من يكتوي بهكذا ردود أفعال رعناء شوهاء عرجاء، وحولاء، بل سبقه من الضحايا العديد والعديد، فمنهم من صبر واحتسب وترفع عن المهاترة، ومنهم من شمّر عن سواعده الفكرية ودافع عن فكرته وعن نفسه، حين انحرفوا عن الموضوع للذات فمسوها بسوء قذفاً وسباً.
ويحضرني في العقود الثلاثة الأخيرة نماذج من البحّاثة والمفكرين اكتوت بنيران عشوائية من كل حدب وصوب بذريعة انتهاك مسألة فقهية قال بها أحد الفقهاء في القرن الثاني أو الثالث الهجري، وكأن ما قال به فقهياً مضى على وفاته قرون ثابت من ثوابت الدين التي يجب ألا تُمس، فعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي انتهى به المطاف إلى الهجرة والتفريق بينه وبين زوجه، بعد الحكم عليه بالردة، والدكتور عبد الصبور شاهين، والمفكر السوداني الفذ الحاج حمد، والدكتور محمد شحرور، والدكتور عدنان إبراهيم، والباحث عدنان الرفاعي، وغيرهم الكثير لا يتسع المقام لذكرهم، كل منهم ناله نصيب من التجريح والأذى.
يقولون إن الدين أقوى من أن ينال منه أحد، ويرددون قول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ومع ذلك ما أن يأتي أحد بجديد إلا وحالة من الذعر والهلع تسيطر على الطرف الآخر، والهلع يفوح من بين حروف كلماتهم، أي تناقض هذا!!.
القضية أصبحت بين فريقين، فريق يُنذر حياته للبحث والمقارنة ولا بد والحال كهذا أن يُسفر البحث عن نتائج قد تكون جديدة وغير مألوفة للسائد الدارج، وبين فريق استكان على مقولات السابقين، وارتاح واطمئن لما هو عليه، ونصّب نفسه حارساً وحامياً لما أنتجوه ودونوه في مدونات الفقه، فالحالة الأولى تحتاج إلى جهد كبير، وعناء في البحث، لا يقوى عليها أنصار الطرف الآخر الذي استعذب حفظ بعض المقولات وترديدها في كل مناسبة، ومن هنا يبدأ الصراع بين القطبين.
لسان المقال عند الطرف العاجز الحافظ وليس الفاهم المتعقل هو أن القرآن معجزة لآخر الزمان، أي لا يحيط به الطبري ولا ابن كثير، ولا من سبقهم ولا اللاحقين، ولسان الحال بخلاف ذلك، فهم يرفضون أي قراءة جديدة للكتاب الكريم وحجتهم دائماً ماذا ستقول غير ما قاله الطبري وأقرانه!!
فأين قولكم بمعجزة القرآن الخالدة، وأنه كتاب مكنون بمقدور كل جيل أن يغوص فيه وينهل من مكنوناته!!!
كفوا عن الهلع والخوف غير المبرر على كتاب الله وشريعة الله ودين الله عموماً، فإنكم خلقتم فتنة لا يرضاها الله ولا رسوله، أين أنتم من اجتهادات عمر بن الخطاب التي وصفها العقاد وكل قارئ لتاريخ الإسلام بأنها في جلها جديدة بناء على قراءة جديدة خاصة بشخص عمر بالذات في الكتاب الكريم، فكتاب الله يتصف بثلاث صفات أساسية لا يحتاج معها إلى الهلع والعنت، صفاته أنه مهيمن وكريم ومكنون، وأترك للقارئ الكريم أن يتفكر بهذه الصفات التي نعت الله بها كتابه الكريم بنص الكتاب نفسه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك