يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
كلمة الملك.. الثقة والأمل
الكلمة التي ألقاها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أمام القمة العربية في جدة كلمة قوية معبرة تستحق أن نتوقف عندها بكثير من التأمل.
لن أتوقف هنا عن ما عبّر عنه جلالة الملك من مواقف عروبية أصيلة إزاء قضية التضامن العربي ومختلف قضايا الأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين. هذه مواقف بحرينية ثابتة معروفة.
سأتوقف عند فقرة في كلمة جلالة الملك اعتبرها شخصيا أهم ما قيل في قمة جدة. أعني الفقرة التي قال فيها جلالته «إن أمتنا العربية قادرة على النهوض والتقدم لمواكبة حركة العصر».
حرص جلالة الملك على تأكيد قدرة الأمة العربية على النهوض والتقدم هي رسالة كبرى تعني الكثير على كل المستويات الرسمية وغير الرسمية العربية.
وجلالة الملك حين أكد هذا، كان حريصا على أن يحدد في كلمته وبشكل غاية في الدقة وعمق الرؤية، ما هي الأسباب التي تجعل الأمة قادرة على النهضة والتقدم؟، وما هو المطلوب كي يتحقق هذا الهدف؟
أما عن الأسباب فقد حددها جلالة الملك في كلمته في أربعة أسباب كبرى:
1 – أننا أمة عربية.
لنلاحظ أن جلالته استخدم تعبير أمتنا العربية في تأكيد مقصود على أننا جميعا دولا وشعوبا عربية ننتمي إلى أمة عربية واحدة تجمعها نفس المشاعر والهموم والتطلعات وعوامل اللغة والتاريخ المشترك.. الخ.
جلالته أراد أن يلفت الأنظار إلى حقيقة أن انتماءنا إلى أمة عربية واحدة هو في حد ذاته من أكبر مصادر قوتنا.
2 – تاريخنا العريق وقيمنا الدينية والإنسانية والحضارية.
وهذا بالطبع من أكبر مصادر القوة العربية. على امتداد التاريخ الطويل لأمتنا لعبنا دورا حضاريا إنسانيا رائدا في العالم. العالم كله مدين لحضارتنا وإسهاماتها الكبرى بالكثير جدا في مجالات العلم والثقافة والفكر. وقيم أمتنا قيم إنسانية متحضرة تنتصر للعدل والإنصاف وتنتصر للإنسانية.
هذا التاريخ الحضاري القيمي لأمتنا يجب ألا يغيب عن بالنا في معركتنا من أجل النهضة والتقدم ويجب ان يمثل مصدر دفع والهام.
3 - ان أمتنا لديها ثروات بشرية وكفاءات مبدعة.
وهذا من أكبر مصادر قوتنا. يكفي أن مئات الآلاف بل ملايين من الكفاءات والعقول العربية تعمل في الغرب اليوم وتلعب دورا أساسيا في نهضته وتقدمه.
نحن لدينا كما نبه جلالة الملك ثروة بشرية من الكفاءات والمبدعين في كل المجالات يجب استثمارها أفضل استثمار ممكن.
4 – موقعنا الاستراتيجي المميز ومواردنا الطبيعية.
كما نعلم، موقع دولنا الاستراتيجي يجعل منها بالضرورة لاعبا أساسيا في العالم وموضعا لتسابق كل القوى العالمية كي يكون لها حضور معنا.
ومواردنا الطبيعية مهولة وتعطينا إمكانيات كبرى لتحقيق التقدم في كل المجالات.
على هذا النحو إذن حدد جلالة الملك مصار قوة الأمة العربية ومقومات نهضتها وتقدمها.
غير أن جلالته لم يكتف بهذا، بل حرص في كلمته بأن يحدد كيف يمكن استخدام عوامل القوة هذه لتحقيق النهضة والتقدم، وما هو المطلوب بالضبط؟
جلالة الملك حدد الطريق للاستخدام الأمثل لمصادر قوة الأمة في الجوانب التالية التي يجب توافرها:
1 – التكامل العربي.
هذا بالطبع من أكبر شروط الاستخدام الأمثل لمصادر القوة العربية. الكل يعلم أنه من الصعب جدا تحقيق النهضة والتقدم العربي العام من دون تكامل القدرات والإمكانيات العربية في كل المجالات. ويعني هذا بداهة أن من الأهمية بمكان وجود استراتيجيات عربية لتحقيق التكامل العربي في مجالا الاقتصاد والتنمية وكافة المجالات.
- تجديد الشراكات العربية الاستراتيجية مع الدول الحليفة والصديقة.
جلالة الملك يقصد هنا أنه من الأهمية بمكان وجود شراكات استراتيجية مع الدول والقوى الحليفة والصديقة للعرب. غير أن جلالته وضع شرطا مهما هنا وهو أن تكون هذه الشراكات قائمة على حفظ وتحقيق المصالح المشتركة. أي أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل والمساواة في تبادل المنافع.
- وجود رؤية توافقية وسياسات أكثر فاعلية للتصدي للإرهاب ووقف الحروب وتهديدات أسلحة الدمار الشامل وصولا إلى منطقة مستقرة تزدهر في محيطها قيم التعايش الإنساني والتقارب الديني والحضاري.
ما قاله جلالة الملك على هذ النحو ليس بحاجة إلى توضيح لكن الفكرة الجوهرية التي يلح عليها جلالته أنه لا يمكن تحقيق نهضة وتقدم إلا في ظل استقرار وأمن وسيادة قيم التعايش.
كما نرى، جلالة الملك في كلمته أمام قمة جدة العربية حدد بهذا الشكل الدقيق البليغ طريق الأمة نحو النهوض والتقدم، وأعرب عن الثقة المطلقة في قدرتها على تحقيق ذلك.
الحقيقة أن الكلمة تعتبر مصدر الهام وخصوصا للأجيال العربية الشابة. هذه الأجيال التي ترى أوضاعنا العربية المتردية وربما تفقد الأمل في المستقبل.
الكلمة هي كلمة ثقة وأمل في المستقبل العربي. وهناك مبررات قوية لهذه الثقة والأمل إن استطعنا حشد واستخدام مصادر قوتنا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك