يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
500 عام تنتهي هنا
ليس جديدا القول إن العالم يمر بتغيرات كبيرة متسارعة وبعيدة المدى. جوهر هذه التغيرات أننا نشهد انهيارا تدريجيا للنظام العالمي الذي قام على هيمنة أمريكا والغرب، ونشهد ميلادا تدريجيا لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
في العالم كله، ينشغل المفكرون والباحثون والكتاب بتأمل وتحليل التغيرات التي يشهدها العالم وبحث أسبابها والعوامل التي قادت إليها، وذلك سعيا إلى فهم أفضل للمستقبل.
هذا الجدل يهمنا أن نتابعه في الوطن العربي وخصوصا إننا في القلب من هذا الجدل. من المهم أن نعرف كيف يفكرون في العالم فيما يجري من متغيرات.
من أهم التحليلات التي قرأتها مؤخرا بهذا الشأن تحليل مطول نشرته مجلة «نيوزويك» الأمريكية في عددها الأخير وكتبه توم أوكونور كبير كتاب المجلة. التحليل عنوانه: «نهاية القرن الأمريكي تبدأ من الشرق الأوسط»، وهو يناقش جوهر التغير في ميزان القوى العالمي مع التركيز على تراجع النفوذ الأمريكي وصعود الصين وقوى عالمية أخرى.
أهمية التحليل إنه يعرض وبشكل رصين لآراء عدد من الساسة وكبار المحللين من أمريكا، والصين، والوطن العربي، أي يمثلون القوى الرئيسية المعنية بهذه التغيرات.
لنتابع أهم ما جاء في التحليل، ثم سأعلق عليه بعد ذلك.
يبدأ التحليل بمقولة شهيرة للرئيس الصيني شي جين بينغ أطلقها قبل فترة وقال فيها: «العالم يشهد تغيرات لم نشهدها منذ مائة عام».
كاتب التحليل يعتبر أن هذه المقولة ليست مقولة دعائية بقدر ما هي تقرير لما يحدث بالفعل وما يشهده العالم من تغيرات». أي إن ما يشهده العالم اليوم لم يحدث بالفعل منذ قرن من الزمن.
يقول الكاتب إن هذا التغيير الذي يجري أمام أعيننا يتجلى أكثر ما يتجلى في الشرق الأوسط، وهي منطقة كانت تقليديا ساحة لنفوذ أمريكا. ويدلل على ذلك بما حدث في شهر مارس الماضي عندما توسطت الصين في توقيع الاتفاق بين السعودية وإيران، وهذا دور كانت أمريكا هي التي تلعبه.
الكاتب يستطلع رأي شاس فريمان، وهو سياسي ودبلوماسي أمريكي مخضرم معروف في التغير الذي يشهده العالم وفي أسباب انهيار نفوذ أمريكا والغرب.
يقول فريمان: «العالم يتغير.. آلة التغير تعمل بسرعة. ونحن في أمريكا الهدف الأساسي لسياساتنا الخارجية محاولة استعادة الهيمنة والسيطرة. وهذا أمر مستحيل. لا شيء يدوم إلى الأبد. لا توجد قوة عظمى تبقى عظمى إلى الأبد».
ويقول إن كثيرا من دول العالم تتبع الآن طريقها الخاص، وهو ما يطلق عليه البعض «الاستقلال الاستراتيجي» هذا ما تفعله الهند مثلا، وحتى دول اعتبرت دائما من أقرب حلفاء أمريكا تفعل هذا مثل السعودية وفرنسا.
ويعتبر فريمان أن ما يحدث اليوم من تغيرات يعني أن عصر الهيمنة الأمريكية.. عصر القرن الأمريكي الذي استمر خمسين عاما ينتهي. ليس هذا فحسب، بل إن 500 عام من الهيمنة الغربية على مقدرات العالم تنتهي اليوم.
أما عن أسباب هذا الانهيار الأمريكي الغربي، فيقول فريمان: «إننا نتبجح، ونهدد، ونتوعد، ونعاقب، ونرسل قوات المارينز، ونلقي القنابل. لكننا لم نعرف أبدا استخدام فنون الإقناع». ويضيف: «إن لحظة العظمة للدبلوماسية الأمريكية قد انتهت منذ زمن طويل. الذي حدث هو أن قدرة أمريكا على ممارسة الإكراه والفرض والإملاء قد انهارت. ومع هذا فإننا نتعامل مع العالم كما لو أننا مازلنا نتمتع بسلطة وقوة لا يمكن تحديها مثلما فعلنا في نهاية الحرب الباردة».
للحديث بقية مع هذا التحليل المهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك