يدعي العَلمانيون أن الدين هو السبب الرئيس في تخلف المسلمين وأن الغرب تقدم علميا وتقنيا عندما عزلوا الدين عن الحياة هذه عقول لم تفرق بين دين البشر ودين الله.
الغرب تقدم عندما عزل الدين الذي يحقر من شأن العلم الكوني ويحارب العلماء ويحكم عليهم بالإعدام ويجبرهم على الرجوع عن النتائج العلمية التي توصلوا إليها، لقد اعتبرت الكنيسة الغربية التفكير جريمة وأن الخروج عن المفاهيم الخاطئة في الكتب المقدسة عندهم خروج على سلطان الكنيسة والكهان، فلم يجد الغرب بدا من عزل هؤلاء عن معترك الحياة، وعندما تربت بعض العقول العربية والإسلامية في ديار الغرب المتقدمة وما فعلوه في الدين لم يفرق هؤلاء بين الدين الذي يحارب العلم والعلماء، ودين الإسلام الذي رفع من شأن العلم والعلماء وخص علماء العلوم الكونية بمكانة عالية في القرآن الكريم، قال تعالى (ألم تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السماء ماءٗ فأخرجنا به ثَمَرَتٖ مختلفا ألوانها وَمِنَ الجبال جدد بِيضٞ وحمر مختلف ألوانها وَغَرَابِيبُ سُودٞ وَمِنَ الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنَّمَا يخشى اللهَ من عِبَادِهِ العلماء إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ) فاطر (27 - 28).
الآيتان السابقتان توضحان أن العلم الكوني النافع يورث العلماء مكانة عالية، حيث يعلمون عظمة الله تعالى في خلقه فترق قلوبهم ويصبحون أشد خشية لله فضلا إنها خشية مبنية على البراهين والحقائق الكونية العلمية، ودرجة عالم لا ينالها في الإسلام إلا الباحثون في خلق الله في الأرض ويدرسون إنزال الله تعالى للماء من السماء فينبت به النبات وينمو وينتج الثمرات مختلفة الألوان من حيث الشكل الخارجي والتركيب الداخلي والفوائد التي يجنيها الإنسان من هذه الثمار، وإنتاج الغذاء والدواء، والكساء والمنتجات النافعة من الصموغ والأصباغ والراتنجات والكربوهيدرات ودهون والبروتين والرحيق الذي يحوله النحل إلى العسل والروائح الطيبة المستخرجة من الأزهار والثمار والجذوع وغير ذلك من المنتجات النباتية، لذلك نال علماء النبات المكانة العالية عند رب العالمين بعلمهم وبحثهم ونتائجهم العلمية.
كذلك نال علماء الأرض (الجيولوجيا) الباحثين في تركيب الجبال مختلفة التركيب وما تحتويه من معادن مفيدة ومن فوائد تختلف باختلاف لون الجبال المتوقف على التركيب الكيماوي والفيزيائي للجزيئات والذرات.
كيف يستخرجون المعادن المفيدة والعناصر المهمة في الصناعة والزراعة والتعمير.
ونفس المكانة العالية ينالها الباحثون في علوم الإنسان والحيوان مختلفة الفوائد والخصائص، وعندما يصل هؤلاء إلى هذه المكانة العالية فإنهم ينالون درجة العلماء.
ورفعت السنة النبوية من مكانة العلماء وأهميتهم لحياة الناس بما يحملون من علم نافع وجعلتهم صمام الأمان للعصمة من الضلال فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناسُ رؤوسا جهالا فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له.
فالله تعالى يعاقب العصاة بقبض العلماء من بينهم، فيلجأ الناس إلى أصحاب الجهل المركب ليسألوهم فتكون النتيجة الحتمية الضلال للسائل والمسؤول.
والعلماء هم صمام الأمان في الأرض.
وقد حث المصطفى صلى الله عليه وسلم المسلمين على الاجتهاد في طلب العلم النافع فقال صلى الله عليه وسلم «من سلك طريقا يطلب فيه علما، سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها إرضاءً لطالب العلم، وأن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» أخرجه أبو داود واللفظ له، والترمذي وابن ماجة وابن حيان.
إنها مكانة عالية لطالب العلم وبيان لفضل العلماء وأهمية ما يحملونه من علم نافع، وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهمية الأخذ بالعلم النافع وفي الحديث تفضيل لتحصيل العلم على الانقطاع للعبادة.
وقد فهم عبد الله بن المبارك هذا فقال (كن عالما أو متعلما أو محبا (للعلم) أو مستمعا (للعلم) ولا تكن الخامس فتهلك)، فالعلم هو طريق النجاة، والجهل هو طريق الهلاك.
وقال الشافعي رحمه الله: (طلب العلم أفضل من طلب النافلة، وقال من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم).
وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم العلوم إلى علوم نافعة وعلوم غير نافعة، فقال صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله علما نافعا وتعوذوا بالله من علم لا ينفع» رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني.
ومن المصائب التي زرعت في عقول البعض منا أن العلم هو العلم الشرعي فقط وهو المطلوب، أما العلوم الكونية فغير مفيدة وقالوا:
كل العلوم سوى القرآن مشغلة إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا وما سوى ذلك وسواس الشياطين
إنها المأساة المتنافية مع الآيتين (27-28) من سورة فاطر المادحتين لعلوم الماء وعلوم النبات وعلوم الأرض والناس والدواب والأنعام ومدح الله تعالى للباحثين فيها والمشتغلين بدراستها، وغير ذلك فكرة خاطئة مئة في المئة وتتنافى مع طلب العلم النافع، وقد مزج القرآن الكريم بين آيات العقيدة والآيات الكونية مزجا معجزا وعجيبا ، قال الله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) الكهف (7) وقال تعالى (هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأرض جميعا) البقرة (29).
فالله تعالى من علينا بالمخلوقات الأرضية ومن شُكرها تعمير الكون بهذه النعم.
والحمد لله رب العالمين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك