العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

خيبة أمل عنصرية

يستغرب‭ ‬المرء‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬سائدا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬والدوال‭ ‬الأوروبية‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الرسمية‭ ‬والإعلامية‭ ‬تجاه‭ ‬القضايا‭ ‬والتطورات‭ ‬العالمية‭ ‬ومواقف‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

هذا‭ ‬التفكير‭ ‬يبدو‭ ‬قاصرا‭ ‬وعاجزا‭ ‬عن‭ ‬إدراك‭ ‬حقائق‭ ‬التحولات‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭ ‬وعن‭ ‬التصرف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭.‬

العالم‭ ‬شهد‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬تحولات‭ ‬بات‭ ‬الكل‭ ‬يعرفها‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬الدول‭ ‬وخصوصا‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬اعتبرت‭ ‬تقليديا‭ ‬من‭ ‬حلفاء‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭.. ‬تحول‭ ‬جوهره‭ ‬رفض‭ ‬أساليب‭ ‬الهيمنة‭ ‬والفرض‭ ‬والإملاء‭ ‬وصعود‭ ‬نزعة‭ ‬استقلالية‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬والسياسات‭ ‬والتصرفات‭ ‬العملية‭ ‬وتنويع‭ ‬العلاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الدولية‭.‬

كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬عموما‭ ‬هذه‭ ‬التحولات،‭ ‬وأن‭ ‬يناقشوا‭ ‬أوجه‭ ‬القصور‭ ‬والأخطاء‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬انصراف‭ ‬الحلفاء‭ ‬عنهم‭ ‬وأن‭ ‬يبدأوا‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬هذه‭ ‬الأخطاء‭. ‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬مفكرين‭ ‬وباحثين‭ ‬ومحللين‭ ‬غربيين‭ ‬كثيرين‭ ‬نبهوا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬بالفعل،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬ما‭ ‬نتابع‭ ‬هناك‭ ‬إصرار‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬طريقة‭ ‬التفكير‭ ‬وعلى‭ ‬نفس‭ ‬النهج،‭ ‬ونفس‭ ‬النظرة‭ ‬الاستعلائية‭ ‬العنصرية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

أحد‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭. ‬الصحيفة‭ ‬نشرت‭ ‬تقريرا‭ ‬يتعلق‭ ‬بحدث‭ ‬ستشهده‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة‭. ‬الحدث‭ ‬هو‭ ‬حدث‭ ‬تجاري‭ ‬تستضيف‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬إطاره‭ ‬سبع‭ ‬شركات‭ ‬روسية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬شركات‭ ‬تصنيع‭ ‬سلاح‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تطوير‭ ‬وتنمية‭ ‬العلاقات‭ ‬السعودية‭ ‬الروسية‭.‬

هذا‭ ‬حدث‭ ‬عادي‭ ‬جدا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬أي‭ ‬دهشة‭ ‬أو‭ ‬استغراب‭.‬

لكن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬هكذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تقرير‭ ‬الجارديان‭. ‬

التقرير‭ ‬يوجه‭ ‬انتقادات‭ ‬حادة‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬عواقب‭ ‬يعتبرها‭ ‬وخيمة‭. ‬أما‭ ‬مبررات‭ ‬هذا‭ ‬فهي‭ ‬عجيبة‭ ‬حقا‭.‬

تقرير‭ ‬الجارديان‭ ‬يقدم‭ ‬مبررين‭ ‬لهذا‭ ‬النقد‭ ‬للسعودية‭:‬

الأول‭: ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬شركات‭ ‬السلاح‭ ‬الروسية‭ ‬هذه‭ ‬شركات‭ ‬حكومية‭ ‬تمد‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي،‭ ‬الذي‭ ‬يحارب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬بالأسلحة‭. ‬يقول‭ ‬التقرير‭ ‬مثلا‭ ‬إن‭ ‬‮«‬أبرز‭ ‬الشركات‭ ‬الروسية‭ ‬المشاركة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬روستك‮»‬‭ ‬للأنظمة‭ ‬الدفاعية‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬التي‭ ‬تملكها‭ ‬الدولة،‭ ‬التي‭ ‬زودت‭ ‬الجيش‭ ‬بالأسلحة‭ ‬المستخدمة‭ ‬خلال‭ ‬غزو‭ ‬أوكرانيا‭. ‬وشمل‭ ‬ذلك‭ ‬أنظمة‭ ‬قاذفات‭ ‬اللهب‭ ‬الثقيل،‭ ‬ومركبات‭ ‬زرع‭ ‬الألغام‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬وأنظمة‭ ‬إطلاق‭ ‬صواريخ‭ ‬مختلفة‮»‬‭.‬

والثاني‭: ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬الروسية‭ ‬المشاركة‭ ‬خاضعة‭ ‬للعقوبات‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬ومنها‭ ‬شركة‭ ‬روستك‭ ‬هذه‭.‬

هذه‭ ‬تبريرات‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الغرابة‭.‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬النقد‭ ‬أو‭ ‬الاعتراض‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬شركات‭ ‬أسلحة‭ ‬روسية‭ ‬تمد‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬بالأسلحة؟‭.. ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬ترفضه‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬هذا؟

من‭ ‬المثير‭ ‬للسخرية‭ ‬حقا‭ ‬اتهام‭ ‬شركات‭ ‬الأسلحة‭ ‬الروسية‭ ‬بتقديم‭ ‬الأسلحة‭ ‬لجيش‭ ‬بلادها‭.‬

وما‭ ‬دخل‭ ‬السعودية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬عقوبات‭ ‬فرضتها‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬روسية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شركات‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬هذه‭ ‬عقوبات‭ ‬يلتزمون‭ ‬بها‭ ‬هم‭ ‬وليست‭ ‬ملزمة‭ ‬لا‭ ‬للسعودية‭ ‬ولا‭ ‬لأي‭ ‬دولة‭.‬

ومع‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬تقرير‭ ‬الجارديان‭ ‬يحذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬استضافة‭ ‬السعودية‭ ‬لهذه‭ ‬الشركات‭ ‬الروسية‭ ‬سوف‭ ‬يؤدي‭ ‬أولا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬زيادة‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬السعودية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة؟‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬سوف‭ ‬‮«‬تتسبب‭ ‬بخيبة‭ ‬أمل‭ ‬لدى‭ ‬حكومة‭ ‬بريطانيا‭ ‬أيضا‮»‬‭.‬

كما‭ ‬نرى،‭ ‬ليس‭ ‬فيما‭ ‬قدمه‭ ‬التقرير‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يستدعي‭ ‬توجيه‭ ‬نقد‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬ولومها،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬التهديد‭ ‬والوعيد‭. ‬فما‭ ‬الحكاية‭ ‬إذن؟

الحكاية‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬تفكيرهم‭ ‬ومواقفهم‭ ‬مازالت‭ ‬تحكمهم‭ ‬العقلية‭ ‬الاستعلائية‭ ‬العنصرية‭. ‬وخيبة‭ ‬الأمل‭ ‬التي‭ ‬يتحدثون‭ ‬عنها‭ ‬هي‭ ‬خيبة‭ ‬أمل‭ ‬عنصرية‭.‬

هم‭ ‬ينطلقون‭ ‬من‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬السعودية،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬ركاب‭ ‬الغرب‭ ‬وتلتزم‭ ‬بما‭ ‬يريده‭ ‬وتنفذ‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬وما‭ ‬تتخذه‭ ‬من‭ ‬سياسات‭.‬

المشكلة‭ ‬إنه‭ ‬طالما‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬هو‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬فسيدفعون‭ ‬هم‭ ‬الثمن‭. ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬نتيجة‭ ‬سوى‭ ‬انصراف‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬عن‭ ‬الغرب‭ ‬وتعزيز‭ ‬التحول‭ ‬الى‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬ينهي‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا