العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نحو استعادة فاعلية دور منظمة التحرير الفلسطينية

بقلم: سنية الحسيني {

الاثنين ٠٥ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

صادف‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬ذكرى‭ ‬مرور‭ ‬59‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والتي‭ ‬اتخذ‭ ‬قرار‭ ‬إنشائها‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬1964‭. ‬وعُقد‭ ‬أول‭ ‬اجتماع‭ ‬للمنظمة‭ ‬في‭ ‬مدينة القدس،‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العام،‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬الحاضرون‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬قيامها،‭ ‬والذي‭ ‬تحدد‭ ‬بتحرير‭ ‬فلسطين‭.‬

في‭ ‬ذات‭ ‬اليوم،‭ ‬انتُخب‭ ‬أحمد‭ ‬الشقيري‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬لها،‭ ‬وتأسست‭ ‬هيئاتها‭ ‬المختلفة،‭ ‬كما‭ ‬وُضع‭ ‬نظامها‭ ‬الأساس‭ ‬والميثاق‭ ‬الوطني‭. ‬رسخت‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬ملامح‭ ‬الهوية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كما‭ ‬وضعت‭ ‬إطارا‭ ‬مؤسساتيا‭ ‬سياسيا‭ ‬وقانونيا‭ ‬لشعب‭ ‬يقبع‭ ‬نصفه‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬والنصف‭ ‬الآخر‭ ‬مشرد‭ ‬لاجئ‭ ‬يعيش‭ ‬غريبا‭ ‬مبعدا‭ ‬عن‭ ‬وطنه‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬واجهت‭ ‬المنظمة‭ ‬تحديات‭ ‬عديدة،‭ ‬وقفت‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الستة‭ ‬الماضية‭.‬

جاء‭ ‬تأسيس‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬معطيات‭ ‬معقدة،‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬ضرورة‭ ‬لحماية‭ ‬تماسك‭ ‬وصمود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومقاومته،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬فلسطين‭ ‬أو‭ ‬خارجها‭. ‬كما‭ ‬تعتبر‭ ‬المنظمة‭ ‬أساس‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬نقطة‭ ‬ارتكازه،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬خلال‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬من‭ ‬تطورات‭ ‬سياسية‭ ‬معقدة‭.‬

خضع‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬لحكم‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬قرونا،‭ ‬ثم‭ ‬رزحوا‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطاني‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬العثمانيين،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬الذي‭ ‬وعدت‭ ‬خلاله‭ ‬حكومة‭ ‬بريطانيا‭ ‬اليهود‭ ‬بوطن‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مؤامرة‭ ‬دولية‭ ‬حيكت‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬اتضحت‭ ‬أول‭ ‬خطواتها‭ ‬بمخرجات‭ ‬إتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو،‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬حدوداً‭ ‬سياسية‭ ‬لفلسطين‭ ‬تسلخها‭ ‬عن‭ ‬امتدادها‭ ‬الجغرافي‭ ‬الطبيعي‭ ‬مع‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭. ‬وترسخت‭ ‬تلك‭ ‬المؤامرة‭ ‬بوضع‭ ‬بريطانيا‭ ‬كسلطة‭ ‬انتدابية‭ ‬على‭ ‬فلسطين،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬وعدها‭ ‬لليهود،‭ ‬لوضع‭ ‬المؤامرة‭ ‬قيد‭ ‬التنفيذ‭. ‬انتهت‭ ‬تلك‭ ‬التطورات‭ ‬بهزيمة‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬وتشريد‭ ‬وتهجير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬دعم‭ ‬غربي،‭ ‬تجسد‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقرار‭ ‬التقسيم‭ ‬عام‭ ‬1947،‭ ‬والذي‭ ‬مهد‭ ‬الطريق‭ ‬لاعتداءات‭ ‬العصابات‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬التالي،‭ ‬وبداية‭ ‬عهد‭ ‬النكبة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬واستكمل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬باعتراف‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬بإسرائيل‭ ‬كدولة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1949،‭ ‬لتكتمل‭ ‬فصول‭ ‬المؤامرة‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬مصحوباً‭ ‬بضعف‭ ‬عربي‭ ‬عام‭ ‬وتشتت‭ ‬قدرات‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬القيادية‭ ‬وتبعثر‭ ‬طاقاتهم‭.‬

خرج‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬نكبة‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬في‭ ‬أضعف‭ ‬حالاتهم،‭ ‬فما‭ ‬بين‭ ‬إحباط‭ ‬الهزيمة‭ ‬وتشرد‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬منهم‭ ‬وعجز‭ ‬قيادتهم،‭ ‬فاقم‭ ‬الضعف‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬خيم‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬من‭ ‬مأساتهم،‭ ‬فوقفت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عند‭ ‬مفترق‭ ‬طريق‭ ‬خطير‭.‬

جاءت‭ ‬المنظمة‭ ‬بعد‭ ‬عقد‭ ‬ونصف‭ ‬تقريبا‭ ‬من‭ ‬النكبة‭ ‬ممثلا‭ ‬شرعيا‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مناطق‭ ‬وجوده،‭ ‬فأعادت‭ ‬ورسخت‭ ‬مفهوم‭ ‬الهوية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬واعتبرت‭ ‬الموجّه‭ ‬الرسمي‭ ‬للسياسة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وأصبح‭ ‬ميثاقها‭ ‬ونظامها‭ ‬الأساس‭ ‬يقوم‭ ‬بوظيفة‭ ‬الدستور،‭ ‬وجسد‭ ‬عمليا‭ ‬واقع‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬سيطرة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬أرضهم‭. ‬فاعترف‭ ‬جميع‭ ‬أعضاء‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬بالمنظمة‭ ‬كممثل‭ ‬شرعي‭ ‬ووحيد‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عام‭ ‬1974،‭ ‬كما‭ ‬أصبحت‭ ‬المنظمة‭ ‬عضواً‭ ‬فيها،‭ ‬وانضمت‭ ‬إلى‭ ‬عضوية‭ ‬منظمة‭ ‬المؤتمر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وأصبحت‭ ‬عضواً‭ ‬مراقباً‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬وعام‭ ‬1976‭ ‬صدر‭ ‬بيان‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬فلسطيني‭ ‬أراض‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬المنظمة‭ ‬تمثلهم‭ ‬أيضا‭.‬

ولم‭ ‬تغير‭ ‬نشأة‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬عام‭ ‬1993‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬وجود‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير،‭ ‬فجاءت‭ ‬السلطة‭ ‬بتكليف‭ ‬من‭ ‬المنظمة‭ ‬نفسها‭ ‬وتحت‭ ‬إشرافها،‭ ‬وضمن‭ ‬مهام‭ ‬إدارية‭ ‬محددة‭ ‬ومؤقتة،‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قائماً‭.‬

ورغم‭ ‬هذه‭ ‬الأهمية‭ ‬وهذا‭ ‬الدور‭ ‬الجوهري‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬كقيادة‭ ‬لكامل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وكنظام‭ ‬سياسي‭ ‬يحفظ‭ ‬الكيانية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مؤامرات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬واجهت‭ ‬المنظمة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬المتتابعة،‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها،‭ ‬التي‭ ‬تنوعت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الدولي‭ ‬والإقليمي‭ ‬العربي‭ ‬والداخلي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وأثرت‭ ‬في‭ ‬قراراتها‭ ‬ونشاطها‭ ‬ودورها‭. ‬اصطدمت‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬منذ‭ ‬ظهورها‭ ‬بخلافات‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حاجة‭ ‬المنظمة‭ ‬وقيادتها‭ ‬إلى‭ ‬الغطاء‭ ‬السياسي‭ ‬والمكاني‭ ‬والمالي،‭ ‬ولتلك‭ ‬الدول،‭ ‬خصوصاً‭ ‬المحيطة‭ ‬بفلسطين،‭ ‬وتمتلك‭ ‬الحدود‭ ‬معها‭.‬

وجاءت‭ ‬المبادرة‭ ‬بإنشاء‭ ‬المنظمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مصر،‭ ‬والتي‭ ‬دعمت‭ ‬أحمد‭ ‬الشقيري‭ ‬ليكون‭ ‬رئيس‭ ‬لجنتها‭ ‬التنفيذية،‭ ‬بينما‭ ‬وقفت‭ ‬سورية‭ ‬ضد‭ ‬ظهورها،‭ ‬وكانت‭ ‬تدعم‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬والتي‭ ‬تمثلت‭ ‬بالهيئة‭ ‬العربية‭ ‬والعليا‭ ‬برئاسة‭ ‬أمين‭ ‬الحسيني،‭ ‬متهمة‭ ‬الشقيري‭ ‬بقربه‭ ‬من‭ ‬مصر‭. ‬وكانت‭ ‬سورية‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬مع‭ ‬مصر،‭ ‬انعكس‭ ‬بمواقفها‭ ‬من‭ ‬ظهور‭ ‬المنظمة‭ ‬بمبادرة‭ ‬مصرية‭. ‬ورفض‭ ‬الأردن‭ ‬فكرة‭ ‬وجود‭ ‬المنظمة‭ ‬كممثل‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬كما‭ ‬تعامل‭ ‬لبنان‭ ‬بحذر‭ ‬مع‭ ‬ظهورها،‭ ‬ورفض‭ ‬وجود‭ ‬قوات‭ ‬المنظمة‭ ‬فوق‭ ‬أراضيها،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حساسية‭ ‬واقع‭ ‬التمثيل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لآلاف‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬صعوبات‭ ‬مالية‭ ‬واجهتها‭ ‬المنظمة‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬حيث‭ ‬تباطأت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬المالية،‭ ‬التي‭ ‬أقرت‭ ‬للمنظمة‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬القمة‭ ‬العربي‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1964‭. ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬وصدور‭ ‬قرار‭ ‬242،‭ ‬ورفض‭ ‬قيادة‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬ممثلة‭ ‬بالشقيري‭ ‬هذا‭ ‬القرار،‭ ‬الذي‭ ‬وافقت‭ ‬عليه‭ ‬غالبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬مصر،‭ ‬انقلب‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬الشقيري،‭ ‬ووضعوا‭ ‬قيادة‭ ‬جديدة‭ ‬للمنظمة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬

كما‭ ‬أنه‭ ‬وبعد‭ ‬توقيع‭ ‬مصر‭ ‬لاتفاق‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬نهاية‭ ‬عقد‭ ‬السبعينيات،‭ ‬بدأت‭ ‬الضغوط‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬المنظمة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬منحى‭ ‬سلمي‭ ‬لحل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وساهمت‭ ‬مصر‭ ‬بلعب‭ ‬ذلك‭ ‬الدور،‭ ‬الذي‭ ‬سيخرجها‭ ‬تلقائياً‭ ‬من‭ ‬المقاطعة‭ ‬العربية‭. ‬وتعمق‭ ‬ذلك‭ ‬الاتجاه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ضغوط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬المنظمة‭ ‬والمساومة‭ ‬على‭ ‬شرعيتها،‭ ‬وترسخ‭ ‬ذلك‭ ‬التوجه‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬لصالحها،‭ ‬فبات‭ ‬التوجه‭ ‬السلمي‭ ‬للمنظمة‭ ‬المخرج‭ ‬الواقعي‭ ‬الوحيد‭ ‬لجميع‭ ‬أزماتها‭.‬

على‭ ‬الصعيد‭ ‬الداخلي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬واجهت‭ ‬المنظمة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬إضعافها،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العسكري‭ ‬بعد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المالي‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬بعد‭ ‬صعود‭ ‬مكانة‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬انتفاضة‭ ‬الحجارة،‭ ‬ورفضها‭ ‬الانضواء‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬المنظمة‭ ‬وإعلانها‭ ‬ميثاقا‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬ميثاق‭ ‬المنظمة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أزمة‭ ‬المنظمة‭ ‬الكبرى‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬قيام‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية‭. ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬سيادة‭ ‬وسمو‭ ‬المنظمة‭ ‬قانونياً‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬فقد‭ ‬تشكلت‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عام‭ ‬1993،‭ ‬بعد‭ ‬رسائل‭ ‬الاعتراف‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬اعترفت‭ ‬خلالها‭ ‬المنظمة‭ ‬بحق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الوجود،‭ ‬بينما‭ ‬اعترفت‭ ‬الثانية‭ ‬بالمنظمة‭ ‬ممثلاً‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

ونص‭ ‬إعلان‭ ‬المبادئ،‭ ‬الذي‭ ‬وقعته‭ ‬المنظمة على‭ ‬إنشاء‭ ‬حكومة‭ ‬ذاتية‭ ‬انتقالية،‭ ‬فترة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬الخمس‭ ‬سنوات،‭ ‬كما‭ ‬تشبثت‭ ‬قيادة‭ ‬المنظمة‭ ‬باستخدام‭ ‬مصطلح‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬اتفاق‭ ‬غزة‭ ‬ـ‭ ‬أريحا‭ ‬تيمناً‭ ‬بما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬المنظمة‭ ‬للنقاط‭ ‬العشر‭. ‬وجاء‭ ‬إقرار‭ ‬المنظمة‭ ‬بإقامة‭ ‬السلطة‭ ‬بعد‭ ‬مصادقة‭ ‬المجلس‭ ‬المركزي‭ ‬للمنظمة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬التالي‭ ‬لإعلان‭ ‬المبادئ،‭ ‬حيث‭ ‬فوّض‭ ‬المجلس‭ ‬المركزي‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬بتشكيل‭ ‬السلطة،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المنظمة‭ ‬مرجعيتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أعاد‭ ‬القانون‭ ‬الأساس‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬للتأكيد‭ ‬عليه‭.‬

ونصت‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الاتفاقية‭ ‬المرحلية‭ ‬والتي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬عام‭ ‬1995‭ ‬التزام‭ ‬المنظمة‭ ‬بإجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬سياسية‭ ‬عامة‭ ‬لمجلس‭ ‬السلطة‭ (‬المجلس‭ ‬التشريعي‭) ‬ولرئيسها،‭ ‬مع‭ ‬تأكيد‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬بديلاً‭ ‬عن‭ ‬المنظمة‭. ‬واعتبر‭ ‬قانون‭ ‬الانتخابات‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الصادر‭ ‬نهاية‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬أن‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬هم‭ ‬أيضاً‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬المجلس‭ ‬التشريعي‭ ‬يعمل‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬صلاحيات‭ ‬المجلس‭ ‬التشريعي‭ ‬محددة‭ ‬ضمن‭ ‬فترة‭ ‬انتقالية‭ ‬وضمن‭ ‬نطاق‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬احتفظ‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬بصفته‭ ‬التشريعية‭ ‬والتمثيلية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬كله‭.‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬التهميش‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بدور‭ ‬المنظمة‭ ‬لصالح‭ ‬السلطة،‭ ‬فاشترطت‭ ‬المنظمة‭ ‬عندما‭ ‬أقرت‭ ‬إقامة‭ ‬السلطة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رئيس‭ ‬السلطة‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية،‭ ‬وأن‭ ‬تتشكل‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أعضائها،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬ازدواجية‭ ‬وخلط‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬دور‭ ‬المؤسستين،‭ ‬لغير‭ ‬صالح‭ ‬المنظمة،‭ ‬فأصبحت‭ ‬السلطة‭ ‬بكوادرها‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬صاحبة‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الحقيقي،‮ ‬في‭ ‬حين‭ ‬حيدت‭ ‬المنظمة‭ ‬وباتت‭ ‬مجرد‭ ‬هيكل‭ ‬صوري‭. ‬وكشف‭ ‬نجاح‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬عام‭ ‬2006‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬أزمة‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ضمن‭ ‬المعطيات‭ ‬التي‭ ‬ترسخت‭ ‬بعد‭ ‬أوسلو‭.‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬حل‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬المأزق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الحالي‭ ‬وحالة‭ ‬التقييد‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬الاحتلال‭ ‬للضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭ ‬وحالة‭ ‬الانقسام‭ ‬الحاصل‭ ‬بين‭ ‬الشطرين،‭ ‬إلا‭ ‬باستعادة‭ ‬المنظمة‭ ‬لدورها‭ ‬التمثيلي‭ ‬والسياسي‭ ‬والقانوني‭ ‬واستكمال‭ ‬إصلاح‭ ‬مؤسساتها‭. ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المنطقي‭ ‬أو‭ ‬المقبول‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬دور‭ ‬المنظمة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬آجله‭.‬

إن‭ ‬الصيغة‭ ‬التكاملية‭ ‬وتقسيم‭ ‬العمل‭ ‬بين‭ ‬صلاحيات‭ ‬المنظمة‭ ‬السيادية‭ ‬والقيادية‭ ‬وصلاحيات‭ ‬السلطة‭ ‬الإدارية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إعادة‭ ‬تحديد‭ ‬وظيفتها‭ ‬ومهامها،‭ ‬هي‭ ‬طريق‭ ‬مهم‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭.‬

 

{‭ ‬كاتبة‭ ‬وباحثة‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا