مما يميز توجه مملكة البحرين نحو التكنولوجيا المالية، أن المملكة تنطلق من رؤية شمولية تستهدف تحقيق التنمية الاقتصادية الذكية الشاملة، وهي بذلك توظف مختلف الأدوات والامكانات والتقنيات المتاحة للوصول إلى هذا الهدف بأسرع وقت، وبأكبر عائد، وبأقل قدر من التضحيات، وبما يقود إلى دمج التكنولوجيا المعاصرة ضمن السلوك الاستراتيجي لقطاعاتها الاقتصادية، بالشكل الذي ينجم عنه استدامة التنمية في تلك القطاعات، وترقية إداء الحكومة والمؤسسات بشقيها العام والخاص، وبما يسهم في خلق قيمة مضافة عالية تعوض عن نقص الموارد المالية المتأتية من مصادر ريعية تقليدية (كالنفط والغاز) مثلا، وتنويع مصادر الدخل من الموارد المتجددة، فضلا عن الارتقاء بالموارد البشرية بما يجعل منها خالقة للثروة المستدامة، انطلاقا من الاهتمام الذي توليه قيادة البلاد الرشيدة بالتطورات العالمية المعاصرة في القطاع المالي والمصرفي والاستثماري وانعكاساتها على القطاعات الاستثمارية، باعتبارها جزءا من استراتيجية المملكة الاقتصادية القائمة على تنويع مصادر الدخل، وخلق بيئة جاذبة للاستثمار، وتوفير فرص عمل نوعية مرتفعة الدخل لمواطنيها، علاوة على ان الاهتمام والتركيز على القطاع المالي والمصرفي اضحى جزءا من رسالة البلاد الحضارية الاقتصادية والمالية المعاصرة. وهذا ما يتضح من استراتيجية مملكة البحرين لتطوير الخدمات المالية للسنوات (2022-2026) والتي تكتسب اهمية خاصة بين استراتيجيات تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى في مرحلة التعافي في المملكة، والتي أكدت دعم القطاع المالي والتقني مقرونا بوضع خطط وبرامج وطنية للتأهيل التكنولوجي للداخلين إلى سوق العمل بمختلف التخصصات والقطاعات، عبر ترقية نظم التعليم والتدريب والتأهيل لتواكب، إن لم تسبق، متطلبات أسواق العمل الجديدة، وبما يؤدي إلى تبديد القلق المشروع لدى شرائح اجتماعية واسعة من أن يؤدي التوجه نحو التكنولوجيا المالية والاقتصاد التكنولوجي الرقمي عامة إلى تقليص فرص العمل، وترسيخ فكرة ان التكنولوجيا المالية تحفز التنوع الاقتصادي والنمو المنشئ لفرص العمل، وتلعب دورا مهما في تشجيع الابتكار في المنتجات الاستثمارية وخدمة العملاء، وغيرها من المجالات بما يسهم في تعزيز بيئة شاملة للتطور التكنولوجي والاستثماري، بين الشركات ورواد الاعمال الشباب على وجه الخصوص، اعتمادا على تسهيلات التكنولوجيا المالية بما يمكنهم من الوصول إلى تمويل آمن وسريع للعديد من الفرص الاستثمارية الذكية.
وبذلك ستبقى مملكة البحرين سباقة دائما في وضع الحلول المناسبة للتحديات المستجدة في عالم الصناعة والاعمال والتنمية المستدامة، ويمكن تلمس ذلك من خلال ما شهدته السنوات القليلة الماضية من تسارع التحول نحو رقمنة الخدمات المالية والاقتصادية إلى جانب النشاطات الاجتماعية، وبوتيرة غير مسبوقة. وتبني تطبيقات التكنولوجيا المالية بمختلف مستوياتها وانماطها مثل الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والخدمات السحابية، الأمن السيبراني، ومنصات تداول الأصول الافتراضية، والتكنولوجيا العقارية، علاوة على الجيل الأول من خدمات التكنولوجيا المالية كالمدفوعات والتحويلات، والتمويل الشخصي، وتمويلات المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، وخدمات إدارة الثروات، خدمات البلوك تشين، وتكنولوجيا التأمين، والاستشارات، والتمويل العقاري، فضلا عن خدمات التكنولوجيا التنظيمية والرقابية، وتحليل الأسواق، وحلول البنية التحتية المالية. وقد وفرت المملكة بيئة تنظيمية واجتماعية حاضنة ومؤصلة للتكنولوجيا المالية ليس في القطاع المالي والاقتصادي فحسب، بل في مختلف قطاعات المجتمع البحريني وفي مقدمتها القطاعات التعليمية والثقافية والإدارة العامة ومنظمات المجتمع المدني المختلفة. وقد استحوذت التكنولوجيا المالية بشكل أو بآخر على قدر واسع من الملتقيات العلمية والمؤتمرات والندوات التي تنظم في المملكة، فيما لعب خليج البحرين للتكنولوجيا المالية، دورا حيويا واسع التأثير في استقطاب المزيد من اللاعبين الأساسيين في مجال تطبيقات التكنولوجيا المالية المبتكرة والناشئة، والمتمثلة في مسرعات وحاضنات الأعمال ورؤوس الأموال، لأجل خلق نظام مالي تقني متكامل قائم على تطبيقات التكنولوجيا المالية المعاصرة وبما ينسجم مع تطلع المملكة إلى الاستفادة من الفرص وإمكانيات النمو الكبيرة في هذا القطاع. وقد تميز مصرف البحرين المركزي في خطواته الواثقة وإنجازاته المميزة لمواجهة تحديات التكنولوجيا المالية واقتناص فرصها على الصعيد الوطني والتعاون مع البنوك المركزية الخليجية والعربية والعالمية وتعزيز الاستقرار المالي والنقدي. وعلى صعيد موقف مصرف البحرين المركزي من العملات الافتراضية فإنه يعدها أصولا عالية المخاطر، ويحذر مواطنيه من مخاطر التعامل والتداول والاستثمار فيها، إلا أنه لا يمنعهم من ذلك، كما أنه صرح لشركة زين بفتح منصة لها في البحرين للتداول والاستثمار بالعملات الافتراضية. بالإضافة إلى ان مصرف البحرين المركزي يسعى لإصدار دينار رقمي بحريني يتضمن المزايا والمرونات التي توفرها العملات الافتراضية، لكنه مضمون ومؤمن ومحمي من قبله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك