تُعد الأخلاق عماد المجتمع وأساسا لاستقامته وركنا أساسيا من أركان الوجود الاجتماعي ونسقا حيويا في نسيج الحياة الإنسانية فهي نظام من القيم يوجه حياة الفرد وينهض بها إلى أرقى مستوياتها الإنسانية، فتجسيد القيم والفضائل جوهر الحياة الأخلاقية وغايتها، وعليه تولي المجتمعات أهمية بالغة للأخلاق لأن غيابها أو تدهورها يؤدي إلى تصدع المجتمع وانهياره فتغيب عنه مظاهر الانسجام والوحدة والتماسك والقوة ويعم به الفساد وينزلق في وحل التخلف الثقافي والحضاري مفتقرا إلى صمام الأمن والأمان.
وفي ظل العولمة والانفتاح على الثقافات وغياب الرقابة على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وانتشار أعراف وعادات غير سوية في البيئة والمجتمع، بات تعزيز منظومة الأخلاق عند النشء ضرورة ملحة في الأسرة وفي المدرسة لدورها المهم في تنمية القيم في بيئة ديمقراطية تحرص على نمو متعلميها نفسيا واجتماعيا وفكريا وأخلاقيا.
فالنمو المستمر غاية التربية والتعليم، وبناء الطبع أو الخلق هدف شامل من أهداف التعليم والانضباط المدرسي وفق ما دعا إليه جون ديوي أحد أبرز الفلاسفة ومؤسسي الفكر البراجماتي الأمريكي الذي نادى بضرورة تخفيف حدة التوتر في الحياة الاجتماعية السائدة بجعل البيئة مصدرا أداتيا لغرس المعايير الأخلاقية في النفوس البشرية. وهدفه تغيير القيم في المجتمعات الإنسانية باتخاذ الفكر أداة للعمل على نحو يحقق للإنسان ما يبتغيه.
فقد كان ديوي يؤمن بأن كل شيء في حياة الإنسان قابل للتغيير إن دعت الضرورة إلى تغييره ولا يجوز أن يقف شيء حائلا في وجه الإصلاح. واعتبر التربية موروثا ثقافيا وعملية تجدد وحياة واهتمام بحاضر المتعلم ومستقبله أو إنها «النمو» أو إنها التوجيه الاجتماعي. ويرى أن أهم مشكلة للتربية الخلقية في المدرسة تتصل بالعلاقة بين المعرفة والسلوك فإذا كان التعلم الذي يتم من خلال المقرر الدراسي المنتظم لم يكن مؤثرا في الطبع فلا جدوى من تصور الغاية الخلقية كغاية توحد التربية. وهنا يكمن السؤال كيف كان «جون ديوي» ينظر إلى الأخلاق؟
اعتمد في شرحه لنظريته الأخلاقية على ثلاثة مقاصد: أولها إن الأخلاق إنسانية وثانيهما إن الأخلاق ظاهرة اجتماعية وإن المنفعة العملية هي مقياس الحق من الباطل بما يترتب عليها من آثار في السلوك تسهم في حل المشاكل القائمة أو في النمو، وهذا هو معيار الحقائق ومقياس القيم جميعا. ويعد الاتصال والتغيير المستمر الناشئ عن الخبرة مقياس الخير ومعاييره. وأن التجربة أو الخبرة الواعية للإنسان هي المقياس الوحيد للوجود المادي أو «التقويم» ويرى أنه إذا كانت موازين الأخلاق منحطة فذلك ناشئ من نقص التربية التي يتلقاها الفرد في تفاعله مع بيئته الاجتماعية، فالأخلاق ليست اجتماعية فقط في نظره بل تمثل عنده مسؤولية وإنجازا فرديا».
وهنا يمكن القول إن الإنسان يتأثر بأخلاق مجتمعه لكن سرعان ما نجد أنه يشق طريقا خاصا به ويصبح سيد أخلاقه. فالعقل أداة لترقية الحياة وليس وسيلة للمعرفة، وجوهر العمل قائم بحرية الأفراد وتحملهم المسؤولية الأخلاقية. وأن التفكير أداة للسيطرة على البيئة، وهذه السيطرة تتم عن طريق أفعال، فالتربية ليست إلا استجابة لما يحدث في المجتمع فكيف يمكن لها أن تحقق أبعادا اجتماعية؟
لتحقيق ذلك لا بد من التركيز على دور المدرسة وجعل بيئتها تتسم بالحيوية والواقعية تتيح التفاعل للفرد وبيئته لاكتساب خبرة التعلم، والاهتمام بالصفات التي تنمي المتعلم كصفات الخلق، وتوجيه ميول النشىء، وتعزيز التعاون والتواصل، وجعل التعلم فيها متصلا ومطردا مع التعلم في الخارج لأن انعزالها يجعل المعرفة غير قابلة للتطبيق على الحياة وعقيمة من حيث تكوين الطبع أو الخلق فالانضباط والثقافة والفاعلية الاجتماعية سمات خلقية وعلامات أن الفرد عضو قيم في مجتمعه وشأن التربية أن تحرص على تقدمه.
ويرى أن موضوع الأخلاق هو سلوك الناس «اإذ يقوم بتحليل الطبيعة البشرية وفق ثلاثة أسس وهي الدافع والعادة والذكاء وثالثا يعتبر الأخلاق بأنها يمكن بحثها علميا وضبطها وتوجيهها كما تبحث سائر العلوم الطبيعية، وأن البحث ذا الطابع الأخلاقي، أساس لكل تقدم إنساني ومصدر خصب للنمو البشري، ولتجدد المستمر للقيم.
{ دكتوراه في القيادة والإدارة
التربوية – جامعة القدس
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك