يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
العدل.. العدل.. العدل
تحدثت امس عن التحليل الذي نشرته مؤخرا صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية عن أوجه الخلل في أمريكا الحالية وما اعتبره مظاهر انهيار.
كاتبة التحليل جيليان تيت تتساءل: ما الذي يفسر هذا الخلل في أمريكا؟
تقول إنه «كثيرا ما يقال لنا إن السياسة الأمريكية في قبضة قوى الظلام التي يغذيها التلاعب السياسي والتكنولوجيا العملاقة حيث إن المعلومات المضللة تقوض الديمقراطية». والكاتبة تتحدث هنا عما يعتبره كثيرون دورا مهيمنا للدولة العميقة بمؤسساتها وأجهزتها وأذرعها المختلفة في أمريكا.
وتعتبر الكاتبة ان هذا التفسير قد يكون جزئيا صحيحا لكنه بالتأكيد لا يقدم التفسير الأساسي لما تشهده أمريكا من انهيار.
في تقديرها ان التفسير الأساسي يمكن ان نجده في بعض الأفكار التي قدمها عالم الأحياء بيتر تورشين، الذي يستخدم البيانات الضخمة لدراسة النظم البيئية، وتحليل صعود وهبوط المجتمعات المعقدة.
يقول التحليل أن تورشين يستخدم المعلومات الاقتصادية والاجتماعية التاريخية لاستكشاف دورات الاقتصاد السياسي على مدى آلاف السنين حول العالم. وقاده هذا إلى استنتاج مفاده أن هناك نمطا أساسيا، وهو أن النخبة تستحوذ على السلطة، ثم مع مرور الوقت تحاول حماية ذلك من خلال الاستيلاء على المزيد والمزيد من الموارد. وينتهي هذا الأمر حتما بترك الفقراء أفقر، وهذا بدوره يؤدي إلى الإحباط الشديد والقلق والاقتتال الداخلي.
وتضيف الكاتبة أن ذلك «يؤدي إلى انفجار اجتماعي وتفكك سياسي». وبحسب تورشين فإن مثل هذه التحولات تحدث عادة كل 100 عام تقريبا في المجتمعات المعقدة. وقد توقع قبل انتخاب ترامب في عام 2016 أن الولايات المتحدة وأوروبا الغربية متجهتان إلى «عشرينيات مضطربة».
على ضوء هذا تعتبر الكاتبة ان الانهيار في أمريكا قد يكون حتميا وان شخصية مثل ترامب هي «أحد أعراض الاضطرابات الأمريكية وليست سببا لها».
طبعا هذه النظرية للعالم التي يستشهد بها التحليل ليست جديدة. فقد سبق ان ناقش مفكرون وعلماء كثيرون قضية أسباب صعود وانهيار الأمم والدول في مقدمتهم ابن خلدون وارنولد توينبي وغيرهما. وقد سبق ان ناقشت أفكار هؤلاء في تحليلات مطولة في اخبار الخليج.
السؤال المهم هو: ما هو الطريق لتجنب هذا المصير؟.. لتجنب الانفجارات الاجتماعية وتفكك الدول وانهيارها سواء تعلق الأمر بأمريكا او بغيرها؟
في رأي هذا العالم ان الطريقة الوحيدة لتغيير هذا المسار هي «باستخدام نظام إعادة التوزيع للموارد لتقليل عدم المساواة بين المواطنين».
وفي نفس هذا السياق حذر ملياردير الصناديق الاستثمارية راي داليو، من أن تزايد عدم المساواة يمكن أن يؤدي إلى حدوث انفجارات اجتماعية.
الحقيقة انه بعيدا عن هذه الآراء التي اوردها التحليل، فإن كل من يتابع الجدل في أوساط المفكرين والباحثين من كل التوجهات الفكرية في العالم حول أزمات الدول والمشاكل التي تعصف بها في الوقت الحاضر وانهيار بعضها سيجد ان هناك اجماعا على المخرج الأساسي من كل هذا يتمثل في كلمة واحدة هي العدل.
بعبارة أخرى فإن تحقيق المساواة والعدل بمعناه الشامل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي هو الطريق الوحيد لتجنب الانفجارات الاجتماعية والفوضى وتفكك الدول وانهيارها.
«العدل أساس الملك». هذه مقولة عربية شهيرة.
والعدل ليس أساس الملك فقط، هو أساس حفظ كيان الدول والمجتمعات والحيلولة دون انهيارها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك