العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

العدل.. العدل.. العدل

‭   ‬تحدثت‭ ‬امس‭ ‬عن‭ ‬التحليل‭ ‬الذي‭ ‬نشرته‭ ‬مؤخرا‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬فاينانشيال‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬عن‭ ‬أوجه‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الحالية‭ ‬وما‭ ‬اعتبره‭ ‬مظاهر‭ ‬انهيار‭.‬

كاتبة‭ ‬التحليل‭ ‬جيليان‭ ‬تيت‭ ‬تتساءل‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يفسر‭ ‬هذا‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬أمريكا؟‭ ‬

تقول‭  ‬إنه‭ ‬‮«‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬لنا‭ ‬إن‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬قوى‭ ‬الظلام‭ ‬التي‭ ‬يغذيها‭ ‬التلاعب‭ ‬السياسي‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬العملاقة‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬تقوض‭ ‬الديمقراطية‮»‬‭. ‬والكاتبة‭ ‬تتحدث‭ ‬هنا‭ ‬عما‭ ‬يعتبره‭ ‬كثيرون‭ ‬دورا‭ ‬مهيمنا‭ ‬للدولة‭ ‬العميقة‭ ‬بمؤسساتها‭ ‬وأجهزتها‭ ‬وأذرعها‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭.‬

‭ ‬وتعتبر‭ ‬الكاتبة‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬جزئيا‭ ‬صحيحا‭ ‬لكنه‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬التفسير‭ ‬الأساسي‭ ‬لما‭ ‬تشهده‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬انهيار‭.‬

في‭ ‬تقديرها‭ ‬ان‭ ‬التفسير‭ ‬الأساسي‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬نجده‭ ‬في‭  ‬بعض‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬عالم‭ ‬الأحياء‭ ‬بيتر‭ ‬تورشين،‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬البيانات‭ ‬الضخمة‭ ‬لدراسة‭ ‬النظم‭ ‬البيئية،‭ ‬وتحليل‭ ‬صعود‭ ‬وهبوط‭ ‬المجتمعات‭ ‬المعقدة‭.‬

يقول‭ ‬التحليل‭ ‬أن‭ ‬تورشين‭ ‬يستخدم‭ ‬المعلومات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التاريخية‭  ‬لاستكشاف‭ ‬دورات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬وقاده‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬استنتاج‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نمطا‭ ‬أساسيا،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬النخبة‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬ثم‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬تحاول‭ ‬حماية‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬الموارد‭. ‬وينتهي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬حتما‭ ‬بترك‭ ‬الفقراء‭ ‬أفقر،‭ ‬وهذا‭ ‬بدوره‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الإحباط‭ ‬الشديد‭ ‬والقلق‭ ‬والاقتتال‭ ‬الداخلي‭.‬

وتضيف‭ ‬الكاتبة‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انفجار‭ ‬اجتماعي‭ ‬وتفكك‭ ‬سياسي‮»‬‭. ‬وبحسب‭  ‬تورشين‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭  ‬تحدث‭ ‬عادة‭ ‬كل‭ ‬100‭ ‬عام‭ ‬تقريبا‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المعقدة‭. ‬وقد‭ ‬توقع‭ ‬قبل‭ ‬انتخاب‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬متجهتان‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬عشرينيات‭ ‬مضطربة‮»‬‭.‬

على‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬تعتبر‭ ‬الكاتبة‭ ‬ان‭ ‬الانهيار‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬حتميا‭ ‬وان‭ ‬شخصية‭ ‬مثل‭ ‬ترامب‭ ‬هي‭ ‬‮«‬أحد‭ ‬أعراض‭ ‬الاضطرابات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وليست‭ ‬سببا‭ ‬لها‮»‬‭. ‬

طبعا‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬للعالم‭ ‬التي‭ ‬يستشهد‭ ‬بها‭ ‬التحليل‭ ‬ليست‭ ‬جديدة‭. ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬ان‭ ‬ناقش‭ ‬مفكرون‭ ‬وعلماء‭ ‬كثيرون‭ ‬قضية‭ ‬أسباب‭ ‬صعود‭ ‬وانهيار‭ ‬الأمم‭ ‬والدول‭  ‬في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬وارنولد‭ ‬توينبي‭ ‬وغيرهما‭. ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬ان‭ ‬ناقشت‭ ‬أفكار‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬تحليلات‭ ‬مطولة‭ ‬في‭ ‬اخبار‭ ‬الخليج‭.‬

السؤال‭ ‬المهم‭ ‬هو‭: ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الطريق‭ ‬لتجنب‭ ‬هذا‭ ‬المصير؟‭.. ‬لتجنب‭ ‬الانفجارات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتفكك‭ ‬الدول‭ ‬وانهيارها‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بأمريكا‭ ‬او‭ ‬بغيرها؟

في‭ ‬رأي‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬ان‭ ‬الطريقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬لتغيير‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬هي‭ ‬‮«‬باستخدام‭ ‬نظام‭ ‬إعادة‭ ‬التوزيع‭ ‬للموارد‭ ‬لتقليل‭ ‬عدم‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬نفس‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬حذر‭  ‬ملياردير‭ ‬الصناديق‭ ‬الاستثمارية‭ ‬راي‭ ‬داليو،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تزايد‭ ‬عدم‭ ‬المساواة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬انفجارات‭ ‬اجتماعية‭.‬

الحقيقة‭ ‬انه‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الآراء‭ ‬التي‭ ‬اوردها‭ ‬التحليل،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬من‭  ‬يتابع‭ ‬الجدل‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬المفكرين‭ ‬والباحثين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التوجهات‭ ‬الفكرية‭  ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حول‭ ‬أزمات‭ ‬الدول‭ ‬والمشاكل‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بها‭  ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬وانهيار‭ ‬بعضها‭ ‬سيجد‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬اجماعا‭ ‬على‭ ‬المخرج‭  ‬الأساسي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭ ‬العدل‭.‬

بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬تحقيق‭ ‬المساواة‭ ‬والعدل‭ ‬بمعناه‭ ‬الشامل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬هو‭ ‬الطريق‭ ‬الوحيد‭ ‬لتجنب‭ ‬الانفجارات‭ ‬الاجتماعية‭  ‬والفوضى‭ ‬وتفكك‭ ‬الدول‭ ‬وانهيارها‭.‬

‮«‬العدل‭ ‬أساس‭ ‬الملك‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬مقولة‭ ‬عربية‭ ‬شهيرة‭. ‬

والعدل‭ ‬ليس‭ ‬أساس‭ ‬الملك‭ ‬فقط،‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬حفظ‭ ‬كيان‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬انهيارها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا