سألوه عن المد الأحمر، فقال هذا في الاتحاد السوفيتي.
سألناهم عن (لا شرقية ولا غربية) قالوا هذا في منظمة عدم الانحياز (والمد الأحمر كما نعلم ظاهرة في البحر).
سألنا عالم النبات عن (لَا شَرۡقِيَّة وَلَا غَرۡبِيَّة) قال هذا يتحقق عندما تكون الشجرة (لَا شَرۡقِيَّة وَلَا غَرۡبِيَّة) إذا كان المكان الذي تنبت فيه يتعاقب عليه ضوء الشمس طوال اليوم، وذلك أجود لحملها وأصفى دهنا (معجم النبات من قاموس القرآن الكريم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي).
ونعت الزيتونة بأنها (لَا شَرۡقِيَّة وَلَا غَرۡبِيَّة) يراد به والله أعلم أن زيتها أجود الزيوت، وأكثرها صفاء، وأشدها إضاءة (وأقلها دخانا)، وقد اختلف المفسرون في معنى ذلك، ولكنها آراء اجتهادية تبتعد كثيرا عن الحقيقة العلمية.
قالت الزيتونة هذا الاختلاف أمر فطري، لأن القول معجز وغير قطعي الدلالة، وقدر الله ذلك لتكون العبارة مفتوحة للعقول وللدراسات العلمية المستقبلية، وكذلك القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء، المهم أن تقدروا نعمة الله عليكم في خلق الثمر.
فما رأيك وأنت مختص في علم النبات؟!
أقول لكم: إن قول الله تعالى: (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٖ مُّبَرَكَة زَيۡتُونَة لَّا شَرۡقِيَّة وَلَا غَرۡبِيَّة يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٞۚ نُّورٌ عَلَى نُورٖۚ يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ) النور (35).
المعلوم علميا أن للضوء والحرارة تأثيرا بالغا وأساسا في عملية البناء الضوئي، وتكوين الغذاء على الأرض، وهي أهم عملية تتم على سطح الأرض، فهي أساس تثبيت الطاقة الشمسية وتحويلها من طاقة ضوئية وحرارية إلى طاقة كيميائية في صورة مواد نشوية في النبات، هذه الطاقة مخزنة في الروابط الكيميائية في المواد الكربوهيدراتية المتكونة، ثم يحول النبات بعمليات حيوية مقدرة ومعقدة ومنظمة في دورات حيوية معجزة، يحولها إلى مواد دهنية وبروتينية ومنتجات نباتية ويستغلها النبات في الإنبات والنمو والإزهار والإثمار وإنتاج كل المواد النباتية.
وفي شجرة الزيتون، يتكون النشا أولا بالبناء الضوئي، ثم يتحول بعد ذلك بعمليات حيوية معجزة ومعقدة ومقدرة تقديرا دقيقا إلى الأحماض الدهنية والجليسرول، واللذين يتحدان في دورات حيوية بنسب محددة لا يعطيان زيت الزيتون.
وللضوء والحرارة تأثير بالغ في جودة المنتجات النباتية، وقد ثبت أن شجرة الزيتون المزروعة بعيدا عن التظليل وهي (لَا شَرۡقِيَّة وَلَا غَرۡبِيَّة) تعطي أجود أنواع زيت الزيتون وأنقاه، وهذا إعجاز قرآني عظيم.
سأل سائل هل هناك إعجاز علمي آخر في الزيتون في القرآن الكريم؟!
قلنا له قال الله تعالى: (وَشَجَرَةٗ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَيۡنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهۡنِ وَصِبۡغٖ لِّلۡأٓكِلِينَ) المؤمنون (٢٠).
هذا يعني أن ثمار الزيتون بها أصباغ للآكلين وأرجع ابن عباس رضي الله عنه لون البشر في الإنسان إلى هذا الصبغ.
فما هو الإعجاز في قوله تعالى (وَشَجَرَةٗ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَيۡنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهۡنِ وَصِبۡغٖ لِّلۡأٓكِلِينَ) المؤمنون (٢٠).
أقول وبالله التوفيق:
لقد احتار العلماء في الباء في كلمة (بِٱلدُّهۡنِ) وقال بعضهم إنها زائدة، والمعلوم أن من بلاغة القرآن فإنه لا توجد به حروف زائدة.
وقد حلت الاكتشافات العلمية هذه القضية فثمار الزيتون تحتوي بذور الزيتون التي تحتوي الجنين، والمواد الغذائية المدخرة لوقت الإنبات، والمعلوم أن المواد الغذائية المدخرة في الزيتون هي الدهن، وقد اكتشف حديثا دورة جليكوزيليت عام (1956 م) يتم فيها تحويل جنين البذور والحبوب المدخر فيها الدهن للجنين، مقدرة جنين هذه البذور والحبوب على تحويل الدهن إلى خلات نشطة، وهي مادة كربوهيدراتية تدخل إلى دورة كربس وأيض الكربوهيدرات لتعطي الطاقة للجنين، وهذا إعجاز عظيم في هذه الآيات العظيمة.
ومن الإعجاز العلمي في قوله تعالى: (وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَبِهٍۗ) الأنعام (٩٩) وقوله تعالى: (وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَبِهٖۚ) الأنعام (١٤١).
قال الأستاذ الدكتور كمال الدين البتانوني رحمه الله في معجم النبات من قاموس القرآن الصادر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي قال: «في آياتي سورة الأنعام ذكر سبحانه أنه أنبت الزيتون والرمان متشابها وغير متشابه، فإننا نحار حين نحاول التفريق بين سلالات مختلفة من الزيتون أو الرمان دون وجود الثمر، فالأوراق متشابهة متماثلة، والشكل العام للشجرة لا يختلف، ولكن ثمار كل صنف وسلالته تختلف عن ثمار الصنف الآخر أو السلالة الأخرى (لنفس الجنس) أي أنه لا يمكن التمييز بينها -غالبا- (والقطع بذلك) إلا بعد الإثمار.
فالمتشابه وغير المتشابه يقصد بها والله أعلم-السلالات والأصناف في (كل) من الزيتون والرمان، فقد يتشابه شكل الأوراق والفروع في شجرتين، ولكن توجد فروق بين ثمارها من حيث الحجم واللون والطعم (والتركيب الكيماوي الحيوي) (أ. هـ).
قال أحدهم وما رأيك أنت صاحب اختصاص في علم النبات في هذا التفسير من الناحية العلمية؟!
أقول هذا فتح علمي متميز الفاصلة وحقائق نباتية ثابتة بالتجارب العملية الميدانية والمختبرية فالشكل الظاهري لنا بات الجنس النباتي الواحد (الزيتون أو الرمان أو الجوافة أو المانجو مثلا) متشابه بدرجة يصعب التفريق بين الأشجار، وهذا التفريق يقطع به عند نضج الثمار، وبنظرة إلى ثمار تلك النباتات في الأسواق نجد التباينات بين الأصناف والسلالات للجنس الواحد، فرمان الطائف يختلف عن رمان اليمن، يختلف عن رمان مصر، يختلف عن رمان إسبانيا، فهي أصناف متشابهة في الشكل الظاهري للأوراق والفروع، ومختلفة في الثمار اختلافا بينا في الشكل واللون والطعم.
ونفس الشيء نجده في الزيتون حيث التشابه الظاهري للأوراق والفروع والجذوع، والتباين والاختلاف الواضح بين الثمار في الأصناف والسلالات المختلفة ونفس الشيء في أشجار التوب الأبيض والأسود.
قال الدوس ميكبلي في كتابه شجرة الزيتون: «لو كنت أستطيع الرسم، وكان لدي الوقت الكافي، لقد قضيت عدة سنوات وأنا أرسم لوحات تصور شجر الزيتون، فكان هناك أشكال (وثمار) مختلفة لشجرة واحدة هي شجرة الزيتون (أورده الدكتور حسان شمسي في كتابه زيت الزيتون بين الطب والقرآن).
بعد هذا الكلام وجب علينا وصف الشكل الظاهري لشجرة الزيتون:
الزيتونة شجرة قائمة دائمة الخضرة يصل ارتفاعها إلى (١٥) مترا، أوراقها بسيطة معنقة سهمية، متقابلة، ذات لون أخضر داكن (زيتوني)، تخرج من آباطها البراعم الزهرية في نورات يصل عدد أزهارها من (١٠) إلى (٤٠) زهرة، وثمرة الزيتون ثمرة غضة، حسلية يتميز غلافها الخارجي بأنه جلدي رقيق، والطبقة المتوسطة شحمية، أما الطبقة الداخلية فخشبية سميكة بداخلها بذرة إندوسبرمية، وتكون الثمرة في البداية خضراء داكنة ثم تتحول إلى سوداء بعد نضجها وأحيانا تصبح قرمزية اللون.
قال وكيع يصف الزيتون:
انظر إلى زيتوننا فيه شفاء المهج
بدا لنا كأعين شهل ذات دعج
مخضرة زبرجد مسودة من سبح
وماذا عن التحليل العلمي لثمار الزيتون؟
كل مائة جرام من ثمار الزيتون بها:
بروتينات (١.٥) جرام
زيت (١٢.٥) جراما
مواد سكرية (٤) جرامات
وبها البوتاسيوم، والكالسيوم، والمغنيسيوم، والفوسفور والحديد والنحاس والألياف والكاروتين وفيتامين (A).
وزيت الزيتون يحتوي الأحماض الدهنية التالية:
حمض أولييك Olic Acid
حمض بالمتيك Palmitic Acid
حمض لينولييك Linoleic Acid
حمض ستياريك Stearic Acid
حمض ميرستك Myristic Acid
المراجع
-آيات معجزات من الشكل الظاهري للنبات، نظمي خليل أبو العطا موسى.
-معجم النبات من قاموس القرآن الكريم، مؤسسة التقدم العلمي بالكويت.
والحمد لله رب العالمين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك