بقلم: مروة سلامة إبراهيم
جاء الإسلام الحنيف ليرسي مبادئ راقية، وعادلة، وحافظة لماء الوجه، وحافظة للجهد، في تحصيل المال وعدم الأكل من عَرق الآخرين، وكلها تُعلم الإنسان العزة والكرامة والعفاف من خلال مبدأين مهمين:
الأول: إن أساس الكسب في الإسلام هو العمل، وأنه على المسلم أن يمشي في مناكب الأرض، ويبتغي من فضل الله، يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك: 15) ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لأنْ يَحْتَطِب أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِه، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ» (رواه البخاري)، وتأكيدا لهذا المبدأ جعل النبي عليه السلام مَن يخرج ليعمل ويتكسب من الحلال؛ فيعف نفسه أو ينفق على أهله، كمن يجاهد في سبيل الله.
المبدأ الثاني: إن الأصل في سؤال الناس هو الحرمة، وقد حذَّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «اليد العُلْيَا خير من اليد السُّفْلَى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعِفَّه الله، ومن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله» (متفق عليه).
وهنا تتجلى لنا من قصة القَدوم عدة دروس وعبر، فقد جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسأله عطاء ويطلب منه مالا، فقال له النبي: «أما في بيتك شيء؟». فقال الرجل: بلى، لدينا كساء نلبس بعضه ونبسط بعضه لنجلس عليه، وقدح نشرب فيه الماء. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ائتني بهما)، فجاء بهما الرجل، فقال النبي: «مَنْ يشتري هذين؟». فقال رجل: أنا أشتريهما بدرهم. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ يزد على درهم؟» فقال رجل: أنا أشتريهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الدرهمين، فأعطاهما للرجل الفقير، وقال له: «اشترِ بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قدومًا – أي فأسًا- فأتني به». فاشتري الرجل قدومًا وجاء به إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي صنع له يدًا بنفسه وقال له: «اذهب فاحتطب وبع ولا أَرَينَّك خمسة عشر يومًا». فذهب الرجل يجمع الحطب ويبيعه، ثم رجع بعد أن كسب عشرة دراهم، واشترى ثوبًا وطعامًا. فقال له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكْتَةً -أي علامة- في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مُدْقِع –شديد-، أو لذي غُرْم مفظع –كبير-، أو لذي دم موجع -عليه دية-» (راجع سنن أبي داود).
ونلاحظ هنا ملمحا عظيما وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يعالج مشكلة هذا الرجل ومن على شاكلته علاجا جذريا نهائيا يكفل له ديمومة الرزق، وقد صنع (صلى الله عليه وسلم) يد القدوم بنفسه؛ ليشير إلى ضرورة التواضع حيال العمل وحيال شتى المهن الشريفة، وأنه لا غضاضة في هذا العمل ولا في غيره، طالما أنه عمل حلال، ويشير أيضا إلى ضرورة أن يتولى كل قادر مساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين، حتى ننقلهم من حال إلى حال.
باحثة وكاتبة مصرية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك