العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

اليد العُلْيَا خير من اليد السُّفْلَى

الجمعة ٠٩ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬مروة‭ ‬سلامة‭ ‬إبراهيم

جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬الحنيف‭ ‬ليرسي‭ ‬مبادئ‭ ‬راقية،‭ ‬وعادلة،‭ ‬وحافظة‭ ‬لماء‭ ‬الوجه،‭ ‬وحافظة‭ ‬للجهد،‭ ‬في‭ ‬تحصيل‭ ‬المال‭ ‬وعدم‭ ‬الأكل‭ ‬من‭ ‬عَرق‭ ‬الآخرين،‭ ‬وكلها‭ ‬تُعلم‭ ‬الإنسان‭ ‬العزة‭ ‬والكرامة‭ ‬والعفاف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبدأين‭ ‬مهمين‭: ‬

الأول‭: ‬إن‭ ‬أساس‭ ‬الكسب‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬العمل،‭ ‬وأنه‭ ‬على‭ ‬المسلم‭ ‬أن‭ ‬يمشي‭ ‬في‭ ‬مناكب‭ ‬الأرض،‭ ‬ويبتغي‭ ‬من‭ ‬فضل‭ ‬الله،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬هُوَ‭ ‬الَّذِي‭ ‬جَعَلَ‭ ‬لَكُمُ‭ ‬الْأَرْضَ‭ ‬ذَلُولاً‭ ‬فَامْشُوا‭ ‬فِي‭ ‬مَنَاكِبِهَا‭ ‬وَكُلُوا‭ ‬مِن‭ ‬رِّزْقِهِ‭ ‬وَإِلَيْهِ‭ ‬النُّشُورُ‭) (‬الملك‭: ‬15‭) ‬ويقول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭): ‬‮«‬لأنْ‭ ‬يَحْتَطِب‭ ‬أَحَدُكُمْ‭ ‬حُزْمَةً‭ ‬عَلَى‭ ‬ظَهْرِه،‭ ‬خَيْرٌ‭ ‬لَهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَنْ‭ ‬يَسْأَلَ‭ ‬أَحَدًا‭ ‬فَيُعْطِيَهُ‭ ‬أَوْ‭ ‬يَمْنَعَهُ‮»‬‭ (‬رواه‭ ‬البخاري‭)‬،‭ ‬وتأكيدا‭ ‬لهذا‭ ‬المبدأ‭ ‬جعل‭ ‬النبي‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬مَن‭ ‬يخرج‭ ‬ليعمل‭ ‬ويتكسب‭ ‬من‭ ‬الحلال؛‭ ‬فيعف‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬ينفق‭ ‬على‭ ‬أهله،‭ ‬كمن‭ ‬يجاهد‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭. ‬

المبدأ‭ ‬الثاني‭: ‬إن‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬سؤال‭ ‬الناس‭ ‬هو‭ ‬الحرمة،‭ ‬وقد‭ ‬حذَّر‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭) ‬من‭ ‬المسألة،‭ ‬وبالغ‭ ‬في‭ ‬النهي‭ ‬عنها‭ ‬والتنفير‭ ‬منها،‭ ‬فقال‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭): ‬‮«‬اليد‭ ‬العُلْيَا‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬اليد‭ ‬السُّفْلَى،‭ ‬وابدأ‭ ‬بمن‭ ‬تعول،‭ ‬وخير‭ ‬الصدقة‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬غنى،‭ ‬ومن‭ ‬يستعفف‭ ‬يعِفَّه‭ ‬الله،‭ ‬ومن‭ ‬يَسْتَغْنِ‭ ‬يُغْنِهِ‭ ‬الله‮»‬‭ (‬متفق‭ ‬عليه‭). ‬

وهنا‭ ‬تتجلى‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬القَدوم‭ ‬عدة‭ ‬دروس‭ ‬وعبر،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬رجل‭ ‬إلى‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭) ‬يسأله‭ ‬عطاء‭ ‬ويطلب‭ ‬منه‭ ‬مالا،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬النبي‭: ‬‮«‬أما‭ ‬في‭ ‬بيتك‭ ‬شيء؟‮»‬‭. ‬فقال‭ ‬الرجل‭: ‬بلى،‭ ‬لدينا‭ ‬كساء‭ ‬نلبس‭ ‬بعضه‭ ‬ونبسط‭ ‬بعضه‭ ‬لنجلس‭ ‬عليه،‭ ‬وقدح‭ ‬نشرب‭ ‬فيه‭ ‬الماء‭. ‬فقال‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭): (‬ائتني‭ ‬بهما‭)‬،‭ ‬فجاء‭ ‬بهما‭ ‬الرجل،‭ ‬فقال‭ ‬النبي‭: ‬‮«‬مَنْ‭ ‬يشتري‭ ‬هذين؟‮»‬‭. ‬فقال‭ ‬رجل‭: ‬أنا‭ ‬أشتريهما‭ ‬بدرهم‭. ‬فقال‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭): ‬‮«‬مَنْ‭ ‬يزد‭ ‬على‭ ‬درهم؟‮»‬‭ ‬فقال‭ ‬رجل‭: ‬أنا‭ ‬أشتريهما‭ ‬بدرهمين،‭ ‬فأعطاهما‭ ‬إياه،‭ ‬وأخذ‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭) ‬الدرهمين،‭ ‬فأعطاهما‭ ‬للرجل‭ ‬الفقير،‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬‮«‬اشترِ‭ ‬بأحدهما‭ ‬طعامًا‭ ‬فانبذه‭ ‬إلى‭ ‬أهلك،‭ ‬واشترِ‭ ‬بالآخر‭ ‬قدومًا‭ ‬–‭ ‬أي‭ ‬فأسًا‭- ‬فأتني‭ ‬به‮»‬‭. ‬فاشتري‭ ‬الرجل‭ ‬قدومًا‭ ‬وجاء‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭) ‬الذي‭ ‬صنع‭ ‬له‭ ‬يدًا‭ ‬بنفسه‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬‮«‬اذهب‭ ‬فاحتطب‭ ‬وبع‭ ‬ولا‭ ‬أَرَينَّك‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬يومًا‮»‬‭. ‬فذهب‭ ‬الرجل‭ ‬يجمع‭ ‬الحطب‭ ‬ويبيعه،‭ ‬ثم‭ ‬رجع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كسب‭ ‬عشرة‭ ‬دراهم،‭ ‬واشترى‭ ‬ثوبًا‭ ‬وطعامًا‭. ‬فقال‭ ‬له‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭): ‬‮«‬هذا‭ ‬خير‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تجيء‭ ‬المسألة‭ ‬نُكْتَةً‭ -‬أي‭ ‬علامة‭- ‬في‭ ‬وجهك‭ ‬يوم‭ ‬القيامة،‭ ‬إن‭ ‬المسألة‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬إلا‭ ‬لثلاثة‭: ‬لذي‭ ‬فقر‭ ‬مُدْقِع‭ ‬–شديد‭-‬،‭ ‬أو‭ ‬لذي‭ ‬غُرْم‭ ‬مفظع‭ ‬–كبير‭-‬،‭ ‬أو‭ ‬لذي‭ ‬دم‭ ‬موجع‭ -‬عليه‭ ‬دية‭-‬‮»‬‭ (‬راجع‭ ‬سنن‭ ‬أبي‭ ‬داود‭).‬

ونلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬ملمحا‭ ‬عظيما‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يعالج‭ ‬مشكلة‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬ومن‭ ‬على‭ ‬شاكلته‭ ‬علاجا‭ ‬جذريا‭ ‬نهائيا‭ ‬يكفل‭ ‬له‭ ‬ديمومة‭ ‬الرزق،‭ ‬وقد‭ ‬صنع‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬يد‭ ‬القدوم‭ ‬بنفسه؛‭ ‬ليشير‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬التواضع‭ ‬حيال‭ ‬العمل‭ ‬وحيال‭ ‬شتى‭ ‬المهن‭ ‬الشريفة،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬غضاضة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬غيره،‭ ‬طالما‭ ‬أنه‭ ‬عمل‭ ‬حلال،‭ ‬ويشير‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬كل‭ ‬قادر‭ ‬مساعدة‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين‭ ‬والمحتاجين،‭ ‬حتى‭ ‬ننقلهم‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬إلى‭ ‬حال‭.‬

باحثة‭ ‬وكاتبة‭ ‬مصرية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا