العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إلى متى تستمر الحرب العبثية في السودان؟

بقلم: فاروق يوسف {

الجمعة ٠٩ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬يصدق‭ ‬أن‭ ‬مليشيا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬نظامية‭ ‬تشرف‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تمولها‭ ‬وتتحكم‭ ‬بحركتها‭ ‬فهو‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جاهلا‭ ‬أو‭ ‬متواطئا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬منافقا‭. ‬المليشيا‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬إلا‭ ‬لحاجات‭ ‬تقع‭ ‬خارج‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬ولا‭ ‬تخدم‭ ‬إلا‭ ‬فئة‭ ‬بعينها‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬أهداف‭ ‬مؤقتة‭.‬

‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬حال‭ ‬المليشيات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عنصرية‭ ‬أو‭ ‬طائفية‭. ‬وهي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أشبه‭ ‬بتجمعات‭ ‬المرتزقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتورع‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بأيّ‭ ‬شيء‭.‬

لقد‭ ‬اخترعت‭ ‬المليشيات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القيام‭ ‬بأعمال‭ ‬قذرة‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬القوانين‭ ‬للجيوش‭ ‬النظامية‭ ‬بالقيام‭ ‬بها‭. ‬وفي‭ ‬الأساس‭ ‬فإن‭ ‬ظهور‭ ‬المليشيات‭ ‬مرتبط‭ ‬بضعف‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬غيابها،‭ ‬والأسوأ‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للنظام‭ ‬السياسي‭ ‬أهداف‭ ‬سيئة‭ ‬مبيّتة‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنظيمات‭ ‬عسكرية‭ ‬غير‭ ‬رسمية‭ ‬هي‭ ‬المليشيات‭.‬

وليس‭ ‬خافيا‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬التي‭ ‬أشعلت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وقامت‭ ‬باحتلال‭ ‬المستشفيات‭ ‬وحرق‭ ‬بيوت‭ ‬المدنيين‭ ‬بعد‭ ‬نهبها‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬مليشيا‭ ‬جرى‭ ‬تأسيسها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬دارفور‭ ‬وكان‭ ‬‮«‬جنجويد‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الاسم‭ ‬المعروف‭ ‬لها‭. ‬والعالم‭ ‬كله‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬‮«‬جنجويد‮»‬‭.‬

ذلك‭ ‬لأن‭ ‬أدراج‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬والمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬ممتلئة‭ ‬بالملفات‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬تلك‭ ‬المليشيا‭ ‬التي‭ ‬وضع‭ ‬نظام‭ ‬عمر‭ ‬حسن‭ ‬البشير‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬مسؤولية‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الحركات‭ ‬المتمردة‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬دارفور‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬البشير‭ ‬كثير‭ ‬الاهتمام‭ ‬بمصير‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الإقليم‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬تقلقه‭ ‬أنباء‭ ‬المذابح‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحدث‭ ‬هناك‭.‬

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬البشير‭ ‬هو‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العسكر‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬راغبين‭ ‬في‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬التنظيمات‭ ‬المسلحة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬التي‭ ‬يثقون‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثقتهم‭ ‬بالجيش‭ ‬الذي‭ ‬يُفترض‭ ‬أنهم‭ ‬من‭ ‬أبنائه‭.‬

قبل‭ ‬الحرب‭ ‬الحالية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬سياسيي‭ ‬السودان‭ ‬قد‭ ‬طرح‭ ‬على‭ ‬الملأ‭ ‬مشكلة‭ ‬وجود‭ ‬مليشيا‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تنقلب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬لحظة‭. ‬لقد‭ ‬صدّق‭ ‬النظام‭ ‬كذبة‭ ‬هو‭ ‬مَن‭ ‬أطلقها‭.‬

كانت‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬نظريا‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬تمويلها‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬تماما‭. ‬فالحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬وهو‭ ‬مجموعة‭ ‬المليشيات‭ ‬الشيعية‭ ‬التابعة‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬النظري‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬العراقية‭ ‬وله‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬العراقية‭ ‬حصة‭ ‬كبيرة‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقصف‭ ‬بيت‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬إن‭ ‬مسّه‭ ‬بكلمة‭.‬

استعمل‭ ‬البشير‭ ‬الجنجويد‭ ‬لذبح‭ ‬سكان‭ ‬دارفور‭ ‬وحين‭ ‬شعر‭ ‬أن‭ ‬الجريمة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬إخفاؤها‭ ‬ميسّرا‭ ‬ألحق‭ ‬تلك‭ ‬المليشيا‭ ‬بالقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غيّر‭ ‬اسمها‭ ‬إلى‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭. ‬كذبة‭ ‬صدّقها‭ ‬البشير‭ ‬ولم‭ ‬يشعر‭ ‬مَن‭ ‬انقلبوا‭ ‬عليه‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬ينظروا‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬منظار‭ ‬وطني‭.‬

لم‭ ‬يطالب‭ ‬أحد‭ ‬العسكر‭ ‬بالكشف‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الحقيقة‭. ‬وهم‭ ‬اليوم‭ ‬يدفعون‭ ‬الثمن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ماطلوا‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬تسليم‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬المدنيين‭. ‬ولو‭ ‬وصل‭ ‬المدنيون‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬لاكتشفوا‭ ‬الحقيقة‭. ‬حقيقة‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬صنع‭ ‬ضمانات‭ ‬لبقائه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مليشيا‭ ‬مجرمة،‭ ‬أضفى‭ ‬عليها‭ ‬صفة‭ ‬القوات‭ ‬الرديفة‭ ‬للجيش‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬ليست‭ ‬كذلك‭. ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬يؤكد‭ ‬ذلك‭.‬

حين‭ ‬شعرت‭ ‬مليشيا‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬رغبة‭ ‬حقيقية‭ ‬بدمجها‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬أشعلت‭ ‬الحرب‭. ‬ومن‭ ‬سخريات‭ ‬الأمور‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬يرعى‭ ‬مفاوضات‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬السودانية‭ ‬ومليشيا‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أنشأتها‭ ‬لارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭. ‬

ولكن‭ ‬الأمور‭ ‬ستزداد‭ ‬سوءا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬يسع‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬إيقاف‭ ‬القتال‭ ‬العبثي،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬أرواح‭ ‬المدنيين‭ ‬وممتلكاتهم‭. ‬لقد‭ ‬امتهن‭ ‬الطرفان‭ ‬الكذب‭. ‬فقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬شرعيا‭ ‬حق‭ ‬الوجود‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كذبة‭ ‬ارتباطها‭ ‬بالقوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬تلوم‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬غطى‭ ‬بقوانينه‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬مليشيا‭ ‬أدانها‭ ‬العالم‭.‬

حين‭ ‬قبل‭ ‬السودان‭ ‬بالشروط‭ ‬الأمريكية‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحصار‭ ‬عليه‭ ‬ومنها‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬كان‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬فيه‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬صار‭ ‬في‭ ‬مأمن‭ ‬ولم‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬باله‭ ‬أن‭ ‬عدوه‭ ‬الحقيقي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الحراك‭ ‬المدني‭ ‬بل‭ ‬المليشيات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعيث‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬فسادا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تمويل‭ ‬حكومي‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬استيلاء‭ ‬علني‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬الشعب‭. ‬سيُقال‭ ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬السوداني‭ ‬يدفع‭ ‬الآن‭ ‬ثمن‭ ‬خطئه‭ ‬ولكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬ليست‭ ‬كذلك‭. ‬للعالم‭ ‬مساهمة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا