أن يولد قاص متميز يعرف كيف يخيط اللعبة السردية ضمن ولادات عدة لأصوات قصصية تمتلئ بها الساحة الثقافية الأدبية السردية، ليس بالهين أو السهل، لأن ليس من دخل لعبة فنيات القصة القصيرة أن تستطيع أن تمتلك ناصية قارئ لا يفلت من قبضتك ولا يمكنه أن يتغافل ويذهب دون أن يكمل ما جاء به القاص المتميز في عمله الجاد والمدروس.
فضمن ما يأتينا من نتاج لحراك قصصي ضمن حراك محلي أو عربي يدعنا أن نقرأ بعناية وأن نميز بين الغث والسمين.
فكثير من المجاميع القصصية التي تخرج من قبضة المطابع ليتلقفها قراء هذا الفن، لا تضيف ما يغري المتتبع والحريص على اقتناء المطبوع، لأن أكثرها لا تمس هذا الفن ولا تعطي ما يضاف إلى خريطة مبدعي فن القصة القصيرة، بل حروف تراكبت واكتظت ضمن أوراق بيضاء من دون أن يكون لها من الفعل المسنود لفن القصة القصيرة ما يميزها.
هم يتسابقون من دون وعي ومن دون رسالة يحرصون على تقديمها للقارئ عبر فنيات القصة القصيرة، لأنهم بحاجة إلى أن يكونوا أولاً أصحاب خطاب ينتمون إليه ويشغلهم فيوظفونه ضمن نتاجهم القصصي.
فالغالبية ممن هم محسوبون على هذا الفن يفتقدون وعيه وفعل رسالته الفنية الأدبية الثقافية فتراهم ضمن نسيج أضعف أن يطلق عليهم قاصون، لأنهم ضمن معطيات فعل هذا الأدب ليسوا سوى تلامذة لم يعرفوا كيف يحبرون معاناتهم بلغة أدبية تستقرأ ضمن انتمائها مشاغل عدة في المجتمع الإنساني.
لن أذهب بعيداً أكثر مما أنا ذاهب، لأن ما أردت إيضاحه أن رسالة فن القصة القصيرة ليست من الأدبيات السهلة ولا يعني خلطنا لبعض ما يشغلنا من رسائل قد تكون ضمن دفتر مذكرات مدرسي أردنا منها إبرازها كي تقرأ، ولنا الحق في تسميتها قصة قصيرة!.
إن فن القصة يحتاج منا إلى تعب ودراسات وموهبة تعرف كيف تخيط لعبة السرد ضمن حكايات أشخاص قد تنتمي إلى عالمنا وقد تكون ضمن خيال واسع يستحضره القاص من عالم فنتازي مشوق.
بين هذه الأصوات لفت انتباهي القاص الأستاذ ناجي جمعة الذي تعرفت عليه من خلال بعض نتاجه الموزع بين الرواية والدراسة النقدية والقصة القصيرة، وقد أهداني جل نتاجه السردي والنقدي، حيث كان ناجي جمعة ولاد لكل هذا النتاج ولن أقول قرأت كل ما أهداني بل قرأت بعضه منها روايته «ساعة سقوط الوردة» وكانت رواية جميلة ولافتة نبأتني بولادة سارد قادر على تحريك الأحداث ومشاغلة الشخوص ضمن أمكنتها وضمن خطاب إنساني سردي عالي الجودة في بناء الأحداث وتراصصها ضمن واقع رسمه ناجي بعناية وبسرد جميل وفني لم أرها ضمن نتاجنا المحلي للأصوات الجديدة في هذا الفن ولكن لا أبخس بعضا ممن هم يشتغلون من الشباب بعناية لرصف هذا الفن العالي في الرواية والقصة القصيرة.
فمنذ أن قرأت روايته «ساعة سقوط الوردة» أدركت أنني أقرأ لتجربة مغايرة وحريصة على التمسك بالخطاب الإنساني المجتمعي في القصة القصيرة وفي الرواية.
وما أثارني وأكد لي أنني أقرأ لشاب مجتهد وحريص على إبراز أدواته الفنية في عوالم فن السرد مجموعته القصصية الجديدة الصادرة حديثاً والمعنونة «سكرة الروح» مجموعة برز فيها الخطاب الإنساني بشكل واضح في معالجة قضايا المجتمع ومن خلال إبراز أحداث لعب فيها القاص على إيثارة حركة التنقل بين الهم الخاص إلى الهم العام، بأسلوب تقني خال من مثالب السقوط في اللغة.
مثال «رجل الخردة» ص14 من المجموعة وقصة «الأضواء الخافتة» من المجموعة ص9 وقصة «أم البنات» ص28 مثال هذه القصص التي ضمها كتاب مجموعته «سكرة الروح» أبرز فيها القاص الخطاب الإنساني متلمساً قضايا مجتمعه في التقاطه لبعض تلك المثالب التي تشغل المجتمع وتشكل قضايا مهم.
قام ناجي بتحريك فنيات العمل السردي ضمن خطابه الفني الإنساني الواعي للعبة القص ولعبة الرواية.
ما يعني لنا كقراء نميز بين قاص وآخر من حيث قدرة هذا القاص على التمسك بلغة وفنيات لعبة السرد وعلى إخفاق آخر في التمسك بالقارئ وضياعه بين الإمساك بفنيات السرد.
ناجي جمعة يعني لي أنه شاب طموح استطاع أن يهدينا من ثماره ما يُكل بلذة دون أن نشبع لأننا مدركون أننا بين ولادة أي قاص وسارد، يهمنا ما يهم الآخرين ضمن حكاية لا تغادرنا قبل أن توقظ فينا شعلة أخرى تضيء الجانب المظلم في حكايتنا.
a.astrawi@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك