لم يكُن نجم الشاشة السينمائية المصرية «عبدالسلام النابلسي» ممثلاً وحسب؛ بل كان ذا حسٍ أدبي رفيع تجلَّى في زاوية صحفية كان يكتبها بانتظام على صفحات مجلة «المصوَّر» المصريَّة تحت عنوان: «نجومٌ على الأرض»، وبعد اضطراره مغادرة مصر إلى لُبنان أواخر سنوات حياته بسبب مُشكلات مع مصلحة الضرائب المصريَّة انتقلت معه تلك الزاوية بنفس العنوان إلى مجلَّة «الشبكة» اللبنانيَّة التي كان يرأس تحريرها ذاك الوقت الإعلامي/ جورج إبراهيم الخوري.
بأسلوب «النابلسي» الشاعري، الذي درسَ الأدب على يد والده وفي الأزهر، واستزاد من الثقافة الأدبيَّة حين عمل في مهنة الصحافة الفنية زمنًا قبل التفرغ لمهنة التمثيل، كان يكتب عن زملائه من نجوم الفن، ولو كان هذا النجم الأديب يعيش اليوم بيننا وفي مُجتمعنا لا أظنهُ يُغفلُ الكتابة عن نجمٍ بحريني شاب يملك من الموهبة الفائقة والمهارة المصقولة بالخبرة منذ الطفولة في هذا المجال ما يجعله مُستحقًا الكتابة عنه، لا سيما بعد النجاح الساحق الذي حققه آخر أعماله الفنيَّة لهذا العام، مسرحيَّة «آخر حبَّة».
انهمرت الجماهير على تذاكر «آخر حبَّة» انهمارًا جعلها تنفد سريعًا، وصيَّر الحجز يتطلَّب سباقًا مع الزَّمن، ولولا موافقة فريق العمل على تمديد بضعة عروضٍ قليلة نزولاً عند رغبة الجماهير لما تمكنتُ من حضورها الذي تحوَّل إلى حلمٍ بعيد المنال لكثيرين! كان حظي طيبًا فتمكنتُ من حجز مقعدٍ في منتصف صالة المسرح خلال العرض العشرين الذي كان العرض ما قبل الأخير، ولا بُد وأن كل مُلمٍ بأحوال المسرح الخليجي بوجهٍ عام والبحريني بوجهٍ خاص خلال الأعوام الأخيرة يُدرك أن هذا الكم من العروض يعني تحقيق رقم قياسي يُشبه مُعجزة!
كان من اللافت توافُد الجمهور على المسرحيَّة من مُختلف الطبقات المُجتمعيَّة ثقافيًا وفكريًا وماديًا، رأيتُ أشخاصًا ينم مظهرهم عن استغنائهم عن بعض مظاهر الرفاهية الأخرى في حياتهم لتوفير رسوم تذكرة المسرحيَّة، وأشخاصًا لا يبدو أنهم من هواة مُتابعة الأعمال الفنيَّة، وأشخاصًا بشخصيَّاتٍ من مُختلف الأنماط والتوجُّهات العامَّة التي لا تُبصر الفرق بينها وبين غيرها إلا عين روائي خبير أو فنَّانٌ مُحترف أو مُلمٌ بتنوع النماذج البشريَّة، ومع هذا اتفق كل هؤلاء – في ظاهرةٍ نادرة – على الاجتماع وحضور مسرحيَّةٍ فنيَّة، ما يؤكد أن وراء هذا النجاحِ سرًا كان سببًا في تحققه لهذا الفريق بينما لم يتحقق لغيرهم من المُجتهدين! ولا تكاد المسرحيَّة تُشارف على النهاية حتى يصل المُشاهد المُلم بفن المسرح أن هذا السر هو الممثل «حسن محمد».
لا يمكن لنجمٍ تحقيق النجاح من دون فريقٍ مُتعاون مُجتهد، ولا شك في روح التعاون الملحوظة بين أفراد فريق مسرح «مافيا سكراب»، لكن هذا التعاون ما كان سيُحقق نجاحًا مماثلاً لو تم استبدال «حسن محمد» بممثلٍ آخر، فهذا الشاب يمتاز بإشعاعٍ نادرٍ من الموهبة التي تتحول إلى طاقة سحرية تجتذب أسماع وأبصار المُشاهدين، إن موهبتهُ من ذاك النوع المُلح إلى درجة أنهُ لو حُبس في غرفةٍ بمُفرده فسيُمثل لأجل ولعِه بالتمثيل، ولو تم تقييد يديه وقدميه وربط عصابة على عينيه فسيُطلق العنان لمُخيلته كي يُمثل داخل عقله!
كان هذا النجم واعدًا صاعدًا منذ إطلالته عبر الشاشة من خلال برنامج «صانعو التاريخ»، ومازالت نجاحاتهُ تُسافر بين الغيوم على أجنحة المُسلسلات الخليجية، لكن تجربتهُ الأخيرة على المسرح أفصَحَت عن نُضجٍ لافتٍ في شخصيته كإنسان انعكَسَ على أدائه كمُمثل، لقد نقشَت أحداث الزمن بصماتها على روحه فصَقَلَتها وصَنَعَت منها للفن البحريني والخليجي كنزًا لا يُمكن تجاهله.
zainabahrani@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك