تطرقت في المقال السابق إلى أهمية إشراك أصحاب المصلحة في تطوير السياسات العامة وكيف يسهم الأخير في نجاح وشرعية واستدامة اللوائح والقوانين على المدى البعيد في مختلف القطاعات الاقتصادية، وقدمنا تجربة سنغافورة على وجه الخصوص التي يقوم صناع القرار فيها بإشراك أصحاب المصلحة قبل إطلاق الاستراتيجيات والسياسات العامة. وسوف نجيب في الأجزاء القادمة من هذا المقال عن آليات إشراك أصحاب المصلحة لتطوير السياسات العامة مع الاستدلال بدراسة تجارب وحالات ناجحة في مختلف دول العالم. وفي البداية، سوف نقوم بطرح أمثلة بارزة على إشراك أصحاب المصلحة في القطاع الخاص لتعزيز ريادة الأعمال والنمو الاقتصادي.
من الأمثلة البارزة على مشاركة أصحاب المصلحة في أوروبا لزيادة نمو المشاريع وازدهار الأعمال التجارية المبادرة التي اتخذتها الغرفة الاقتصادية الاتحادية النمساوية. تعاونت الغرفة مع مختلف أصحاب المصلحة مثل جمعيات المجتمع المدني للأعمال التجارية والجامعات والوكالات الحكومية لوضع استراتيجية شاملة لدعم وتعزيز ريادة الأعمال.
وشملت المبادرة تدابير مختلفة مثل توفير فرص الحصول على التمويل والتدريب والتعليم وقنوات التواصل بين منظمي المشاريع. كما عملت المنظمة على خلق بيئة عمل مواتية من خلال تعزيز السياسات التي تدعم الابتكار والمنافسة والاستدامة.
ونجح إشراك أصحاب المصلحة في تحقيق أهدافه، ما أدى إلى إنشاء أعمال تجارية جديدة ونمو الأعمال التجارية القائمة. كما ساعد على خلق فرص عمل جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي في المنطقة. وقد تم الاعتراف بالمبادرة باعتبارها مثالا لأفضل الممارسات لمشاركة أصحاب المصلحة في أوروبا، وتم تكرارها في مناطق أخرى في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
من الأمور المستفادة من التجربة النمساوية هي:
أولاً: يمكن للحكومة الحصول على رؤى قيمة حول الاحتياجات والتحديات التي تواجه السوق وأصحاب المشاريع والمستثمرين ووضع سياسات تستجيب لهذه التحديات. ثانياً: يمكن أن يساعد إشراك أصحاب المصلحة في بناء الدعم لهذه السياسات، ما يزيد من احتمالية تنفيذها بنجاح. ثالثاً: يمكن أن يساعد إشراك أصحاب المصلحة في خلق شعور بالملكية والمشاركة والتعاون لتطوير هذه السياسات، ما قد يؤدي إلى زيادة الاستثمار والابتكار وخلق فرص عمل جديدة على المدى الطويل.
فأصحاب المصلحة هم الجهات والأطراف الذين سيتأثرون من خلال هذه السياسات أو الاستراتيجيات، لذلك فإن فهم تحدياتهم يخلق حالة توافق مع السياسة أو الاستراتيجية الجديدة.
وفي حالة أخرى لمشاركة أصحاب المصلحة في تعزيز ريادة الأعمال والنمو في المملكة المتحدة هو تأسيس جمعية أنتربرايس نيشن. أسستها إيما جونز في عام 2005، وتقوم الجمعية بدعوة أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة، والمستثمرين، وصانعي القرار في القطاع الخاص، والجامعات لتبادل المعرفة والموارد. حتى أصبحت الجمعية تشمل أكثر من 100,000 عضو وشركاء مع شركات مثل أمازون وجوجل وفيسبوك لتقديم الدعم والتدريب لأعضائه. عملت الجمعية أيضا مع حكومة المملكة المتحدة لتطوير السياسات والمبادرات التي تدعم نمو الأعمال التجارية الصغيرة، مثل Small Business Saturday Campaign وStart Up Loans scheme، والتي تكللت بالنجاح بسبب نهج إشراك أصحاب المصلحة، وأصبح دور جمعيات المجتمع المدني للأعمال التجارية مهم في عملية النمو الاقتصادي وتعزيز ريادة الأعمال.
هناك عديد من الدول التي تسعى إلى صنع سياسات واستراتيجيات فعالة لتعزيز دور ريادة الأعمال ودور الشركات الصغيرة والمتوسطة، كذلك لسنح الفرصة لدخول قطاعات جديدة يمكن أن تسهم في خلق اقتصاد متنوع وفرص عمل جديدة وفرص استثمارية واعدة. إذ يمكن أن يكون ذلك ممكناً من خلال اجتماع الوزارات والهيئات المعنية بممثلي رجال الأعمال، والشركات الصغيرة والمتوسطة، وجمعيات المجتمع المدني للأْعمال التجارية، والأكاديميين والباحثين في مراكز الفكر والجامعات سواء في اجتماعات حقيقية أو افتراضية للبحث عن التحديات التي تتعلق بالسوق، أو بالقوانين المعيقة لبيئة الأعمال، لتقديم توصيات ورؤى يمكن من خلالها تطوير بيئة الأعمال وخلق التنافسية والاستدامة في السوق المحلي.
تطمح مملكة البحرين إلى أن تطور قطاعاتها المحلية وتدخل قطاعات جديدة تسهم في الناتج المحلي الإجمالي، كصناعة السيارات، ومجال تصنيع الأدوية، واستقطاب الشركات التكنولوجية، وخلق فرص استثمارية واعدة لرجال الأعمال المحليين والشركات الصغيرة المتوسطة، واستقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة، وتطمح المملكة كذلك في نجاح استراتيجية الصناعة والسياحة والتعليم والصحة وغيرها من الاستراتيجيات المتوافقةً مع أهداف التنمية المستدامة، إلا أن كل هذا يتوجب إشراك أصحاب المصلحة في مختلف القطاعات لفهم تحديات واحتياجات هذه القطاعات وتقديم رؤى وتوصيات يمكن من خلالها الدفع بعملية التنمية في هذه القطاعات الحيوية.
لذلك، فإن مشاركة أصحاب المصلحة عنصر حيوي في نجاح أي سياسة أو استراتيجية وطنية، وفي الجزء القادم من هذا المقال، سوف نتعمق أكثر في مجالات اقتصادية أكثر وعرض أمثلة لحالات تكللت بالنجاح من خلال مشاركة أصحاب المصلحة والتي أدت إلى زيادة النمو والازدهار على المستوى الوطني.
{ مركز البحرين للدراسات
الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك