منذ أيام وبالتحديد في 5 يونيو 2023 أعلنت وزارة الصناعة والتجارية إطلاق مبادرة (صديق المستهلك) للمنشآت التجارية المعنية ببيع وتداول السلع والمنتجات الغذائية المنتشرة بالأسواق المحلية في جميع محافظات مملكة البحرين خلال الفترة من يونيو إلى ديسمبر 2023.
ولقد أوضح الوكيل المساعد للتجارة المحلية والخارجية الشيخ حمد بن سلمان آل خليفة أن هذه المبادرة تهدف إلى تخفيض سعر 10 سلع غذائية من أصل 15 سلعة غذائية محددة بنسبة لا تقل عن 10%، وذلك بمشاركة المحال التجارية الكبرى المعنية ببيع وتداول السلع والمنتجات الغذائية في مملكة البحرين من خلال عرض أقل سعر للسلع والمنتجات الغذائية ليحصل عليها المستهلكون بسعر مناسب.
ومن أجل تحفيز التجار للمشاركة في هذه المبادرة قامت الوزارة بالإعلان أنه سيتم نشر أسماء المنشآت التجارية المشاركة في المبادرة بالمواقع الرسمية للوزارة، كما أنها ستقوم كذلك باستعراض قوائم السلع والمنتجات الغذائية المشمولة بالمبادرة بهدف تسهيل وصول المستهلكين إلى السلع والأسعار والمقارنة بين المحال التجارية المختلفة بغرض ضمان أوفر للسلع والمنتجات الغذائية تحقيقًا للتكاتف والمسؤولية المجتمعية.
ونحن هنا نحيّ الوزارة ونثني عليها على هذه المبادرة التي تخدم قطاع المستهلكين، فعلى الأقل وفي ظل ارتفاع الأسعار التي لا يمكن التحكم فيها، فإن مثل هذه المبادرة يمكن نوعًا ما أن تخفف عبئا واقعا على كاهل المستهلك، يجد نفسه في كثير من الأحيان مجبرا أن يجافي الشراء من السوق الرسمي وأن يلجأ إلى الأسواق الفرعية غير الرسمية لأنها تبيع بأسعار أقل، وقد تكون تلك المواد التي يقوم بشرائها من الأسواق غير الرسمية أقل جودة، وربما غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وعلى الرغم من ذلك فهو مضطر، فلا بُد مما ليس له بُد.
وإن كنا نثني على هذه المبادرة، فإننا نطمح أن تقوم الوزارة بمبادرة أخرى، يمكن أن نسميها (المستهلك المسؤول)، وهذا يعني أن نضع بين يدّي المستهلك كل المعلومات والمعارف التي من الضروري أن يعرفها حتى يعرف حقه، فالدليل الذي صدر عن الوزارة (اعرف حقك) منذ عدة سنوات لا يفي بالغرض، فهو يحتاج إلى بعض التفاصيل وكذلك يحتاج إلى تحديث.
عمومًا، مبادرة (المستهلك المسؤول) تتمحور حول عمل حملة أو حملات إعلامية توعوية تهدف إلى تثقيف المستهلك بكل ما يحتاج من معلومات ومعرفة ومعلومات، على أن تكون هذه المعلومات التي يحتاج إليها متوافرة على الموقع الإلكتروني للوزارة، فيأخذ المعلومة في الوقت الذي هو يحتاج إليها، وليس من الضروري أن يتصل ويسأل عن المعلومات التي يريد، دعونا نتحدث عن ثلاثة أمور فقط يمكن أن تتضمنها هذه المبادرة، وهي:
أولاً: معلومات حول المواد الاستهلاكية، لنفترض مثلاً أني أريد شراء مكيف هواء، وفي السوق أنواع عديدة ومختلفة من المكيفات، وكل تاجر يعلن أنه يبيع أفضل أنواع المكيفات وأجودها وبأقل الأسعار، وهذا حق من حقوق التاجر.
ولكن، ماذا عن حقي أنا كمستهلك، أين أذهب ومن أين أستقي معلوماتي حول المكيفات، بكل بساطة أسأل زملائي في العمل، أهلي وأصدقائي، وكل شخص من هؤلاء يدلو بدلوه، ويذكر تجربته الشخصية حول هذا الموضوع، وفي النهاية أقف حائرًا بين كل تلك الأنواع من المكيفات.
في مبادرة (المستهلك المسؤول)، نعتقد أنه يجدر بالجهة المسؤولة أن تذكر في موقعها أنواع المكيفات –ومن غير ذكر العلامات التجارية– ومواصفات أفضل الأنواع وأجودها، والمكيفات التي تناسب أجواءنا، وعمرها الافتراضي، والمعلومات التي من الممكن أن تساعد المستهلك لشراء النوع الذي يناسبه. فربما بعض المستهلكين يهتم بموضوع السعر، فيمكنه من خلال الموقع أن يتعرف على الأسعار الموجودة في السوق، وبعض المستهلكين يحتاج أن يعرف أفضل جودة، وبعض المستهلكين الآخرين يحتاج أن يعرف كم تكلف تلك المكيفات من كهرباء وكم سيكون سعر الكهرباء إن استهلك تلك النوعية من المكيفات، وكم ستكون الفاتورة الشهرية، وهكذا، كل هذه المعلومات وغيرها يجب أن تكون متاحة.
ثانيًا: مراقبة الإعلانات، والشيء بالشيء يذكر نجد أنه من الضروري مراقبة الإعلانات التي تبث من خلال وسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة، فليس من المعلوم أن يقوم التاجر ببث وإنتاج أي إعلان يرغب وبالطريقة التي يرغبها، ونحن نعلم أن هناك رقابة على ذلك، ولكن مازال كثير من الإعلانات خارجة عن نطاق المألوف، فلا يوجد صابون أو مطهر – مثلاً – يمكنه أن يقضي على الميكروبات بنسبة 99% ، ولا يمكن لمعجون أسنان أن يقوم بتبيض الأسنان بصورة تجعلها تلمع وكأنها مصابيح في ليلة مظلمة، وغيرها كثير من الأكاذيب.
وقد يقول قائل؛ إنه لا يمكن التحكم في الإعلانات والتسويق، وهذا قد يكون حقيقة، ولكننا لا نقصد هنا أن نحد من خيالات المبدعين في التسويق والإعلان، إلا إنه نجد أنه من الضروري أن نقول الحقيقة بطريقة أو بأخرى، وأن يلتزم المعلنون والمسوقون بميثاق شرف، هذا الميثاق لا يقلل من شأن الصورة الجميلة والمبهرجة للإعلان، وإنما يجب أن تعطى بالإضافة إلى الصورة الجميلة للإعلان بعض الحقائق للمستهلك، بحيث لا يُخدع، ثم بعد ذلك نقول له إن القانون لا يحمي المغفلين!
ثالثًا: هندسة الاحتيال، أصبح اليوم الاحتيال فنا وإدارة وعلما وهندسة، وخاصة في زمن استخدام وسائل التواصل الحديثة، ودخل الاحتيال في كل جوانب حياتنا، فكل يوم نسمع أن هناك شخصا تم الاحتيال عليه بطريقة أو بأخرى.
اسمعوا هذه القصة التي حدثت في مكان ما، يقول أحدهم:
إنه احتاج إلى أن يقوم بنقل مكيفات منزله القديم إلى المنزل الجديد، فقام بالاتصال ببعض المؤسسات الرسمية فوجد أن أسعارها خارج نطاق قدراته، فبحث من هنا وهناك، فوجد إعلانًا في الانستجرام لشركة تنقل المكيفات بأسعار معقولة، فاتصل بهم واتفق معهم، فأتى العمال في الوقت المحدد وأزالوا المكيفات من المنزل القديم، وأعطاهم العنوان الجديد، وطلب منهم الذهاب إلى العنوان الجديد لأنه سوف يتأخر حوالي ربع ساعة لأنه سيذهب إلى مشوار آخر في طريقه، ولكن ابنه هناك في المنزل الجديد ينتظر. ومن باب الحيطة والحذر صوَّر رقم السيارة.
تحركت الشاحنة، وتحرك هو وذهب إلى مشواره، ثم عاد إلى منزله الجديد وهو يتوقع أن المكيفات قد وصلت، ولكن تفاجأ أن المكيفات لم تصل، فاتصل برقم الهاتف الذي اتصل به مسبقًا أثناء الاتفاق على نقل المكيفات، ولكن لا أحد يرد، فالهاتف مقطوع، كرر الاتصال عدة مرات ولكن لا من مجيب.
وبعد عدة ساعات، ذهب للإبلاغ عن الحادث، وبعد عدة أيام تبين أن السيارة لشخص قد غادر البلاد منذ عدة سنوات، وهي غير مسجلة مدة 10 سنوات، وأنها كانت موجودة في تلك اللحظة في مكان ما ولا يوجد بها أي شيء، فلا آثار ولا بصمات ولا مكيفات.
حسنٌ، من يعوض هذا الإنسان عن المكيفات التي سرقت من منزله وأمام ناظريه، وبطريقة لم يكن يتوقعها؟
قصص الاحتيال كثيرة، سواء في البحرين أو خارجها، ولا نبالغ إن قلنا إن وسائل الإعلام تنقل وبصورة يومية قصة أو حادثا، فمن يرد حق المتقاعد الذي تمت سرقة راتبه التقاعدي؟ ومن يرد حق ربة منزل تحاول أن تشتري عبر وسائل التواصل الاجتماعي ملابس العيد لأبنائها؟ وغيرها من القصص الكثير.
وحتى لا يكون حديثنا من قبيل الوهم، فقد نشرت الجرائم الإلكترونية يوم الأربعاء 7 يونيو 2023 تحذيرًا بعدم التجاوب مع بعض الصفحات الإلكترونية التي تقوم ببيع تذاكر وهمية لعدد من الحفلات الغنائية، ونحن نعلم أن الهدف ليس بيع التذاكر وإنما الحصول على المعلومات البنكية وسرقة الأموال.
والمستهلك يقف حائرًا أمام كل هذه الصفحات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو لا يعرف إن كانت تلك المحلات الموجودة على الانستجرام أو الصفحات الإلكترونية رسمية أو وهمية؟ وخاصة في ظل ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة.
نعتقد أن من حق المستهلك أن يعرف – على الأقل – معظم طرق الاحتيال والغش، حتى يحاول أن يقي نفسه من تلك الطرق، إلا أن هذا لا يمنع الجهات المسؤولة من توضيح تلك الطرق وكيف يمكن للمستهلك أن يتجنبها بأي طريقة كانت.
وقبل أن نختم، نقول إن بعض الدول تقوم بإصدار العديد من المطبوعات الرقمية وتنشرها في وسائل التواصل الاجتماعي بهدف توعية وتثقيف الجمهور، وهذه المعلومات تتضمن كل البضائع والمنتجات من السيارات والشاحنات حتى البيض والإبرة وما إلى ذلك، وكل المعلومات التي يحتاجها المستهلك في يومه وحياته، حتى إن بعض الدول تصدر مطبوعات رقمية حول كيفية التعامل مع الأغذية بعد شرائها من الأسواق حتى لا تتلف وتفسد، وكيف يمكن حفظها في المنزل، وكل تلك المعلومات متاحة للجمهور وفي أي وقت يريد.
لذلك فإننا نعتقد أنه لو قامت الوزارة مشكورة بتنفيذ مبادرة (المستهلك المسؤول) بالإضافة إلى مبادرة (صديق المستهلك) ومتزامنة معها فإن ذلك يسهم بصورة كبيرة في التخفيف على كاهل المستهلك ويقلل عمليات الغش والاحتيال، ويصبح لنا في يوم ما مستهلك مثقف واع، وهذا ما نريد.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك